خلال الأزمات يظهر المعدن الحقيقي للمواطنين على اختلاف اختصاصاتهم.
وأثناء محاولة إنقاذ الصغير ريان، وإخراجه من بطن الأرض، تابعنا جميعا مجهودات رجال الوقاية المدنية والخبراء في الحفر
والمهندسين والطبوغرافيين والفرق الأمنية والمسعفين، وسائقيي الآليات والمتخصصين في الربط الكهربائي والإضاءة والتقنيين المكلفين بالكامرات.
شاهدنا كذلك الصحفيين وهم ينقلون الوقائع للعالم باللغة العربية الفصحى ولغات أجنبية للقنوات الدولية.
كل هؤلاء ما كان لهم لينجزوا تلك المهام لولا أنهم تدرجوا في الأقسام المدرسية وتعلموا تحت إشراف أساتذة أجلاء.
وهذا بالضبط ما فطنت له الدول الكبرى، حيث أنهم تيقنوا أن بلوغ المهارات العالية وتوفير مهنيين في شتى المجالات يتمتعون بالكفاءة والجودة والنجاعة في الأداء، لا يمكن بلوغه سوى بجعل التعليم أولوية كبرى مع تسخير كل الإمكانيات اللازمة لمسألة تأهيل الأطفال ليكونوا رجال المستقبل، كل في مجاله الذي يحبه منذ الصغر ويتقنه بفضل التعليم والتوجيه والتدريب.
وكأمثلة للنجاح عبر الاستثمار في قطاع التعليم، لدينا دولة كوبا التي صارت تصدر الأطباء للعالم وقبلة للإستشفاء بالرغم من كونها مصنفة ضمن الدول النامية، كذلك دولة الصين المبهرة أو كما تسمى “مصنع العالم” فلولا التعليم ما وصلت لهذه المراتب المتقدمة على عدة أصعدة.
وقياسا على ذلك فإحدى الدروس التي يجب استخلاصها من أزمة ريان، أنه لا خيار أمام المسؤولين سوى النهوض بالتعليم والقطع مع الممارسات البائدة التي تتمثل في منطق العجرفة والتعالي والهروب إلى الأمام وعدم حل المشاكل الحقيقية للقطاع وعلى رأسها وضعية الأستاذ.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال توفير كوادر مغربية خالصة مؤهلة للتدخل في حل الأزمات بسرعة وبراعة دون الإرادة الحقيقية في الاعتناء بمجال التعليم.
ناهيك عن دعم وتشجيع البحث العلمي حيث ينفق المغرب على البحث العلمي حوالي %0.8 من الناتج الداخلي الخام، وهي ميزانية ضعيفة جدا حسب المعايير الدولية، إذ تعتبر معايير المنظمات الدولية مثل البنك الدولي ومنظمة الأمم المتحدة أن نسبة الإنفاق المثالي هي التي تكون أكثر من 2 بالمائة، وتكون جيدة إذا كانت من 2 بالمائة إلى 1.6 بالمائة، ومن% 1.6 إلى %1 تكون حرجة، ودون ذلك ضعيفة جدا.
وقد احتل المغرب المرتبة 74 من أصل 129 دولة في مؤشر الابتكار العالمي، الصادر في تقرير المعرفة العربي الثالث لعام 2019.
لا يمكن لأحد أن ينقص من مجهودات الطواقم التي قامت بعمل بطولي في سبيل إنقاذ ريان، لكن ماذا لو كنا أمام وضع مشابه لكن بشكل متعدد، أي تواجد العشرات من الأشخاص تحت الأنقاض بسبب كارثة طبيعية أو حرب فهل سيتم إنقاذ عدد كبير؟
إن العلم هو الذي جعل الهوة تزداد شساعة بين كبار الدول والمتخلفين عن الركب. والمؤشر الحقيقي للتفوق ليس العمران وتشييد الطرق العملاقة والقناطر ولكن توقع الأسوء والاستعداد للأزمات واستشراف المستقبل. وقد صدق من قال “تفاءل بالنجاح وتوقع الأسوء”.