لا بأس أن يَدَّعِي من له دِرَايَةٌ واسعة باللغة العربية ونحوها أن هناك أخطاء لغويّة في القرآن. لكن الطَّامَّةُ التي ما فوقها طامَّة أن يأتي أحدهم ويجتَرّ علينا ما قيلَ له، دون أن يُكلّف نفسه عناءَ البحثِ إن هو حقا ممن يشغلهم هَمّ السؤال ويُؤْرقُهم الفضولُ المعرفي. لكن حاشا أن يكون واحدا من هؤلاء، وهو الذي لا يفرّق بين التاء المبسوطة والمربوطة و تربكه الهمزة مواضعها. تعلم هذه الأمور البسيطة أولا أيها الذكي…
يقول صاحبُنا إنّ الآية الكريمة في سورة طه ” إن هذان لساحران” فيها خطأ لغوي واضح -وهذا ما قيل له أيضا – ويستدل بطائفة من “الفايسبوكيين”، ويا عجباه! بل وأقحم “طه حسين” في هذا الأمر عسى أن يقنعنا ونكون له من المصفقين. يا صاحبي :
لم يثبت قط عن “طه حسين” نصّاً أنه قال بهذا القول؛ فالأمر كلّه لا يَعْدُو أن يكون كلاما لا يُعْرَفُ له أصل ولا فصل. كيف يقول”طه حسين” بهذا وهو الأديب والروائي العظيم؟ أيعقل أن يكون جاهلا بأن -إن- تحمل على أكثر من محمل لغوي ؟ لا يعقل.
“إن هذان لساحران”. تُقْرَأُ هذه الآية على وجهين اثنين .أولا تُقْرَأُ “إن” مُخفّفة، وكما هو معلوم ف-إن- إذا خُفّفت لم تعمل، لذلك لا تنتظر منها أن تنصبَ المبتدأ أو ترفع الخبر. ثانيا، تُقرأ الآيةُ الكريمة ب- إنَّ- الثقيلة، وهنا يحاول البعض أن يؤكد أن في الآية خطأ. إنَّ الباحث قليلا في اللغة العربية يجد أنها لغة غنية، وغناها هذا أنتج أَوْجُها كثيرة في نحوها وبيانها؛ ومن ثم نجد وجها آخر ل-إنَّ – التي تفيد أيضا “نعم”، وهذا معروف في نثر العربية وشِعرها وليس سهل الإنكار.
يقول الشاعر “عبد الله بن قيس الرقيات” في أحد أبياته الشائعة الذائعة:
“بكر العواذل في الصباح يلمنني وألومهن”
“ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت إنّه”
“إنه” في آخر البيت تفيد “نعم”والهاء بطبيعة الحال هنا “هاء السكت والوقف.
كما أن هناك قصة مشهورة لدى كثير من العارفين بأخبار العرب قبل الإسلام وبعده، وقد ذُكرت القصّةُ بإسهابٍ في كتاب”الجليس الصالح الشافي والأنيس الناصح الكافي” للمعافى بن زكريا بن يحيى الجريرى”، لمن أراد أن يرجع إليها، وهي قصة الشاعر الكوفي المخضرم “فضالة بن شريك” مع عبد الله بن الزبير لَمّا هجاه قائلا:
– “لعن الله ناقة حملتني إليك”.
فردّ عليه عبد الله بن الزبير:
– “إنّ وراكبها”.
ويعني بذلك” نعم، لَعَنَ الله الناقةَ وراكبَها”. وهذه لغة مشهورة قبل الإسلام وبعده. ومن ثم فإن الآية القرآنية صحيحة سليمة في نحوها.
يا صاحبي ,جميل أن تنفخ,لكن انفخ في نار ولا تنفخ في رمادٍ قد يعمي عينيك !
والله اعلم!