فرضت الظروف التي يعاني منها سكان قطاع غزة، الذي يخضع لحصار إسرائيلي تخللته حروب متتالية، تحولات على حياة المصورة الفلسطينية الشابة فاطمة شبير، وجعلتها تحوّل خوفها من الحروب إلى طاقة إيجابية، مكنتها من الحصول على جائزة الشجاعة، التي تمنحها ” المؤسسة الدولية لإعلام المرأة”، لتصبح بذلك أصغر امرأة تحصل على هذا اللقب في العالم.
فاطمة ابنة الـ24 عاما، حصلت قبل أيام على جائزة الشجاعة “أنيا نيدرينغهاوس” الألمانية في التصوير الصحافي من المؤسسة الدولية لإعلام المرأة “IWMF”، بعد أن شاركت في الجائزة بقصة مصورة عكست واقع الحال والدمار الذي لحق بسكان غزة، جراء الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل ضد القطاع، في مايو الماضي.
وعلى مدار عمر فاطمة، عاش الفلسطينيون ظروفا قاسية فرضها واقع الاحتلال، وحرمها وأقرانها من الاستمتاع بسنوات الطفولة، فحرمت ومعها أطفال غزة من اللعب والمرح والسفر، وقاست كثيرا، بسبب الانقطاع الكبير للتيار الكهربائي، وسمعت كثيرا أصوات الطائرات والغارات الجوية، غير أن ذلك أثّر بشخصيتها، وفرض عليها كباقي سكان غزة، أن تتأقلم وتطور نفسها وقدراتها، لتتجاوز وأقرانها قيود الاحتلال وآلة الحرب التي تبطش بهم على مدار الساعة.
هذه الشابة التي بدأت تتعرف على الحياة وتبصر متغيراتها مع بداية اندلاع “انتفاضة الأقصى” عام 2000، وهي انتفاضة حولت حياة الفلسطينيين رأسا على عقب، عايشت في سنوات دراستها الابتدائية الحرب الأولى التي شنتها إسرائيل على غزة، في نهايات العام 2008 ومطلع 2009، وفي الحرب الثانية التي وقعت على غزة في العام 2012، كانت فاطمة أيضا في عمر الطفولة، وحتى حرب غزة الطويلة صيف 2014، لم تكن تبلغ العشرين ربيعا، لكن ظروف الحياة القاسية التي عاشتها كباقي سكان غزة، أثرت كثيرا في حياتها العملية بعد سنوات، إذ تحولت للعمل في مجال التصوير الصحافي، لتتاح لها فرصة التعبير عن واقع غزة المؤلم في الحرب الأخيرة في مايو الماضي، حين وثقت بعدستها بعد أن تحدت الخوف والقتل، ما لحق من دمار بالسكان.
“القدس العربي” تحدثت إلى فاطمة شبير، التي جلبت إنجازا جديدا لفلسطين، بأن تكون أصغر صحافية تحصل على الجائزة، بعد أن التقطت صورا من غزة لمباني طالها القصف الإسرائيلي فدمرها، وحطم نوافذها وأبوابها، وشرد سكانها، فقالت إنها تعلمت التصوير بشكل ذاتي، بعد أن درست عنه الكثير بشكل فردي، وتقول إنها واجهت تحديات كثيرة في بداية عملها، عندما حصلت على أول كاميرا كهدية من والدتها، نزلت بها ميدان العمل على الفور، وحولت فشل تجاربها الأولى إلى نجاح، فعملت في مهام لعدة وكالات دولية، وتضيف: “في الحرب الأخيرة، اكتسبت معرفة كبيرة بطبيعة العمل في الميدان والأحداث الساخنة”.
وتشير إلى إن غزة مكان مليء بالأحداث والصور، وتشير إلى أنها بسبب ما يعيشه السكان والواقع المرير، كانت تعايش الصور وكأنها تسمعها. وتوضح أن نشأتها في غزة، هي من خلقت منها مصورة، مضيفة: “السكان هنا على الرغم من الحروب والمآسي، يبحثون دوما عن الأمل والحياة”، حيث أثر ذلك كثيرا في مجريات حياتها، وحين تحدثت عن ظروف عملها وقت الحرب لنقل تلك المأساة قالت إنه يتوجب عليها أن تبقى قوية، وتوضح أنها في كثير من المواقف تبكي من الداخل من هول الموقف، لكنها تتمالك نفسها، من أجل التقاط الصورة وإظهار الحقيقة.
وتقول فاطمة إنها في وقت الحرب تستعد لجميع الاحتمالات، ومنها احتمالية الموت، أو فقدان الأسرة، وتصف الحرب بأنها “ليست مجرد صواريخ وتدمير”، لكن حين تحدثت عن الشجاعة قالت: “نحن بشر والخوف لدينا شيء فطري”، لكنها تشير إلى أنها حولت الخوف إلى قوة وشجاعة لإظهار الحقيقة، لافتة أنها في الحرب الاخيرة ضد غزة، كانت تهرب من واقع التفكير في الواقع لطرد الخوف، وهو ما جعلها في النهاية تعاني من الأرق، فبعد ساعات العمل نهارا، وهي متماسكة في الميدان، تقول: “كانت أحلامي ليلا مليئة بالدموع وأصوات الصواريخ”.
وتشير إلى أن ذكريات الصور وقف الحرب لا تزال قائمة، حين تمر بالأماكن التي استهدفت في الغارات، وقامت بتوثيقها، فهذه المصورة الشابة تقول إنها لا تزال “تسمع أصوات الحدث”.
والمصورة شبير، تنشط في أوقات غير الحروب والهجمات العسكرية ضد غزة، في تصوير قصص إنسانية أخرى، وتقول لـ”القدس العربي” إنها تهتم حاليا بتصوير قصص عن واقع حياة السكان بحلوها ومرها، وتهتم أيضا بالتقاط صور تظهر جمال غزة.
وتقول: “الحياة في غزة لا تقتصر على الحرب والدم أو الدمار”، مضيفة: “هناك جانب آخر مليء بالحب والأمل والإصرار على مواصلة الحياة رغم صعوبات الحصار، هذا الجانب هو مسؤوليتنا أيضا كمصورين صحافيين تجاه بلدنا. فحقها كدول العالم أن يعرفوا بجمالها وجبروتها وقوة شعبها وكيف لها أن تنهض من بين الركام بعد كل حرب”.
وبعد انتهاء الحرب، صوّرت فاطمة شبير بعدستها أسواق غزة الشعبية، وشبانا يمارسون لعبة “الباركور”، فوق أسطح المنازل، وأمام المباني المدمرة بسبب الغارات الجوية، كما صورت قصصا عن حياة الناس، وهروبهم من واقع الحصار إلى رحلات على البحر، وتهتم فاطمة أيضا بتصوير الحرف في غزة، وبالصيادين والمزارعين، ومؤخرا اهتمت بتصوير موسم جني ثمار الزيتون الذي بدأ مع نهايات الشهر الماضي.
وكانت لجنة التحكيم التي أعلنت فوز فاطمة لالجائزة، قالت إنها “استغرقت وقتا لمتابعة رواية القصص الحميمة، مما أظهر لنا الخسائر الجسدية والعاطفية على رعاياها أثناء العمل في خطر شديد”، وقالت إن صور فاطمة كانت “إحدى أقوى المشاركات”، من خلال مراعاة “الضوء والزوايا والتكوين”، وأوضحت أن فاطمة شبير استطاعت التقاط صورها في ظروف قاسية جدا، وقد أبدى أعضاء اللجنة إعجابهم بتلك الصور، وقرروا منحها الجائزة.