تواصل مجلة الرؤى العربية للابداع والنقد الاحتفاءبرواد النقد حيث خصصت ندوتها هاته المرة بشراكة مع مؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء في لقاء أدبي بهيج يوم السبت 17من فبراير الجاري بالناقد والأديب المغربي الكبير الدكتور شعيب حليفي.
نظمت مجلة الرؤى كعادتها ندوة فكرية وعرسا ثقافيا بهيجا بعنوان *صناعة الخيال : أسرار الكتابة عند شعيب حليفي* وقد شارك فيه ثلة هامة من الأكاديميين ، الشعراء، الأدباء ، النقاد ، الاعلاميين والفاعلين الجمعويين ومن مدن مختلفة من المملكة،احتفاء بالأديب المبدع شعيب حليفي
و للإشارة فإن شعيب حليفي هو روائي وناقد أدبي مغربي حاصل على دكتوراه الدولة في الأدب من جامعة محمد الخامس بالمغرب، ومن بين مؤلفاته: هوية العلامات: “في العتبات وبناء التأويل”، ورواية “مجازفات البيزنطي”، إضافة إلى العديد من المقالات والبحوث المنشورة في مجلات علمية محكّمة.
في كلمة مقتضبة للأديب شعيب حليفي عبر فيها عن امتنانه وشكره للمجلة بكل أعضائها على هذه الندوة الفكرية والتي تساهم في إغناء المشهد الثقافي بالمغرب وأيضا اعتبرها فرصة لتداول الفكر والثقافة من اجل مستقبل الجميع.
ثلة من الأساتذة تدخلوا بقراءاتهم النقدية في تجربة شعيب حليفي في صيغتها النقدية و الابداعية.
وكانت أولى المداخلات النقدية لبوشعيب الساوري والذي ناب عنه في إلقاء ورقته النقدية الناقد لمعاشي الشريشي وقد اختار لها عنوانا وهو ” إبداعية النقد الروائي عند شعيب حليفي” والتي أشار فيها الى تدشين حليفي لممارسة نقدية جديدة في مسار النقد العربي باصداره لكتاب ” ثقافة النص الروائي وتخليه عن النقد الأكاديمي الجامعي الصارم وتبنيه للنقد الابداعي الجمالي الذي يرى أنه أقرب الى نفسه من صرامة النقد المحتكم الى المفاهيم والنظريات.
ويدعو إلى ورش ممارسة نقدية ترتكز على التأمل الشخصي الهادئ في الإبداع الروائي ولا تلغي الكاتب المبدع الذي يظل حاضراً بقوة في فعل النقد، وهذا مادفع الساوري الى طرح الأسئلة التالية:
-ما دواعي هذا الانتقال من النقد الأكاديمي إلى النقد الإبداعي؟
–ما هو الجديد الذي يحمله هذا الاختيار النقدي؟
-ما نوع المعرفة التي يولدها الناقد وهو يقرأ النصوص الروائية؟
-ما هو المكان الذي تحتله خبرة الناقد في العمل في هذا الإطار؟ -ما العلاقة التي تؤسسها ممارسة النقد مع الإبداع؟
-ما هي تجربة القراءة التي تؤدي إليها؟ وما الدور الذي يطلع به الناقد؟
-ماهي دواعي هذا الانتقال؟
وقد ارجع الساوري هذا الانتقال الى عاملين اساسين احدهما موضوعي والاخر ذاتي.
فالأول ينطلق من تصور شعيب حليفي الذي يرتكز على أن النقد ينبغي أن يحدد خصوصيته انطلاقاً من خصوصيات الجنس الأدبي الذي يكون موضوعاً له، وثانيهما ذاتي يتعلق بالهوية الإبداعية لشعيب حليفي التي تبدو للساوري أنها انتصرت على هوية شعيب حليفي الناقد والجامعي الأكاديمي الذي وجد نفسه قريباً إلى الإبداع منه إلى النقد، فارتأى أن يلبس جبة المبدع وهو يمارس الفعل النقدي.
في الشق الثاني لمداخلته أشار إلى سؤال النقد؛ حيث توجه شعيب حليفي في كتابه” ثقافة النص الروائي” الى تجديد أدوات النقد وتطوير قرائته ورؤيته ووعيه الفني والثقافي لاستعادة النقد لخصوصياته وهي التأمل الحر للنصوص والتفكير من اجل الاقتراب من قيمتها الجمالية و الفنية محققا مكاسب أبرزها : -تجاوز ذلك التقابل بين الكتابة الروائية والكتابة النقدية
– ابتعاد النقد عن الكلام الزائد والاكتفاء بتعاليق قصيرة ومكثفة
-انتقال الحس البيداغوجي الى باقي الكتابة النقدية
– فتح الورشة النقدية
– طريقة القراءة : يحول حليفي القراءة النقدية الى حكاية تمكن الناقد من بناء تخييله الخاص مع إضافء طابع شخصي على تدخلاته.
