لا شيء يفضح ضعف الإعلام العمومي أكثر من لحظات وطنية كبرى يفترض أن تتحول إلى لحظات فخر جماعي، فإذا بها تُختزل في صورة باهتة وفقر إبداعي يسيء للحدث و يجرّد الإنجاز من بريقه.
هذا ما حصل مع التدشين الرسمي لمركب الأمير مولاي عبد الله، الذي تحول بفضل سواعد اليد العاملة المغربية إلى جوهرة الملاعب الإفريقية، لكن إعلام العرايشي لم يكن في الموعد.
الملعب بدا تحفة معمارية تضاهي كبريات الملاعب العالمية، لكن الصورة القادمة من القناة الرياضية كانت هزيلة: بلاطو تحليلي أقرب إلى مقهى شعبي، بطاولة وكراسٍ رخيصة بلا ذوق، و أجواء باردة لا علاقة لها بالحدث التاريخي.
هل من الصعب على مؤسسة تصرف الملايين أن تُحضّر فضاء لائقاً يليق بمناسبة وطنية بهذا الحجم؟ أم أن منطق الاستهتار وانعدام الرؤية صار هو القاعدة داخل قنوات العرايشي؟
و حتى التعليق، الذي يُفترض أن يكون شريكاً في صناعة الفرجة، كان جزءاً من الكارثة. أصوات تفتقد للحماس، و تعليقات كلاسيكية مكررة تنوّم المشاهد بدل أن تشعل حماسه. المعلق بدا غريباً عن نبض الجمهور، و كأننا أمام تسجيل ممل لا علاقة له بمباراة كبرى فوق عشب ملعب تاريخي. النتيجة أن المتابع المغربي يفرّ هارباً إلى قنوات أجنبية، ليبحث هناك عن الصوت و الصورة اللذين يعكسان قيمة اللعبة.
المصيبة الأكبر أن الشركة الوطنية للإذاعة و التلفزة، التي تملك داخل دار البريهي كفاءات و خبرات في الغرافيك و الإخراج و التعليق قادرة على الإبداع، تفضل تبذير المال العام في صفقات “الهوية الإعلامية” مع شركات صديقة، تحصد الأخضر و اليابس من برامج إنتاج و صفقات تفتقد للشفافية الكاملة.
ملايين تُهدر في واجهات شكلية لا تزيد القنوات إلا ضعفاً، بينما أبسط تفاصيل المواكبة الإعلامية لمناسبات كبرى تُترك للارتجال و الفوضى.
الفشل هنا ليس تقنياً ولا مادياً، بل هو فشل في الرؤية و التدبير. قنوات العرايشي لم تعد تطرح أي نقاش داخلي، و لا تحضير جماعي، ولا استراتيجية واضحة لمرافقة الأحداث الوطنية.
القرار فردي، والإدارة معزولة عن صوت المهنيين، و النتيجة دوماً واحدة: حدث كبير يُختزل في صورة صغيرة، و فرحة وطنية تتحول إلى خيبة إعلامية.
إن قنوات العرايشي اليوم لم تعد فقط عاجزة عن مواكبة طموح المغاربة، بل صارت عبئاً عليهم، تستهلك المال العام دون أن تقدم قيمة مضافة.
وإلى أن يتغير منطق الريع والصفقات و الولاءات داخل دار البريهي، سيظل الإعلام العمومي يعيش في زمن الرداءة، بعيداً عن نبض المغاربة و تطلعاتهم.