* جانبلات شكاي
قفزت تكاليف نقل الركاب في دمشق وريفها أضعافاً، مع ثبات مصادر الدخل وربما تراجعها، ما جعل الكثير من الموظفين والطلاب يترددون في التوجه إلى دمشق لأن حالتهم المادية، السيئة أساساً، لم تعد تسمح بذلك، في ظل غياب وسائل النقل العامة الكبيرة، وتحكم أصحاب «السرافيس» بسوق نقل الركاب.على هوى السائقيقول أبو سليمان، وهو من أهالي الغوطة الشرقية، إن تسعير السرافيس أصبح على أهواء سائقيها، وجوابهم جاهز: من لا يعجبه عليه النزول، وبالتالي فمن يريد التوجه إلى دمشق عليه أن يدفع ما قرره السائق من أجرة من دون وجه حق، وعلى مزاجه، وهذه الحالة دفعت معظم موظفي الدولة ممّن لا دخل إضافي لديهم في دمشق، للامتناع من التوجه إلى العاصمة باعتبار أن أجرة الراكب الواحد تصل إلى سبعة آلاف ليرة من النشابية والقرى المحيطة بها، إلى كراجات الست، مركز إنطلاق سرافيس الغوطة الشرقية في المنطقة الصناعية بدمشق.
ويتابع لـ «القدس العربي»: «موظف الدولة المقيم في الغوطة، وممن يعتمد على راتبه الذي لا يصل في أحسن الأحوال إلى أكثر من 500 ألف ليرة شهرياً، عليه أن يدفع أجرة سرفيس آخر لينقله إلى مكان عمله داخل العاصمة، وبالتالي فإنه يدفع 12 الف ليرة صباحاً ومثلها مساءً، كحد أدنى، فتصل نفقات نقله في 23 يوم عمل شهرياً، إلى أكثر من 550 ألف ليرة، وبالتالي إما أن يستقيل أو يستنكف عن العمل مهما كانت النتائج، ومن يتجه للعمل في دمشق لابد وأن يكون راتبه يفوق المليون ونصف المليون أو المليونين لتحمل مشقة الطريق يومياً. وحال طلاب الجامعات ليس بأفضل، فالأسرة غير المقتدرة جيداً لم تعد تستطيع إرسال أبنائها لاستكمال دراستهم في دمشق.
ويقول أبو حمزة لـ«القدس العربي» وهو من أهالي قرية الأحمدية إن «العمل في الفلاحة أصبح مكلفاً ومردوده لم يعد يكفي إلا لسدّ جوع أبنائي، أما التفكير بإرسال ابني الكبير إلى الجامعة، فقد تخليت عنه، خصوصاً أننا لم نعد نخاف من الخدمة الإلزامية ولم يعد في حاجة إلى التأجيل، وعلى حمزة أن يبحث عن عمل هنا ليساعدني، وحالي هنا كحال معظم أهالي قريتنا التي بات عدد الجامعيين عندنا في تراجع مستمر، ووضعنا هذا ليس صنيعة الظروف الحالية بالتأكيد، وإنما هو تراكم السنوات العجاف الأخيرة، غير أن أجور النقل اليوم هي بمثابة ضربة قاضية على كل من كان يحلم أن يدرّس ابنه في الجامعة، وبالتالي، فإن استمرار الوضع المتردي، سيدفع بالتأكيد خلال سنوات، إلى تراجع في مستوى التعليم بالريف السوري عموماً.
الريف الأكثر تأثراً
خالد، طالب جامعي في كلية الآداب وهو من سكان مدينة دوما، أكد أنه يضطر للغياب معظم أيام الأسبوع عن محاضراته، لأن تكلفة المواصلات باتت مرهقة له لدرجة أنه اضطر الشهر الأخير الاستدانة من أحد زملائه بما يقارب 500 ألف ليرة، لتغطية نفقات مواصلاته، ناهيك عن قيمة المحاضرات المنسوخة، وبقية المستلزمات التي يحتاجها.
وقال: «الدراسة أصبحت مكلفة، وإن ظلت الأمور كما هي اليوم، فإنها ستصبح لأبناء الأغنياء فقط».
علاء موظف في مصرف التسليف الشعبي، وهو من سكان بلدة المعضمية، على الجانب الآخر من الغوطة الغربية، وبلدته لا تبعد عن قلب العاصمة إلا 10 كيلو مترات، يشكو من أن معظم راتبه بات يذهب اليوم كأجور للمواصلات، وهو بانتظار رفع الرواتب بمعدل أربعة أضعاف، كما وعدت حكومة تسيير الأعمال بداية شهر شباط/ فبراير القادم، ليقرر إن كان سيتابع عمله أم سيستقيل.