أما في الشق الثالث للمداخلة فقد ركز فيه على دور الناقد المتمثل في إضفاء الشرعية على الأعمال الأدبية.
أما الورقة التحليلية الثانية فقد كانت للناقد أحمد كوال والتي عنونها ب “من الأنثروبولوجيا إلى الرواية” لتسليط الضوء على الأنثروبولوجيا في رواية شعيب حليفي “خط الزناتي” وكتابه “سبع رسائل إلى صالح بن طريف”، فتمحورت مداخلته في أربع نقط أساسية: الأولى عنوانها ب”ظلال التاريخ”؛ والثانية بـ”التاريخ الراوي ومتاعبه”، والثالثة بـ”الأنثروبولوجيا ديوان الثقافة الشعبية”، وأما الرابعة والأخيرة فقد حددها في العجائبي في رواية خط الزناتي” وسبع رسائل إلى صالح بن طريف”؛ حيث أشار في بداية تدخله إلى وجود توافق بين موقف شعيب حليفي من التاريخ والمؤرخين، وبين ما قرأه في مقدمة كتاب منسي للشاعر معروف الرصافي الذي يحمل عنوان “الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس” على الرغم من اختلاف الحقب التاريخية التي ينتمي إليها الروصافي وحليفي .
ففي سياق التأر
يخ يُسجل شعيب حليفي نقيصة في مدونات التاريخ تتمثل في عدم وجود وثيقة تخبر بحقيقة القرون المظلمة من تاريخ المغرب، حيث لا توجد وثائق تخبر عن حياة السكان الأصليين لهذه الرقعة الجغرافية الممتدة من المحيط الاطلسي الى بنغازي ، بالقرون الأربعة التي حكمها البرغواطيين.
وقد أبرز أحمد كوال دور شعيب حليفي في رواية خط الزناتي المتمثل في نقل التراث الشفهي وكل ما له علاقة بالثقافة البدوية إلى أجيال المستقبل، منطلقاً من التراث الثقافي المغربي البدوي الذي ينبش فيه ليزرع فيه الحياة من خلال تحويله إلى عمل تحليلي ممتع . والروايةعند حليفي هي أداة لتحصين الهوية المغربية ضد النزعات الإقصائية.
اكد أحمد كوال في ختام مداخلته أن عنصر العجائب الذي انطوت عليه رواية خط الزناتي التي سعى من خلالها شعيب حليفي إلى تحرير المخيلة وتجاوز الحدود التي تفصل الواقع عن اللاواقع حيث تتلاشى الحدود أمام شطحات الخيال مع شخوص أكثر غرابة من حيوانات وطيور وكأن القارئ يلج عالم كليلة ودمنة، وتتغير نظرته للأشياء وتجعله يتجاوز عالم المألوف، وقد يكون غرض ذلك الإمتاع والمؤانسةللمتلقي مثلما قد يحيل على الممنوع السياسي والديني والاجتماعي.
الناقد نور الدين حنيف اختار لمداخلته عنوان: “كتابة المناقب في رواية خط الزناتي للروائي شعيب حليفي”.
الرواية عند حليفي هي نص لغوي سردي بثلاث صبغات أدبية وعقدية وتأريخية.
المحور الأول خصصه للمناقب : -المنقب الأول هو تناص ديني على لسان موسى الزناتي أثناء حديثه عن الزناتي الذي كان طفلا .
-المنقب الثاني هو رؤية موسى الزناتي المختلفة وتصوره للذات والوجود من منظورات مختلفة يؤسسها شرط الصمت كمقولة مركزية تتكلم فيها الذات بالإشارة بدل العبارة، ويؤسسه ثانياً شرط الكلام من خلال تفاعل الذات مع ذاتها، ومع التاريخ، والمجتمع، ومع السفر وفي سيرورتها مع محيطها منتجة مجموعة من المقولات أقرب إلى الحكمة والفلسفة منها إلى الخطاب.
أما المنقب الثالث فهو في نظر حنيف تفسير الزمان الذي يتكرر في الرواية من خلال حرص الزناتي على أن الزمان يوم واحد بنهاره وليله ، وأحداث الرواية جرت في يوم واحد يبدا بطلوع الفجر وينتهي بطلوع الفجر ، فداخل الرواية يعيش القارئ مع أحداث الرواية كأنه في آلة زمنيةمن الخيال العلمي تلقي بالقارئ الى القرن الثاني عشر الميلادي. (مع استشهاد بأمثلة من الصفحات).
