بعد النسخة الفرنسية والإسبانية والانجليزية من كتابي “25 سنة 25 فكرة”، يسعدني مجددا أن أقدم لكم النسخة العربية الرقمية من الكتاب الذي يضم المقالات التي نشرتها في المجلة الشهرية “لوموند ديبلوماتيك” ما بين 1995-2020 حول قضايا متنوعة منها: المواطنة في العالم العربي والإصلاح السياسي في المغرب والمثقفون العرب بين الدولة والتطرف الديني والربيع العربي لم يقل كلمته الأخيرة.
وتوجد النسخة العربية في الرابط التالي: https://25ideas.net/ar
“25 سنة و25 فكرة” هو كتاب يتناول ويحلل حلم الديموقراطية والحرية والعيش الكريم الذي تقاسمه جيل من العالم العربي من أواسط العقد 1990 إلى نهاية العقد 2000 الذي تميز بالطلاق الربيع العربي في سنة 2011.
أنه كتاب يضم بين دفتيه مجموعة المقالات التي كنت قد نشرتها على صفحات المجلة الشهرية الفرنسية المرجعية “لوموند ديبلوماتيك” بين 1995 و 2020 وتحدثت فيها عن مواضيع جوهرية في هذه الحقبة التاريخية : الإسلام السياسي والعلمانية وحقوق الإنسان والانتقال الديموقراطي والإرهاب والرهانات الجيوسياسية في العالم العربي بينما كانت المنطقة تعيش أحداثا جساما .
إن الفكرة التي تقف وراء هذا الكتاب هي ثمرة تجربة غنية جدا، لأن المؤلف هشام العلوي باحث حاصل على شواهد جامعية من جامعات برينستون وهارفارد وأوكسفورد وشاهد عيان على عدة وقائع وأحداث في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط كما أن مساهمته بجوار المدافعين عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح السياسي مكنته من أن يصف وصفا دقيقا كل الأطراف الفاعلة والظواهر البارزة خلال تلك الأحداث.
إن كتاب “25 سنة و25 فكرة” يسعى إلى تقديم شهادة تاريخية ويكون مرجعا لعموم القراء والباحثين حول العالم العربي الذين يريدون تعميق معرفتهم عن الأسئلة الجوهرية والأحداث الاجتماعية والسياسية التي أثرت في فكر جيل كامل من الديموقراطيين العرب
مقدمة الكتاب الذي ترجم مؤخرا إلى اللغة العربية
لقد بدأ تعاوني مع صحيفة لوموند ديبلوماتيك في شهر مايو 1994.ثم التقيت في وقت لاحق بالسيد إغناسيو رامونيت، رئيس التحرير، في جامعة برينستون بمناسبة المؤتمر الافتتاحي لمعهد الدراسة العابرة للحدود لمنطقة الشرق الأوسط المعاصر وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، الذي كان يناقش نظرية صموئيل هنتنغتون حول صراع الحضارات. وقد ألهمت محادثاتنا على هامش هذه المناقشات الفكرية مقالا حول موضوع المواطنة في العالم العربي الذي قدمته في العام التالي، والبقية أصبحت من التاريخ.
إن الأفكار التي طرحت في مختلف المقالات التي تمكنت من كتابتها منذ ذلك الحين، والتي يتضمنها هذا الكتاب، تغطي مواضيع متنوعة للغاية وبعضها مرتبط ارتباطا وثيقا بالأحداث الحالية. إن المادة المتعلقة بالمغرب في سبتمبر 1996 تتعلق بلحظة محددة من التاريخ السياسي المغربي. نشر مقال أكتوبر2001 حول الدين والمواطنة في الشرق الأوسط بعد أحداث 11 سبتمبر. وحلل العوامل الثقافية والتاريخية والسياسية الكامنة وراء الهجمات الإرهابية، من أجل تجاوز الطابع الأساسي على ما يسمى بالمواجهة الحضارية بين المسلمين والعالم الغربي، وكتب المقال عن الثورة التونسية في شهر فبراير 2011 عند بدايات الربيع العربي وهو يتناول أول اختراق ديمقراطي لهذه الموجة الثورية التاريخية.
أما المقالات الأخرى فتطرقت إلى أفكار أوسع نطاقا. وهي تبدأ في التأمل حول التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجيوستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وتقارن بين عدة بلدان، من وجهة نظر من يمارس السياسة وهو في نفس الوقت باحث مستقل يراقب عن كثب هذه التغيرات منذ عقود.
