في الفضاء السجني، كل شيء ولو كان بسيطا يعتبر حدثا مهما. من بين الأشياء التي يتذكرها محمد الأمين مشبال المعتقل السياسي الذي حكم عليه بعشرين سنة سجنا نافذا بتهمة الإنتماء لمنظمة ” إلى الأمام ” الماركسية / اللينينية المحظورة في المغرب و التي كانت تستهدق قلب نظام الراحل الحسن الثاني بالعنف، السنة التي تم فيها اقتناء تلفاز ملون بفضل مساهمات معتقلي إلى الأمام.
كانت سنة 1983 حدثا مهما في عالمنا السجني، إذ تمكنا من اقتناء التلفاز الملون بعد جمع تبرعات ومساهمات الرفاق، وضعنا الجهاز في قاعة المصحة سابقا، وحفاظا عليه من العطب كلفت المجموعة أحد الرفاق بالسهر عليه تلافيا لكثرة الأيدي في الاستعمال.
حقق وجود التلفاز في السجن نوعا من المتعة وخلق بصيصا من النور، كما أسهم في تغيير العادات، فقبل وجوده كنا نلج زنازننا مبكرا، أما الآن فقد صارت الصور الملونة مصدرنا الأول في الترفيه.

كان بعض الرفاق يداومون ويدمنون مشاهدة التلفاز بجميع برامجه من النشيد الوطني حتى ختام الإرسال، إلا في بعض الحالات كالذهاب إلى المرحاض لقضاء الحاجة أو تناول الطعام.
ما هي البرامج التي كنتم تحرصون على متابعتها؟
(يضحك).. في تلك الفترة وخصوصا في بداية سنة 1984 كانت تعرض برامج ثقافية وفكرية جيدة، وأفلام سينمائية عالمية سواء فرنسية أو سوفياتية أو أمريكية، كما كانت تعرض برامج رياضية متنوعة وغنية وأذكر الرفاق وقت تغرغرت بدموع الفرحة عندما كنا نتابع دورة الألعاب الأولمبية “بلوس أنجلوس” وفاز كل من سعيد عويطة ونوال المتوكل بالميدالية الذهبية ورفعا راية المغرب في سماء عالية.
ولكن للأسف الشديد متعتنا بمشاهدة برامج قيمة، كما كان الشأن لبرنامج “بصمة” الذي استضاف في إحدى حلقاته المؤرخ الراحل جرمان عياش لم تدم طويلا، إذ بعد مدة وجيزة شهدت تراجعا وانقلابا أعادها قرونا إلى الوراء بعد أن تم مسخ الإعلام وإلحاقه بوزارة الداخلية.
ورغم ذلك لم يكن حاجزا أو عائقا بالنسبة لي أمام الاستعداد الجيد لاجتياز امتحان الإجازة في شعبة “علم الاجتماع”، أو المواظبة على حضور دروس الاسبانية التي أشرف على تقديمها إلينا بكفاءة وتفان عاليين إدريس بيوسف الركاب الذي( كان أستاذا جامعيا للغة الاسبانية بكلية “الرباط” قبل اعتقاله في حملة يناير، كما استفدت من حصص تعلم الانجليزية التي كان يقدمها أحد الرفاق الذي كان أستاذا للإنجليزية ويتعلق الأمر بمصطفى كمال.. كما شاركت رفقة مع عزوز لعريش ويونس مجاهد والطريبق عبد العزيز
بوثيقة سياسية في المؤتمر الوطني الرابع لحزب الاتحاد الاشتراكي الذي انعقد في يوليوز 1984.