لوبوكلاج / الرباط
سياسة التبذير والفساد والهدر تشكل القاعدة مند الحكومة السابقة
لقد أدت إجراءات التقشف وضعف الميزانية المخصصة لقطاع الصحة في الخمس سنوات الأخير صعوبة ولوج العلاج والتشخيص والأدوية الى انخفاض سريع في مستوى الجودة . كما أدى ارتفاع أسعار الخدمات الصحية والنفقات الصحية الباهظة الثمن والنفقات الصحية الكارثية وتفشي الامراض المزمنة وتداعيات جائحة كورونا فيروس، فضلا عن ارتفاع مؤشرات البطالة والفقر التي تؤدي الى المرض في اطار دوامة ودائرة الفقر والبطالة والمرض وغياب الحماية الاجتماعية وتراجع الدخل الفردي والمستوى المعيشي للسكان الى سقوط ازيد من 13 في المائة من السكان في براتين الفقر المدقع مع تراجع دعم نظام المقاصة، و ذلك نتيجة آثار المحددات الاجتماعية للصحة و ضعف التغطية الصحية حيث لا تتجاوز 46 في المائة ، وتزايد النفقات الصحية من جيوب الاسر المغربية ، حيث لا زالت الأسر المغربية تتحمل ما يقارب 60 في المائة من النفقات الاجمالية للصحة و الوزارة لا تنفق الا 27 في المائة فضلا عن ضعف الموارد البشرية التي تصل الى 100 الف طبيب وممرض وقلة الوسائل اللوجستيكية من أسرة طبية التي هي اقل بكثير من المتوسط العالمي ،
فتقييم وتحليل الوضع الصحي ببلادنا يؤكد حقيقة ضبابية الرؤية لدى الحكومة وضعف التخطيط الاستراتيجي القائم على الجهوية الصحية وتقريب الخدمات الصحية للمواطنين أينما وجدوا، فالتخطيط الصحي ترقيعي غير ملائم وأصبحت المستشفيات العمومية في ظل الجائحة توجه كل موارده لمحاربتها وأصبحت رهينة كوفيد -19 وتم إهمال المرضى الاخرين المصابون بأمراض مزمنة وتفضيل الحالات المشكوك في اصابتها بالفيروس عن الحالات الأخرى المعتادة ولوجها للعلاج بالمستشفى.
لم تكن الإدارة الصحية قادرة على ترتيب الأولويات ولم تكن تتوفر على المعدات الكافية وتم الضغط على مهنيي الصحة بشكل كبير الى أن بدأت تظهر حالات السقوط بينهم ومعدلات الإصابة في صفوف مهنيي الصحة .
إن القطاع الصحي عرف أسوأ مرحلة من تاريخه رغم الدعم الملكي ب 2 مليار درهم. ظلت سياسة التبذير والفساد والهدر تشكل القاعدة مند الحكومة السابقة وبالتالي فالقطاع الصحي بمختلف قطاعاته تتطلب اليوم اكثر من أي وقت مضى المراجعة العميقة من اجل تأهيله وجيل قادر على رفع التحديات ومواجهة فيروس كورونا واخطاره المدمرة وخلق مجلس اعلى للصحة والأدوية لتجاوز المخلفات.
انعدام العدالة الصحية والمساواة في ولوج العلاج والدواء بالمغرب
إن الـصحة ومحـدداتها الرئيسية أمور تتعلق بحقوق الإنسان. و هي أمر حيوي من الناحية السياسية، حيث أن نجاح المجتمع يمكن الحكم عليه بنوعية صحة السكان وعدالة توزيعها. إن الصحة الجيدة تمكن الناس من المشاركة فـي المجتمـع، مـع عواقب إيجابية محتملة للأداء الاقتصادي، و تكريس مفهوم إنساني للحق في الصحة من خلال اعتباره حق من حقوق الإنسان، ويشمل حق الأم في الرعاية وحق الطفل وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وحقوق العجزة والشيوخ وذوي الاحتياجات الخاصة على العموم في نظام الحياة والحق في الدواء. والعدالة الصحية تقتضي اشراك المريض في كل القرارات التي تهم صحته وايضاح حقوق المريض ومسؤولياته وواجباته في وثيقة رسمية.
ومن هذه المنطلقات يمكن الحكم بانعدام العدالة الصحية والمساواة في ولوج العلاج والدواء بالمغرب تأكدت اكثر بعد ظهور جائحة كورونا التي سلطت الضوء على غياب العدالة الصحية ببلادنا و اتساع فجوة الفوارق والتفاوتات الطبقية والمجالية في التغطية الصحية ومظاهر انعدام المساواة والعدل في منظومتنا الصحية التي تعاني من اختلالات كبيرة لها انعكاسات كبيرة وخطيرة على صحة المجتمع وضمان أمنه الصحي .وبالتالي فاهم التحديات التي تواجه المنظومة الصحية اليوم تكمن في ضعف التغطية الصحية وعدم المساواة في ولوج العلاج والتعرض المتزايد للمخاطر الصحية ،كفيروس كورونا المستجد وارتفاع معدل المراضة والوفيات والمعدلات المنخفضة لجودة الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات العمومية وقلة الموارد البشرية ذات الكفاءة ، وتزايد الأخطاء الطبية التي لا تزال من اكبر طابو هات المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، لذلك فالعدالة الصحية تقتضي أولا مراجعة الفصل 31 من الدستور لتكريس مفهوم إنساني للحق في الصحة تتحمل الدولة مسؤولية تأمينه للجميع من خلال اعتباره حق من حقوق الإنسان.