كان الموضوع الأول في هذه السلسلة من المقالات هو تفكيك النظرة الاستشراقية التي تزعم أن الشرق الأوسط هو فضاء الاستبداد الدائم. وفي حين أن الأنظمة الاستبدادية كثيرة في المنطقة، فإن طبيعة سلطويتها ليست فريدة من نوعها بالنسبة لهذه المجتمعات. فالقمع والنخب الفاسدة ومحاولة اكتساب الشرعية المزيفة وغيرها من أدوات الحكم والتحكم لا تنبع من أي جوهر غامض ولا ترتبط ارتباطا وثيقا بالبنيات السياسية، ويمكن تفسير أصل الدول الاستبدادية وتكوينها ومتانتها من خلال التحليل العلمي الموضوعي. على سبيل المثال، وكما كتبت في شهر أبريل 2008، حسّنت العديد من الأنظمة العربية في ذلك الوقت نموذجها الاستبدادي، مما سمح بوجود أنماط منافسة تخضع لرقابة شديدة. وقد شرحت هذه الخيارات على أنها استراتيجيات للبقاء على قيد الحياة في مواجهة الإحباط الشعبي العام.
أما الموضوع الثاني فيتعلق بالديناميات القائمة بين الإسلام والديمقراطية حيث افترض أن الإسلام والديمقراطية لا يتعارضان. وهذا لا يعني أن الديمقراطية حتمية في الشرق الأوسط، لأن انهيار الاستبداد ليس بالضرورة مرادفا للديمقراطية. ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أنه لا يوجد تعارض جوهري بين الحريات السياسية من ناحية، والثقافة الإسلامية والعقيدة من ناحية أخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن أي تقدم ديمقراطي في المنطقة سيتطلب من الجهات الإسلامية الفاعلة التعبير عن نفسها من خلال السياسة الحزبية والتعبئة الاجتماعية.
ولا يزال التغلب على انعدام الثقة الذي غالبا ما يحجب العلاقات بين الإسلاميين والعلمانيين يشكل تحديا حاسما. ويمكن مقارنته بالانقسام الإيديولوجي في أميركا اللاتينية بين اليسار واليمين على الرغم من أنه أكثر حساسية، لأن الانقسام بين الإسلام والعلمانية لا يتعلق فقط بالمبادئ الفلسفية ولكن أيضا بالمفاهيم العليا للألوهية والإيمان وقد ألهمت التأملات العميقة في هذا اللغز الفكري أطروحتي لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة أكسفورد، والتي قدمتها وناقشتها في شهر يناير 2020 بعنوان: “التوفيق بين الديمقراطية والعلمنة في الشرق الأوسط: تونس ومصر من منظور مقارن”.
إن الدولة طرف هام في ديناميات الدين والسياسة. غالبا ما تميل التحليلات إلى محو دور الدولة من المعادلة عند دراسة التفاعلات بين الأطراف الفاعلة في المجال الديني والنظم السياسية. وحتى في البلدان التي يكون فيها الاحتجاج مصبوغا باللون الإسلامي بقوة، فإن الفاعل الديني الرئيسي هو الدولة نفسها كمنتج للمعايير السلفية والمثل المحافظة. والنتيجة هي لعبة سياسية معقدة. من خلال المشاركة في الخطاب الديني، ينبه الحكام الاستبداديون عندما يخاطبون الإسلاميين بأنهم يستطيعون أفضل منهم تجسيد الأخلاق والمثل الإسلامية العليا. وفي الوقت نفسه، يحذرون العلمانيين والتقدميين من أن مؤسسات الدولة الاستبدادية هي وحدها التي يمكنها حمايتهم من هجوم تيار الإسلام السياسي. وأخيرا، فإن هؤلاء الحكام يحرصون على إقناع الغرب المتوتر والمتوجس أن هذه الدول السلطوية وحدها تستطيع السيطرة على الدين واحتواء موجات المد من طرف التيار الإسلامي المتطرف.
أما الموضوع الثالث فيتعلق بالمصالح الجيوستراتيجية والساحة الدولية، ويسعى إلى إظهار كيفية مراعاة هذه المصالح في المعادلة الإقليمية. تسلط المقالات الضوء على عدم وضوح الحدود بين السياسة الوطنية والشؤون الخارجية في الشرق الأوسط في كثير من الأحيان، وغالبا ما يكون ذلك نتيجة للصدمات والتدخلات الخارجية. تحتل حرب العراق عام 2003 مكانا مركزيا هنا. فقد أعادت تشكيل الخريطة الجيوسياسية الإقليمية وحولت ميزان المصالح بين الدول العربية وإيران، فضلا عن دور الطائفية والحركات الشعبية.
وفي المقابل، أصبح تراجع الحضور الأميركي موضوعا مهيمنا على مدى العقد الماضي، وهي الفترة التي شهدت إعادة ترسيخ الأطراف الفاعلة والدول الإقليمية لدورها فإن سوء الفهم هذا يجعل من الصعب مناقشة الشؤون السياسية الداخلية للعديد من البلدان دون النظر إلى المستوى الإقليمي والدولي. وما يحدث في سياق ما يؤثر بقوة على السياق الآخر.