وحدد المنقبة الرابع في تفسير العدم، فالنقطة هي جزء من علم الزناتي وهي الخروج من العدم إلى الوجود، هكذا فكر موسى وتكلم، باعتبارها بداية للكون ترسم معانيه الأربعة: النار والماء والتراب والهواء. والمنقبة الأخيرة هي الحَدس، من خلال الراعي الذي يسأل موسى عن علم الغيب فيجيبه بأنه يحدس فقط بما يراه وما يحس به.
أما الورقة التحليليةالرابعة والأخيرة فقدمها الناقد جمال بندحمان الذي مهد لها بما أسماه “تحديات الندوة” وثلاثة محاور تتعلق بمحددات الكتابة عند شعيب حليفي جاءت كالتالي: المحور الأول: محددات الكتابة الأكاديمية والنضالية في ارتباط بتجربة الكاتب الروائية. واطلق على الثاني وحدة المجال وتعدد المسارات في حكي حليفي، في حين تناول المحور الثالث رواية خط الزناتي من حيث حكي المجال وصناعة المجال.
حدد بندحمان في مقدمة المداخلة تحديات الندوة في عنصرين: التعريف بالخيال باعتباره صناعة في تجربة شعيب حليفي الإبداعية، والقدرة على ضبط أسرار الكتابة في هذه التجربة. مؤكدا على أن تجربة شعيب حليفي ليست واحدة وليست مرتبطة بالخيال فقط ، فقد كتب في النقد و كتب في مجال النضالي العمالي وفي المجال الأكاديمي، وفي هذين المجالين نكون خارج دائرة الخيال.
أما على مستوى المقاربة للنص فقد اقترح بندحمان بعض المحددات للانتقال إلى مرتكزات صناعة الخيال منها؛ أن الأكاديمي أسَّس للجدية والانضباط ووضوح الرؤية، ففي الشق النضالي ارتبط بالحرية والدفاع عنها، أما الخيال فنتيجة لهما إذ عندما يذكر الخيال فإنه يكون مرتبطا بالحرية، لذلك فإن سر الأسرار في صناعة الخيال أنها لم تتخل يوما عن حريتها ولم تخضع لقيود ولم تكن يوما تحت وصاية جهة ما.
ويقدم جمال بندحمان في المحور الثاني اقتراحا يقسم الرواة إلى الرواة المبدعين ورواة المشاريع الحكائية، فالصنف الأول يكتبون روايات للإمتاع دون خيط ناظم، والصنف الثاني يكتبون ضمن أهداف محددة في إطار تشعب منسجم ومحدد، ويأتي في طليعة هؤلاء الروائي شعيب حليفي الذي أنتج بغزارة ضمن ذات المجال كل حكاياته، مما يعني غنى هذا المجال بشخوصه وبياضاته التي ملأ الكاتب سياقاتها.
وفي المحور الثالث لمداخلته مثل جمال بندحمان لخلاصاته السابقة برواية خط الزناتي مؤكدا أنها رواية توظف العناصر التي أشار إليها؛ المجال الجغرافي، التاريخ المحلي، فهي رواية متحررة من كل القيود التنميطية الممكنة للنوع، فهي تتحدى القارئ الخطي لأنها لا تقدم الحدث جاهزا بل تدعو القارئ إلى إعادة تشييده.
وفي كلمة ختامية للقاء أكد شعيب حليفي، على أهمية الخيال والكتابة والرواية في الدفاع عن وجود الأسلاف، وتاريخها باعتبارها ملاذا ومصيرا وأداة ستحرر إن لم تكن قد حررت الكثيرين من القيود، كما تقاسم مع الحضور نصا سرديا أمتع به الجميع.
وفي ختام اللقاء عبر الحضور في مداخلاته عن أفكار وانطباعات وأسئلة شكلت مداخل جديدة لقراءة نصوص حليفي وللتفكير في علاقة الرواية بالتراث والتاريخ والهوية.
كما أشاروا الى أن المحتفى به يعد علامة مضيئة في تاريخ الفكر والأدب المغربيين، مبرزين إسهاماته في نجاح مسار جديد في مجال الدراسة النقدية، وكذا إسهامه في الكتابة والتأليف، حيث يمتاز بلغة مشرقة صافية وأسلوب عذب يغري القارئ للقراءة والتتبع.