شهدت عدة مدن مغربية يومي السبت والأحد، عدداً من الوقفات الاحتجاجية بدعوة من مجموعة شبابية تطلق على نفسها اسم جيل «GEN Z»، وتطالب بتحسين أوضاع الصحة والتعليم، وصون كرامة المواطنين ومحاربة الفساد. كما تستنكر العجز الحكومي في التعاطي مع الوضع الاجتماعي المتفاقم.
ورغم الطابع السلمي للوقفات الاحتجاجية، فإن تعامل السلطات اتسم بمقاربة أمنية، حيث فرّقت قوات الأمن والشرطة الوقفات واعتقلت العشرات من الشابات والشباب، ما أثار موجة من ردود الأفعال المستنكرة من مختلف الأطياف السياسية والحقوقية والفنية.
وتطالب الحركة الشبابية بـ «تعليم مجاني وجيد للجميع، وصحة عمومية قوية ومتاحة للجميع، ومحاربة الفساد والمحاسبة وقضاء مستقل وعادل وانتخابات نزيهة وشفافة وحرية تعبير والإعلام المستقل وشفافية مالية كاملة، إلى جانب توفير فرص عمل للشباب ودعم الاقتصاد الوطني وسكن لائق وعيش كريم».
تفاعُلُ حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعارض، جاء سريعاً، حيث أعرب عن قلقه من تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية في مختلف مناطق المغرب، وما رافقها من منع واعتقالات، محمّلاً الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع الاجتماعية وغياب الاستجابة لمطالب المواطنين المشروعة المنصوص عليها في الدستور.
ودعا الحزب الحكومة إلى التعامل الجاد والمسؤول مع هذه الاحتجاجات، ومحاربة الفساد وتضارب المصالح، وتجنب الخطاب المتعالي والمنفصل عن واقع المواطنين. كما شدد على ضرورة احترام الحقوق والحريات الدستورية، خاصة حرية التعبير والتظاهر السلمي، داعياً إلى إطلاق سراح المعتقلين وفتح المجال أمام الشباب للمشاركة في التنمية والحياة السياسية.
وذهب «الحزب المغربي الحر»، أبعد من ذلك، إذ طالب بإقالة رئيس وأعضاء الحكومة. وحمّل حكومة عزيز أخنوش مسؤولية تفاقم الأوضاع الاجتماعية وارتفاع الغضب الشعبي نتيجة سياساتها، وانتقد تفشي الفساد وتضارب المصالح داخلها. كما حذّر من المساس بحقوق المواطنين في الاحتجاج والتعبير السلمي، مطالباً بضرورة احتواء حالة الاحتقان عبر حوار سياسي وطني شامل يشمل مختلف الفئات والفاعلين.
عندما يتحول الاحتجاج السلمي إلى صرخة جماعية
بدوره، تفاعل وزير العدل والحريات الأسبق، مصطفى الرميد، مع قمع الاحتجاجات، وكتب على حسابه الرسمي على «فيسبوك»: «إن هذه الاحتجاجات الشعبية عبر ربوع المملكة ضد الخصاص المتعدد، وضعف الحوكمة، وسوء التسيير، خاصة في المستشفيات العمومية، تستدعي من المسؤولين، رسم خارطة طريق لإصلاحها، بشكل شامل وعميق، بعيداً عن الإصلاحات السطحية والمحدودة».
وأضاف الوزير السابق بحكومة ابن كيران أن الأمر يحتاج إلى وضع أهداف محددة، ورصد الإمكانات اللازمة لتحقيقها، وإنجاز تعاقدات بين الإدارة المركزية والجهوية، مع جميع الوحدات الاستشفائية،عبر ربوع المغرب، لتحقيق تلك الأهداف، وإنجاز تتبع مستمر، ومحاسبة دائمة.
