ديرو النية، العبارة التي رددها وليد الركراكي الناخب الوطني في العديد من المناسبات خصوصا خلال لقاءات المنتخب الوطني الذي يمثل الشباب المغربي في نهائيات كأس العالم قطر 2022. هو نداء للجماهير المغربية لوضع الثقة في اللاعبين الشباب الذين يمثلون ليس فقط الأمة المغربية ولكن أيضا الأمة العربية والإسلامية والقارة الافريقية.
هؤلاء الشباب الدين قال فيهم جلالة الملك محمد السادس
فقد تتبعنا ببالغ السرور والابتهاج، مساركم المتألق في منافسات كأس العالم لكرة القدم 2022 بدولة قطر الشقيقة، حيث تمكنتم، عن جدارة واستحقاق، من بلوغ الدور نصف النهائي، في أول وأبهى تألق من نوعه لكرة القدم المغربية والعربية والإفريقية، في نهائيات هذه التظاهرة الرياضية العالمية.
وإننا ونحن نبارك لكم هذا الإنجاز التاريخي غير المسبوق، لنعرب لكم عن بالغ شكرنا وعميق اعتزازنا وفخرنا بما أبدعتموه خلال هذا الملتقي الكروي الكبير، من أداء رائع وانضباط متميز، يعكس الاحترافية العالية والتنافسية القوية، والغيرة الوطنية الصادقة والقيم الإنسانية الراقية التي تتحلون بها، ويجسد روح التحدي واصراركم على بذل أقصى الجهود لإعلاء لواء كرة القدم المغربية على الصعيد العالمي، وتمثيل كرة القدم الإفريقية والعربية أفضل تمثيل؛ هذا الإصرار المتقد الذي أذكته تشجيعات ومؤازرة الجماهير المغربية الشغوفة التي استماتت في مناصرتكم بحماس جياش وأهازيج واحتفالية مفعمة بمشاعر الحب والعشق لراية الوطن. برقية تهنئة لأعضاء الفريق الوطني
عناية خاصة يوليها صاحب الجلالة لتطوير طاقات الشباب وصقل مواهبهم بما يعود بالنفع على المجتمع، وكذا الاستغلال الأمثل لكفاءاتهم، تتجلى في المشاريع والمبادرات التي يطلقها من حين لآخر في المدن والقرى من اجل تشجيعهم وتحفيزهم على الابداع في جميع الميادين.
حيث قال جلالته في خطاب ثورة الملك والشعب 20 غشت 2018…. فتمكين الشباب من الانخراط في الحياة الاجتماعية والمهنية ليس امتيازا لأن من حق أي مواطن، كيفما كان الوسط الذي ينتمي إليه، أن يحظى بنفس الفرص والحظوظ من تعليم جيد وشغل كريم.
هذا الشباب الذي هو عماد الوطن والأمة ولبلوغ أهدافه، عليه ان يتسلح بالنية والإيمان والعزيمة. وسنتطرق بتفصيل لمفهوم النية كنموذج ساهم بشكل كبير في نجاح شباب المغرب خلال تظاهرة كاس العالم قطر 2022.
النيةُ شرعاً هِي انعقادُ القلبِ على عَمَلِ الشّيء، أو عَزْمُ القلبِ على أداءِ العبادة بلا تَردّد، سواء كانت فرضاً أم نافلةً، وقِيلَ هي الإرادةُ المُرتبطةُ بِفعلِ الأشياء فِي الحاضرِ أو في المُستقبل.
فالنية لغة العزم، قال صاحب مختار الصحاح: نوى ينوي نية ونواه عزم. وفي اصطلاح الشرع عرفها السيوطي في الأشباه والنظائر نقلا عن البيضاوي فقال: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً.
كما أن النية شرط لصحة العبادات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات. رواه البخاري.
النية في المفهوم العامي المغربي هي حسن الظن وتوقع الخير والتفاؤل بما سيأتي في المستقبل والإيمان بأن ما سيقدره الله سيكون خيرا.
وكما جاء على لسان الكثيرين، فالنية ليست هي السذاجة أو الغباء وإنما هي صفاء السريرة.
النية تعني الثقة بالنفس وبالآخرين كما قال الدكتور المصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة القاضي عياض، هي التخلي عن العلاقة الهوجاسية للحدث الذي يؤثر سلبا على المردودية والنجاح، لأن الأفكار الإيجابية التي تأتي من النية تزرع قوة تتجاوز المعيار الفيزيقي لتستدعي معايير أخرى، خاصة معيار الصدق والعقد الأخلاقي الذي يربط كل لاعب بالمواطنين المغاربة، فلا حق لخرق هذا العقد، لأن ذلك جريمة لا ينساها ولا يتجاوزها الزمن، فالنية ترى بعيون الانتصار والبهجة وإسعاد الآخر، فهي قمة الإيثار والتضحية.
ديرو النية، عبارة استاثرت باهتمام كبير ليس فقط من قبل المغاربة ولكن العالم بأسره خصوصا المهتمين بثقافات وحضارات الشعوب. والعديد من الصحفيين والباحثين الأجانب أصابهم الفضول للغوص في التراث المغربي اللامادي للبحث عن دلالات ومعاني هذا التعبير الجديد في خطط كرة القدم الحديثة. والأكيد أن مصطلح النية له جدور عميقة وقوية في التاريخ المغربي القديم.
ويذهب محللون إلى أن توقع النتائج الجيدة ينعكس إيجابا على نفسية الفرد ويوفر الشروط النفسية للشفاء في حالة العلاج، والفوز والنجاح في المباريات الرياضية او العلمية او ما شابه ذلك.
وليد الركراكي بترديده لكلمة النية في جل الندوات الصحفية، نثر الغبار من على أرشيف التراث اللامادي المغربي، وأثار انتباه المغاربة من جديد لقيم بدأت في الاندثار في ظل انتشار كبير لتكنولوجيا الاعلاميات ووسائل التواصل الاجتماعي التي كان لها الأثر السلبي على المجتمعات خصوصا العربية والمسلمة. وهنا نستحضر وصية ونصيحة الأم المغربية لابنها أو بنتها بضرورة التوكل على الله والعزم في قضاء الحوائج بأسلوب مغربي محض (دير النية اولدى ومايكون غي الخير)
هذا المدرب المغربي الذي تسلم قيادة سفينة المنتخب المغربي والإبحار بها في ظرف وجيز، حقق إنجازا غير مسبوق بقيادة أسود الأطلس لنصف نهائي البطولة العالمية، أكد خلال تصريحات صحفية، أنه كان يعتمد فعلا على النوايا الحسنة وبر الوالدين والأمور الروحانية الأخرى في عمله، مشيرا أن لتلك الأمور قيمة كبيرة داخل الملعب.
وأضاف الركراكي، نشأت في فرنسا لكني تربيتي مغربية إسلامية خالصة، أدرك تماما ما تعنيه النية الحسنة في سلوك الشخص والمجتمع.. كنت حريصا على تصفية الأجواء ودعم الجميع لنا بتلك النوايا الحسنة، وقلت للاعبين لو استحضرتم النية فالكرة سترتد من القائم وتبتعد عن مرمانا.
هذا ما حدث بالفعل، إذ أبعد القائمان والعارضة خمسة أهداف عن مرمى ياسين بونو، ومع كل كرة كان يقين اللاعبين يزداد بتأثير النوايا الحسنة في الملعب، جربت ذلك خلال تجربتي مع الوداد خاصة في دوري أبطال إفريقيا وكانت النتيجة إيجابية تماما.