أعقدُ القِران بين برلمان المغرب المعاصر وأثينا؛ فهذه الأخيرة انتقلت من نظامٍ استبدادي إلى نظامٍ ديمقراطي عبر جسر دمقرطة الحوار والجدال.
فالطرائق الاستدلالية التي كان الأثيني يقدّمها يَضحض بها خصمه، أمّا المشهد اليوم فمجرّد سكيتش ساخر، كأنّ آلهة أثينا تسخر منّا. فاليسار، الذي يعرف معنى عولمة العالم وكيف تُبنى السلطة ويُحافَظ عليها، وما هي أساليب الإستعباد الحديثة، صار اليوم يدافع عن اليمين الأقصى.
إنّ الدافع والباعث على الحوار العقلاني هو الحرية؛ فهي التي تستبدل الديكتاتورية بالديمقراطية.
والناس يتجوّلون في الأزقة، ليفتح أحدهم فمه صارخًا: “آش هادشي! ولّينا عايشين وكُلشي غلا”. إنّه إذن رفض للوضع القائم، وصمتٌ عن جرحٍ يتعمّق بلا نهاية.
لقد عشتُ تجربة التدريس في إحدى المؤسسات الخاصة؛ فمَن يتطاول على رئيس المؤسسة كأنّه يتطاول على ديونيزوس؛ إذ يُعاقَب وكأنّه أكل من كبد الخاسئ، ثم يُعاد تشكيل صورته من جديد، وهكذا دواليك. هذا ما دفعني إلى زيارة طبيبٍ للنفس البشرية، فأجابني: “اشتَكِ إلى الله، فهو الوحيد القادر على حل هذه المعضلة”.
لكنّ الحق في اختيار المريد يُراد به باطل. فالعلاقة التي تجمع مدير المؤسسة بالبرلماني علاقة منفعة: الأوّل يخدم مصالح الثاني، والثاني يحمي امتيازات الأوّل.
وهكذا يصبح القانون منصفًا للأغنياء، مفقرًا للفقراء. أمّا الحرية فتنحصر في وقت الأكل، وفي مشاورة الأساتذة حول كيفية الوضوء وفرائضه؛ إنّها دعوة إلى إسكات الضمير. فالطاغوت معروف، لكنّ الجياع لا يملكون سوى نُصرته.