من جهته، قال نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية»، إن الاحتجاجات التي عرفتها مدن مختلفة، سواء تلك المرتبطة بأوضاع المستشفى العمومي، أو تلك المرتبطة بالتزويد بالماء أو أوضاع المدرسة العمومية وغيرها من الخدمات، إضافة إلى المظاهرات الشبابية خلال اليومين السابقين، تدل على ضرورة أخذ ما يلزم من تدابير لمعالجة هذه الأوضاع المقلقة، والإنصات بصوت جماهيري شبابي ولكن داخل أوساط مختلفة تطمح للأحسن.
وذكّر بنعبد الله في تصريح صحافي، أن حزبه ظل طيلة الأربع سنوات الأخيرة، يؤكد على أن هناك «فرقًا شاسعًا بين الالتزامات التي أخذتها الحكومة على عاتقها وبين الواقع وما تبلور بشكل ملموس».
وأضاف بنعبد الله: «أصدرنا أرقامًا حول الأوضاع الاجتماعية والهوة الكبيرة الموجودة بين ما يتم الإعلان عنه في موضوع الصحة العمومية أو التغطية الشاملة أو الدعم المباشر أو أوضاع المدرسة العمومية وإلى غير ذلك من الخدمات العمومية والاجتماعية، وكنا ننبه الحكومة إلى ذلك لكنها كانت تتعامل، للأسف، مع هذا الأمر بآذان صماء وبتعال كبير، حيث ما فتئت تؤكد على أن كل شيء على ما يرام وأن ما أنجزته غير مسبوق».
وفيما يتعلق بالاعتقالات على خلفية هذه الاحتجاجات، طالب الأمين العام السلطات المعنية بإطلاق سراح كل من تم اعتقاله والتعامل بأريحية مع هذه التعبيرات التي كانت سلمية، حيث من الطبيعي جدًا، يضيف بنعبد الله، أن «نترك للمجتمع بتعبيراته المختلفة إمكانية التنفس».
إلى ذلك، نزلت كل من البرلمانية عن حزب «الاشتراكي الموحد» نبيلة منيب، والبرلمانية عن «فيدرالية اليسار الديمقراطي» فاطمة التامني، إلى الشارع لمساندة الشباب المحتجين، حيث تعرضت البرلمانية التامني لـ»اعتداء» من طرف السلطات الأمنية، وفق ما كشفه بيان تنديدي لحزب «اليسار الديمقراطي»، الذي أدان الاعتداء الذي طالها، وندّد بالاعتقالات التعسفية والعنف الذي وُوجِه به المحتجون، وطالب بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين والمعتقلات.
وحمّل حزب «اليسار الديمقراطي» السلطات المغربية كامل المسؤولية عن مصير المعتقلين وسلامتهم، وحذر من أي مساس بحقوقهم أو تعريضهم للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة.
من جهتها، ترى منظمة الشبابية التابعة لحزب «الحركة الشعبية» المعارض، أن الأزمة الراهنة ناتجة عن «تراكم سنوات من غياب رؤية حكومية واضحة لمعالجة قضايا التعليم، والتكوين، والتشغيل، والعدالة المجالية، مما ساهم في فقدان الأمل واتساع فجوة الثقة بين الشباب والمؤسسات». وشدّدت على أن الحوار الجاد والنقاش البنّاء يُشكّلان السبيل الأمثل لترجمة المطالب الاجتماعية إلى سياسات عمومية ملموسة تضمن الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وكتب الإعلامي عبد الحميد جماهري، القيادي في حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض، إن في هذا الجيل بذور الغليان التي تتوافق مع موجة غضب صامت. سقف المرحلة لديه ومظلتها هو المطلب الاجتماعي..
