خلّف الرحيل المفاجئ للكاتب والصحافي وأستاذ الإعلام بالجامعة الجزائرية، عبد العالي رزاقي، حزنا عميقا في البلاد، وكتبت العديد من الوجوه الإعلامية والثقافية وحتى السياسية على طرفي المعارضة والسلطة، كلمات مؤثرة في توديعه.
فور إعلان ابن الراحل خبر وفاة والده، تحولت مواقع التواصل في الجزائر إلى ما يشبه خيمة عزاء كبيرة في توديع عبد العالي رزاقي، الذي ظل لغاية الرمق الأخير، محافظا على استقلاليته، وشجاعا في إبداء رأيه المعارض للسلطة، مواصلا لرسالته في الكتابة والتعليق على الحياة السياسية دون كلل.
ووفق ما ذكرت ابنه رفيق، فإن عبد العالي رزاقي البالغ من العمر 74 عاما، توفي إثر إجرائه عملية جراحية في القلب بأحد مستشفيات الجزائر العاصمة، تسببت له في مضاعفات حادة.
وينحدر الراحل من مدينة عزابة بولاية سكيكدة شرقي البلاد، وهو حاصل شهادات عليا في الصحافة والإعلام ويعمل أستاذا بمعهد علوم الإعلام والاتصال الذي كوّن فيه آلاف الصحافيين في فنيات التحرير.
فور إعلان ابن الراحل خبر وفاة والده، تحولت مواقع التواصل في الجزائر إلى ما يشبه خيمة عزاء كبيرة في توديع الراحل، الذي ظل لغاية الرمق الأخير، محافظا على استقلاليته وشجاعته في إبداء رأيه
وعرف عبد العالي رزاقي، الذي يوصف بأنه أحد “فرسان الكلمة الحرة” في بداياته بكتاباته الشعرية الجريئة الناقدة للسلطة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي كلفته الاستنطاق الأمني بسببها، وأشهرها قصيدة “”هموم مواطن يدعى عبد العال”. و أصدر ثلاثة دواوين شعرية: “هموم مواطن يدعى عبد العال”، و “الحب في درجة الصفر”، و”أطفال بورسعيد يهاجرون إلى أول مايو”، و” الحسن بن الصبّاح”. وشغل الراحل منصب رئيس الجمعية الجزائرية لأدب الطفل، وعضو اتحاد الكتاب الجزائريين منذ 1974 ومسؤولا فيه، ومثّل الجزائر في العديد من المهرجانات الدولية.
وعُرف عن الراحل دفاعه المستميت عن الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 شباط/ فبراير 2019، وكلّفته مواقفه الجريئة الاعتقال في حزيران/ يونيو 2021، قبل أن يتم إطلاق سراحه. ولم تكن نبرته العالية في الانتقاد مسموحا بها في العديد من القنوات الجزائرية التي توقفت عن استضافته.
وأبرز السياسي المعارض كريم طابو، في نعيه للراحل، أن الجزائر فقدت رجلا أكاديميا من الطراز العالي، شخصية استثنائية في مهنيتها وفي أخلاقها.
وأضاف: “التزامه بالتواضع وبالبساطة كجامعي متفانٍ، جعله يكون في معسكر النضال، رغم الصعوبات التي واجهها والترهيب الذي كان ضحية له، لقد ظل شجاعا ومخلصا ومؤثرا”. ولفت طابو إلى أن مداخلات رزاقي التلفزيونية أضافت مادة جوهرية ومضمونا دسما في النقاشات.
الكاتب والصحافي احميدة العياشي، كتب بدوره كلمات مؤثرة في الراحل، قائلا إنه “ظل يحمل تمرده معه حيث حل، ولم يتوقف عن الكتابة في الجزائر الوطنية والمجلات العربية، أغلبها كانت صحافية وذات توجه سياسي سجالي”.
وأوضح أن كتب “رزاقي عن النضال بواسطة الصحافة طوال فترة التسعينات، وكان عكس معظم الكتاب والمثقفين الذين صمتوا أو هاجروا إلى أوروبا أو الخليج، فلقد راسل الجرائد العربية الكبرى، وقدّم عدة تقارير صحافية وحوارات عن الوضع الأمني في الجزائر”.
تدوينة أخرى نشرها الكاتب والمرشح الرئاسي ووزير الثقافة السابق عز الدين ميهوبي، قال فيها إن “عبد العالي الذي تعرفت عليه قبل أربعين عاما، لم يتغيّر أبدا، رغم خفوت صوت الشاعر لديه، واهتمامه بالشأن السياسي”.
وأردف: “كان يدعوني لإلقاء محاضرات في تجربة كتابة المقال والافتتاحية، بمعهد علوم الإعلام والاتصال، وكان أحيانا ينتقدني بحدّة، غير أن مواقفه منّي لم تفسد شيئا من علاقتنا التي لا تتأثر بالظروف، وعندما نلتقي يضحك ويقول لي (في السياسة.. عليك أن تتحمّل الضرب)”.
واستحضر ميهوبي واقعة في عام 1983 بمهرجان محمد العيد آل خليفة في بسكرة جنوب البلاد، حيث قرأ الراحل قصيدته الشهيرة (يوميات مواطن يدعى عبدالعال) وكانت موغلة في النقد السياسي، مما عرّضه لمساءلات كثيرة شأنه شأن عمر أزراج، اللذين قرأ كل منهما نصوصا مغضوبا عليها. وكان مهرجان تلك السنة، حسب الوزير السابق، موعدا مع القصيدة السياسية المباشرة والحادّة، ويذكر كثير من الشعراء تلك الواقعة.
ونظرا لثقل الراحل وتاريخه، نشرت المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية، رسالة تعزية ومواساة لعائلته ولكل الأسرة الإعلامية.