ليس ببعيد عن علاء، كان الشاب حسان يهم بالصعود إلى سرفيس جديدة عرطوز، بالقرب من وكالة «سانا» للأنباء، وفي حديثه لـ«القدس العربي» أوضح أن الأسعار هذه الأيام أفضل، ولكنها مازالت مرتفعة، فقبل فترة كان أصحاب السرافيس يفرضون الأسعار كما يريدون، وسمعنا عن دراسة تجري لتحديدها لكنها تأخرت، فتحرك مجلس بلدة جديدة عرطوز وأصدر قراراً حدّد من خلاله أسعار النقل من بلدتنا إلى دمشق وبالعكس بمبلغ 6 آلاف ليرة، بعد أن وصلت إلى نحو 10 آلاف، وجعلها للطلاب خمسة آلاف، وهذا التحرك ضبط العملية، ونتمنى أن يتم تعميم التجربة على باقي خطوط النقل في الريف أو المدينة.
مشكلة النقل انتهت
داخل مدينة دمشق، وفي ريفها، أزمة النقل العام حُلّت شكلاً، فالسرافيس باتت تتسابق على التقاط راكب، وفي مراكز الانطلاق تجد العديد منهم ينتظر دوره لينطلق، وذلك على خلاف ما كان الوضع عليه قبل إسقاط نظام بشار الأسد، حيث كانت السرافيس أشبه بالعملة النادرة، ولم يكن مفاجئاً أن ترى الركاب يتدافعون عليها ليصعدوا فيها وحتى ولو من النوافذ أحياناً، وصحيح أن هذه المناظر لن تشاهدها اليوم، ولكن تم الاستعاضة عنها بأزمة مرور خانقة خلقتها كثرة السرافيس التي عادت كلها لتعمل بعد إلغاء مخصصاتها من المازوت المدعوم، الأمر الذي كان يدفع حينها بالكثير من السائقين للمتاجرة بمخصصاتهم بدلاً من العمل بها.
اليوم، الصورة مختلفة كلياً، وارتفاع أجور النقل باتت هي المشكلة، فخطّ «الصناعة – مهاجرين» يربط بين الأحياء الجنوبية والشمالية مروراً بقلب العاصمة، والتسعيرة كما يطالب السائق هي أربعة آلاف ليرة، رغم أن الركاب في الرحلة الواحدة قد يتبدلون مرتين أو ثلاث مرات، ومن يدفع خمسة آلاف ليرة، باعتبارها قطعة واحدة، يحتفظ السائق بالباقي بحجة أنها لا تساوي شيئاً مع تراجع القيمة الشرائية، والراكب يخجل بأن يطالب بها.
أم علي، وهي من سكان نهر عيشة، ومنزلها لا يبعد عن قلب دمشق سوى كيلومترين فقط، إلا أنها تدفع يومياً ما يعادل 10 آلاف ليرة للنقل، مشيرةً إلى أن السائقين يحددون التعرفة وفق مزاجهم من دون رقيب ولا حسيب.
عملية التدخل لضبط أسعار النقل داخل دمشق، بدأت خطوتها الأولى من الشركة العامة للنقل الداخلي، والتي عمدت، حسب ما كشفته مصادر رسمية منها لـ «القدس العربي» إلى تخفيض تعرفتها لتصبح ألفي ليرة، بعد أن كانت تصل إلى 3500 ليرة، ومن المقرر أن تصدر تسعيرة جديدة للمواصلات الأخرى خلال الأيام القادمة.
تعرفة النقل الداخلي مقبولة
وذكرت المصادر أن هناك ضغطاً على الحافلات التابعة للشركة التي لا تزيد كثيراً عن 100 حافلة، بسبب رخص أجورها مقارنة بالوسائل الأخرى، وأيضا لقيام الشركة بتحريك بعض الرحلات إلى الريف القريب بناء على طلبات خاصة تأتي للشركة.
وعادت المصادر لتأكد أنها لم تتخلَ عن نيتها بالفصل بين الذكور والإناث ضمن الحافلات بسبب الازدحام الشديد، والتي كانت مقررة أن تدخل حيزّ التنفيذ في العاصمة بعد أن طُبقت في محافظات حلب وحماه وحمص، لكن الأمر يحتاج إلى وقت إضافي لتطبيقه وفي المرحلة المقبلة ستطبق التجربة من دون مخالفات حتى يعتاد المواطنون كما حصل في المدن الأخرى.
ضبط المخالفات متوقفة
فوضى أجور النقل، حتى وإن صدرت لوائح جديدة تحددها، لن تتراجع حالياً طالما لا يمكن تنظيم مخالفات بحق المتجاوزين.
وقالت مصادر قضائية لـ «القدس العربي» إن القانون الناظم لذلك مجمد حالياً والمخالفات المحررة من شرطة المرور محصورة بمخالفات السيارات من الوقوف الممنوع، والوقوف بنسق ثاني، والسير عكس الاتجاه، وغيرها من هذه المخالفات، وأشارت المصادر إلى أن عدد عناصر شرطة المرور في دمشق مازال قليلاً جداً، والرقم وإن ارتفع خلال اسبوعين من 100 إلى 250 عنصراً، إلا ان العاصمة كان يعمل فيها قبل إسقاط النظام نحو ثلاثة آلاف عنصر.
أحد المحققين طلب إحضار ابن تيمية، العالِم المعروف بـ «شيخ الإسلام» وتوفّي في القرن الرابع عشر، للتحقيق.