و أن تجعل الصحة كأولوية في سياساتها العمومية و الحصول على صحة جيدة وميسورة التكلفة في متناول الجميع و تحقيق التغطية الصحية الشاملة كأولوية بين اهداف التنمية المستدامة بالتنزيل السليم للمشروع الملكي للحماية الاجتماعية، وحسب الجدول الزمني المحدد لتعميم التامين الاجباري الأساسي عن المرض واصلاح المنظومة الصحية الوطنية وتفعيل الجهوية الصحية وتوظيف الأطر الصحية الطبية والتمريضية الكافية و الاعتناء بهم وتحفيزهم وتوزيعهم المجالي العادل لكي يستفيد جميع المواطنين وعلى قدم المساواة في الوقاية والتشخيص والعلاج والدواء والتأهيل الصحي والادماج الاجتماعي،
لذلك فالحق في الصحة يتضمن مفهوما شموليا ولا ينطوي فقط على توفير خدمات الرعاية الصحية في الوقت المناسب، بل ينطوي أيضاً على محددات الصحة ، أي المحددات الاجتماعية للصحة مثل توفير المياه الصالحة للشرب و الأغذية والأطعمة المغذية المأمونة والسكن اللائق والأمن و الشغل الكريم وظروف مهنية وبيئية وصحية وتوفير وسائل التثقيف الصحي والمعلومات الصحية المناسبة، بما في ذلك في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
11 مليون يحملون بطاقة الراميد دون جدوى
كشف وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة عن الرقم الحقيقي للمستفيدين الجدد من مظلة للتامين الصحي وسبق ان كشفت عنه تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو 22 مليون شخص جديد و هذا ما يفيد ان التغطية الصحية والتامين الاجباري عن المرض لم يتجاوز 40 في المائة خلافا للرقم الذي كانت تسوقه الحكومة وهو 69 في المائة من الساكنة، علما أن اغلب الفئات غير المستفيدة هم الفئة الواسعة التي تشتغل في الاقتصاد غير المهيكل ويمثلون 5 ملايين اسرة مغربية دون حماية اجتماعية. والمهنيين والمستقلين والمزارعين والصيد البحري فضلا عن 11 مليون كانوا يحملون بطاقة الراميد دون جدوى.
أما على مستوى الوفيات فان مؤشر او المعدل العام للوفيات بالمغرب يقارب 5.1 في كل الف نسمة أي حوالي 190 ألف حالة وفاة سنويا، ضمن هذا العدد تقتصر أسباب الوفيات المسجلة لدى وزارة الصحة على 52 ألف حالة فقط، أي ما نسبته 28 بالمئة، في حين أن نسبة 72 بالمئة من الوفيات هي غير مسجلة، موضحا أن 20 بالمئة من الحالات المسجلة تعتبر أسباب الوفاة فيها غير دقيقة. قد يرتفع نسبيا هذا الرقم في السنتين الأخيرتين بسبب ارتفاع الوفيات الناجمة عن مرض كوفيد -19 التي بلغت الى يومنا 9000 حالة وفاة ،واغلبها من الفئات التي تكابد الفقر والهشاشة وظروف المعيشة والامراض المزمنة ولقد عرف المغرب في السنوات الأخيرة عودة ظهور أمراض معدية خطيرة وقاتلة وشديدة التنقل والاستشراء في عدد من المدن والقرى وخاصة في صفوف الطبقات الفقيرة والمعوزة مثل الجذام بجانب ارتفاع معدلات الإصابة بمرض السل التي يتم اكتشافها سنويا- 37 الف حالة جديدة- مرضى فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) استمرار تفشي الأمراض المزمنة (كالسكري والسرطان والقصور الكلوي وأمراض القلب والشرايين و أمراض الصحة العقلية والنفسية …) وهي الامراض المسبب للوفياة بالمغرب كما ان تفشي الأمراض المعدية (كوباء السل القاتل المقاوم للأدوية والإسهال والتهاب السحايا والأمراض المنقولة جنسيا والسيدا.
والمغرب يعتبر من بين البلدان التي تعرف ارتفاع معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة والامهات الحوامل وهي من بين أسباب ترتيب بلادنا في مرتبة متخلفة على مستوى التنمية البشرية حيث لا تزال هناك تفاوتات هائلة في معدل بقاء الأطفال على قيد الحياة فنسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة، 22.16 وفاة لكل ألف مولود حي أما بالنسبة لوفيات الأطفال حديثي الولادة، في 13.56 وفاة لكل 1000 ولادة حية. ووفيات الأمهات، حيث سُجّلت 72,6 حالة وفاة للأمهات لكل 100 ألف ولادة حية على المستوى الوطني، مقابل 112 وفاة ،علما أ ن معدل الوفيات يرتفع بين الفقراء 3 -4 مرات عن مثيله بين الأغنياء، فإنه بالرغم من التحسن في بعض المؤشرات الصحية وخاصة ارتفاع معدل العمر المتوقع للفرد عند الولادة إلاّ أن الفوارق الاجتماعية للصحة ظلت شاسعة على مستوى توزيع وتقديم الخدمات الصحية كما ظلت السياسات المتبعة تفتقر الى مبدأ العدالة والإنصاف في ولوج العلاج ولا تحقق أهداف العملية الصحية .