في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الموجة الاحتجاجية التي يقودها شباب “جيل زد” في المغرب، وجّهت الحركة رسالة علنية مباشرة إلى الملك محمد السادس، تضمّنت ثمانية مطالب سياسية واجتماعية، في خطوة رمزية تعبّر عن تحوّل نوعي في علاقتها مع المؤسسات الرسمية، وتكشف عن أزمة ثقة متفاقمة بين جيل جديد من المغاربة ومؤسسات الوساطة التقليدية، من حكومة وأحزاب وبرلمان.
الرسالة، التي وُقّعت باسم “جيل زد”، جاءت في سياق احتجاجات متواصلة منذ ستة أيام، انطلقت من الفضاء الرقمي قبل أن تتحول إلى مسيرات في أكثر من عشرين مدينة، واجهتها السلطات بمزيج من المنع والتدخلات الأمنية والاعتقالات. ورغم غياب التنظيم الهرمي أو القيادة المركزية، استطاعت الحركة أن تبلور خطاباً سياسياً واضحاً، تجسّد في هذه الوثيقة الموجّهة إلى رأس الدولة.
تضمنت الوثيقة ثمانية محاور أساسية، أبرزها:
إقالة حكومة عزيز أخنوش، استناداً إلى الفصل 47 من الدستور، بدعوى فشلها في حماية القدرة الشرائية وضمان العدالة الاجتماعية.
محاسبة الفاسدين عبر فتح مسار قضائي وتفعيل آليات الرقابة على كل من يثبت تورطه في نهب المال العام.
حل الأحزاب المتورطة في الفساد، في إشارة مباشرة إلى القوى السياسية التي فقدت المصداقية الشعبية.
تفعيل مبدأ المساواة وضمان تكافؤ الفرص في التعليم والصحة والشغل بعيداً عن الزبونية والمحسوبية.
تعزيز حرية التعبير والاحتجاج السلمي ووقف التضييق على الشباب والطلبة والنشطاء.
الإفراج عن جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات السلمية، مع حصر المتابعات القضائية في حالات التخريب فقط.
الإفراج عن معتقلي الرأي والحركات الاجتماعية والطلابية باعتبارهم عبّروا سلمياً عن مطالب مشروعة.
عقد جلسة وطنية علنية للمساءلة برئاسة الملك، لمحاكمة الأداء الحكومي أمام الشعب.
الأهمية لا تكمن فقط في مضمون المطالب، بل في الجهة المخاطَبة. فالحركة أعلنت صراحة أنها فقدت الثقة في الحكومة والبرلمان والأحزاب، معتبرة أن هذه المؤسسات لم تعد تعبّر عن إرادة المواطنين ولا تشكل رافعة للتنمية أو الديمقراطية، بل جزءاً من الأزمة. وبهذا، يضع شباب “جيل زد” المؤسسة الملكية أمام لحظة سياسية دقيقة، باعتبارها الضامن الأخير لوحدة البلاد واستقرارها.
اختُتمت الرسالة بعبارة: “جيل جديد يرفض الاستمرار في دوامة الفساد والفشل”، في تعبير واضح عن وعي سياسي متنامٍ لدى الشباب، ورغبة في القطع مع أنماط الريع والزبونية التي طبعت الحياة العامة لعقود. وبذلك، قد تمثل هذه الرسالة نقطة تحول مفصلية: إما أن تفتح مساراً جديداً للإصلاح السياسي والاجتماعي، أو تعمّق الفجوة بين الشارع والمؤسسات القائمة، في سياق اقتصادي واجتماعي ضاغط.















