لا جدال في أن الاحتفال غير المسبوق بحلول السنة الأمازيغية الجديدة بالمغرب 2974 الذي يصادف يوم 14 يناير الجاري سيكون له طعم خاص هذا العام ، وذلك بعد أن تم إقرار رأس السنة الأمازيغية، عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
وبعد سنوات من المطالبة من طرف الحركة الأمازيغية بإقرار رأس السنة الأمازيغية، عيدا وطنيا ويوم عطلة ، تحقق هذا المطلب أخيرا بعد صدور بلاغ للديوان الملكي في الثالث من ماي 2023 ليعلن عن عهد جديد في التعامل مع تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية التي نص عليها دستور المملكة .
وحسب البلاغ ذاته يأتي هذا القرار “تجسيدا للعناية الملكية بالأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، و رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية”.
وفي سياق تنزيل هذا القرار على أرض الواقع صادق مجلس الحكومة يوم 23 نونبر من نفس السنة على مشروعي مرسومين يتعلقان بتحديد يوم 14 يناير عيدا وطنيا مؤدى عنه الأجر في القطاعين العام والخاص.
إن الاحتفال بهذه المناسبة، التي تتعدد مسمياتها حسب الجهات ك “ئض ن ئناير” أو “ئض ن أوسكاس”، أو “ايخف ن أوسكاس ” أو “حاكوزا”، يمتد إلى مناطق أخرى من شمال إفريقيا، حيث يشكل جزءا من التراث اللامادي لمجتمعاتها.
ويكتسي هذا الاحتفال دلالات رمزية عميقة تكشف البعد الفلسفي لنظرة الأمازيغ إلى الأرض، فهذا الاحتفال هو احتفاء بالأرض وما تنتجه من خيرات، ولذلك تسمى بالسنة الفلاحية، مما يعني أن الأمازيغ لهم ارتباط خاص بالطبيعة والأرض ويدركون تمام الإدراك أهمية الحفاظ على الانظمة البيئية لاسيما وان احتفال هذا العام يأتي في سياق توالي سنوات الجفاف التي اتسمت بقلة التساقطات المطرية وشح المياه جراء التغيرات المناخية التي تضررت منها بلادنا في العقد الأخير،.
ومن هذا المنطلق يكون المغرب قد التحق بنادي الشعوب التي تضيف لأعيادها الدينية والوطنية احتفالا بيئيا نظرا لما تشكله قضايا البيئة من أهمية حاضرا ومستقبلا .
ويرى مهتمون بالشأن الأمازيغي بأن تحقيق هذا المطلب يدخل في صميم العناية والاهتمام الذي أولاه دستور المملكة للثقافة الأمازيغية، وفي إطار تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، إضافة إلى مقرر منظمة اليونسكو، الذي ضم احتفالات رأس السنة الأمازيغية إلى قائمة التراث العالمي اللامادي باعتبارها تقليدا تاريخيا عريقا تمارسه مجموعة بشرية و تتداوله الأجيال.
واعتبروا أن الاحتفاء بقدوم العام الأمازيغي الذي يتقاسمه المغاربة، سواء منهم الناطقون بالأمازيغية أو غير الناطقين بها، مع مناطق أخرى من شمال إفريقيا يعكس الاعتزاز بالعمق التاريخي للمجتمع المغربي و يبرز التنوع الثقافي الذي يتميز به.
ولوحظ أن الاحتفال بحلول رأس السنة الأمازيغية هذا العام يشهد زخما بالنظر الى العدد الهائل من الأنشطة والفعاليات التي أعلنت عنها جمعيات مدنية ومنظمات غير حكومية ومؤسسات رسمية لتخليد هذه المناسبة في مختلف ربوع المملكة .
كما أن صدى الاحتفال برأس السنة الأمازيغية سيتجاوز الحدود الوطنية، حيث سيشارك العالم أو سيتعرف أكثر على احتفال المغاربة عموما بهذه المناسبة خصوصا وأنه من المتوقع أن تتم مواكبته من قبل التمثيليات الدبلوماسية للمغرب في الخارج.
إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا يمكن اعتباره خطوة جديدة في المصالحة مع الهوية والتاريخ إذ يأتي هذا القرار السياسي لينضاف الى تنصيص الدستور المغربي في فصله الخامس على ان اللغة الامازيغية تعتبر لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة وذلك الى جانب اللغة العربية علاوة على صدور القانونين التنظيميين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي الامازيغية واحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
مطلب الحركة الأمازيغية ونداءات حقوقيين وفعاليات ثقافية بإقرار فاتح السنة الأمازيغية عيدا وطنيا ويوم عطلة، لم يعد قائما بعد تحققه على أرض الواقع بقرار سياسي بل أضحى مكسبا يتعين استثماره لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بالجدية المطلوبة في مختلف مناحي الحياة العامة لاسيما في ميادين التعليم والإعلام والإدارة ،والحيلولة دون سقوط ملف الأمازيغية في غياهب النسيان والاستغلال السياسوي من طرف تشكيلات سياسية وجمعيات تعتبر الأمازيغية حكرا عليها .