حقوق الإنسان.. ناقوس خطر
ودخلت عدد من الجمعيات الحقوقية على خط الاعتداءات والاعتقالات التي طالت المحتجين السلميين، حيث طالبت «المنظمة المغربية لحقوق الإنسان» بالإفراج الفوري عن الشباب الذين تم توقيفهم إثر مشاركتهم في وقفات سلمية، مؤكدة أن الحق في التظاهر والتجمع السلمي مكفول دستورياً وضمن المواثيق الدولية التي التزم بها المغرب. واعتبرت أن هذه الوقفات، التي دعا إليها شباب مغربي ضمن حركة «GENZ212»، جاءت تعبيراً مشروعاً عن تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمطالبة بحقوق أساسية كالصحة والتعليم والشغل والعيش الكريم.
ودعت المنظمة الحقوقية الحكومة إلى تبني مقاربة مبنية على الحوار والإنصات، من خلال فتح قنوات تواصل فعالة مع الشباب والاستجابة لمطالبهم بشكل ملموس. كما شددت على ضرورة بلورة سياسات شاملة تُعزز إدماج الشباب في الحياة العامة، مؤكدة استمرارها في متابعة هذا الملف عن كثب إلى حين تحقيق مطلب إطلاق سراح جميع الموقوفين.
من جانبها، سجلت «العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان» بأسف، بعد إدانتها لمنع وتوقيفات المحتجين، أن هذه الاحتجاجات لم تُترك لتكون وسيلة للتعبير السلمي الحر، في وقت يحتاج فيه المغرب أكثر من أي وقت مضى إلى احتضان صوت الشباب والاستماع إلى مطالبهم المشروعة، باعتبارهم طاقة وطنية ورأسمالًا بشريًا أساسيًا لمستقبل البلاد.
وأوضحت العصبة، في بيانها حول منع الاحتجاج الشبابي، أن الأوضاع الاجتماعية التي يعاني منها الشباب المغربي، والتي تتسم بارتفاع معدلات البطالة، وضعف الخدمات الصحية والتعليمية، وتراجع فرص الإدماج المهني، تفرض فتح نقاش وطني جاد ومسؤول حول السياسات العمومية ذات الصلة، مشددة على ضرورة الاستجابة العاجلة والفعالة لمطالب المحتجين.
إلى ذلك، أكدت اللجنة الحقوقية لحركة «التوحيد والإصلاح» على الحق في التظاهر السلمي والاحتجاج المدني الذي يكفله الدستور والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. وطالبت السلطات العمومية باحترام القانون. كما استنكرت العنف الممارس ضد المتظاهرين وطالبت بإطلاق سراح الموقوفين.
ودعت الحكومة إلى التدخل العاجل لوقف الاحتقان الاجتماعي وإيجاد الحلول لمشاكل الشباب بعيدًا عن سياسة الإلهاء والعبث وتغليب لغة الحوار والإنصات لنبض الشارع خدمة لمصلحة الوطن.
بدورهم، استنكر فنانون الاعتقالات الجماعية التي طالت الشباب المحتج، ونشر الفنان الكوميدي محمد باسو تدوينة قال فيها إن «المطالب عادلة ومشروعة، ومن حق شباب نظيف وطموح أن يطالب بتعليم وصحة جيدة»، متسائلًا عن صمت المسؤولين وغياب التفاعل مع احتجاجات مشروعة.
أما الكوميدي طاليس، فدعا المسؤولين إلى «الارتقاء في مستوى تعاملهم مع الشباب»، مؤكدًا أن القمع والإهانة لا يمكن أن يكونا بديلًا عن الحوار.
بدورها، شاركت الفنانة منال بنشليخة رأيها بالقول: «لهذا الجيل الحق في الحلم وتحقيق الطموح، وفي بناء مغرب أكثر عدالة»، مؤكدة دعمها لكل صوت سلمي يطالب بالتغيير. فيما وصف الرّابّور ديزي دروس تعامل الدولة مع المحتجين في «تنصيب نفسها خصماً لأبنائها»، محذرًا من تنامي مشاعر العداوة التي يمكن تفاديها بالإنصات وليس بالقمع.