أما الموضوع المشترك الرابع فهو قضية فلسطين التي تعرف نضالا كان له دائما دور رئيسي في الخطاب السياسي العربي. إن العديد من هذه المقالات تعبر عن شكوك حقيقية حول حسن نية الحكومة الإسرائيلية في الشروع في حل الدولتين القابل للتطبيق بعد اتفاقات أوسلو، وحول قدرة الولايات المتحدة على أن تكون راعية حقيقية لعملية السلام هذه بحياد وموضوعية.
وتؤكد هذه التحليلات أيضا أن القيادة الفلسطينية تتحمل بعض المسؤولية عن الحالة الراهنة. إن النزعة الفئوية والبحث عن الريع أمران شائعان في الحكومة الفلسطينية، وهي نتيجة تاريخية لكيفية بروز الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها وتجنّدها. ويلازم الكفاح من أجل إنشاء الدولة ذلك الصراع الطبيعي من أجل تقرير المصير الوطني. وبغض النظر عن نوايا إسرائيل فيما يتعلق بعملية أوسلو، فإن هذا الكفاح الفلسطيني لإنشاء مؤسسات جديدة من شأنها أن تحمي التعددية السياسية، تحت إشراف النخب الحاكمة الفلسطينية، لم يحدث. والقضية الفلسطينية، مثلها مثل العديد من التحديات الأخرى في الشرق الأوسط، هي نتيجة تقارب هذه القوى المزعزعة للاستقرار النابعة من اتجاهين متعاكسين.
وقد شق الموضوع الخامس طريقه على مدى العقد الماضي الذي طغت عليه أحداث الربيع العربي. لا يتم التعامل مع الربيع العربي هنا على أنه حدث عابر ومفاجئ بل على أنه عملية تاريخية مستمرة في التطور. وإذا كانت هذه الانتفاضات حتمية نظرا لهذه الأنظمة الاستبدادية الهشة، فإنها، بالإضافة إلى ذلك، لا تزال مستمرة حتى اليوم. لقد قارنت هذه الفئة من المقالات حول الربيع العربي بالموجات التاريخية الأخرى من التحول الديمقراطي والإقليمي كما أنها سلطت الضوء على دور القوى الفاعلة المحافظة في المنطقة التي شنت باستمرار حملات مناهضة للثورة لعكس مسار التغييرات السياسية الناجمة عن هذه الانتفاضات.
ومع ذلك، تستمر الاحتجاجات حتى يومنا هذا، كما تحلل أحدث المقالات في هذه المجموعة. في عام 2019، شهدنا عودة الانتفاضات الوطنية في السودان والجزائر ولبنان والعراق، حيث يعيش السودان الآن انتقاله السياسي الخاص. ولا تزال الاحتجاجات والتمردات تحدث في بلدان أخرى في الشرق الأوسط، مما يدل على أن قدرة المواطنين البسطاء على مقاومة السلطة السياسية لا تزال طرفا حاضرا لا يغيب عن المشهد الإقليمي.
هشام العلوي
هشام العلوي باحث مشارك في مركز ويذرهيد للشؤون الدولية في جامعة هارفارد. وهو مؤسس ومدير مؤسسة هشام العلوي، التي تجري أبحاثا في مجال العلوم الاجتماعية حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد عمل في مجلس إدارة معهد فريمان سبولي في جامعة ستانفورد، وكان عضوا في اللجنة الاستشارية لـمنظمة هيومن رايتس ووتش، فرع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمجلس الاستشاري لمركز كارنيغي للشرق الأوسط.
وقد اشتغل محاضرا شرفيا في جامعة سانتا باربرا في كاليفورنيا وأستاذا استشاريا في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد. وعمل أيضا في إطار الأمم المتحدة في مناصب مختلفة ، بما في ذلك بعثة حفظ السلام في كوسوفو. وتُنشر أبحاثه الأكاديمية بانتظام في الكثير من الصحف والـمجلات العلمية باللغتين الفرنسية والإنجليزية.
نشرت مذكراته في كتاب بعنوان “مُذكرات أمير مُبعَد” في عام 2014 من طرف دار النشر الفرنسية غراسي وترجمت إلى عدة لغات. وهو مؤلف مشارك في الكتاب الجماعي “الاقتصاد السياسي للتعليم في العالم العربي” الذي نشرته مؤسسة لين رينر في عام 2021. حصل على درجة البكالوريوس من جامعة برينستون، وماجستير من جامعة ستانفورد، ودكتوراه من جامعة أكسفورد.