
تحول كبير عرفه الشق الصحافي المتعلق بأخبار الوفيات، هذا الأخير يخصص له مجال خاص في الجرائد الورقية، كما أن نص الخبر له قواعد محددة في الصياغة.
وعلى مستوى القنوات المرئية فيتم بثه من بين العناوين الرئيسية، و يقدمه الإعلامي بشكل مؤثر ونبرة تحمل حزنا وتأثرا واضحا كما أنه كان يحظى باهتمام كبير لدى القراء والمشاهدين.
لكن، مع التطور الذي حصل في مجال الصحافة والإعلام، حيث أن عصر السرعة والتقدم الرقمي السريع والهائل جعل من الصحف والمواقع والصفحات الإلكترونية تحظى باهتمام المتابعين أكثر من الوسائل التقليدية كالجرائد الورقية والإذاعات المسموعة والمرئية.
هذا التطور لم تسلم منه صفحة الحوادث أو الوفيات حيث أضحت تشكل النسبة الأكبر من الأخبار التي تنتشر بسهولة وسرعة كبيرين بفضل الأنترنيت وتطبيقات الهواتف الذكية.
ولعل هذا الانتشار الواسع هو ما أفقد أخبار الوفيات والحوادث وقعها على المتلقي، وجعل منها أخبارا اعتيادية تمر بسرعة، ويتم نسيانها كالوصلات الإشهارية.
لكن خطورة هذا الأمر تتجلى في تجريد الإنسان من أحاسيس التعاطف والتأثر من مصيبة الموت وحتى التغافل وعدم أخذ العبرة.
إن كل خبر يتعلق بوفاة شخص أو أكثر سواء ذكر أو أنثى أو رضيع أو طفل أو شاب أو كهل، فإنه يعني نهاية أحلام وتوقف مسار، ودفنا بالقبر وأهلا وأحبابا مكلومين.
إن الموت أمر حير العلماء والفلاسفة ويدهش كل العقول، كما يؤثر في كل البشر. مع ذلك نلاحظ أن عصر السرعة جعل من خبر الوفاة كأي خبر.
وتوضح خاصية التفاعل ذلك جليا، حيث نجد من يضغط على الوجه الضاحك أو المبتسم في التعليق على خبر حادث سير أو وفاة لأي سبب من الأسباب، فهل تجرد هؤلاء من الإحساس؟
إن كل إنسان يظن أن العالم يتمحور حوله، وكأنه يلعب وحيدا البطولة في فلم من إخراجه. والذي يكرس ذلك هو التطور الذي جعل من الناس آلات تأكل وتشرب وتعمل وتنام.
من جهة أخرى قد يكون تغافل أخبار الوفاة نوعا من أنواع التشبث بالحياة لدرجة أن الإنسان صار يتغافل ويتناسى الموت ويقنع نفسه أن ما يحصل لغيره لن يصيبه أبدا، فلا داعي لكي يقلق.

دليل آخر على عدم الاكتراث بأخبار الموت هو السخرية الواسعة التي تلي نشرة كورونا اليومية والتي تعطي أرقاما للوفيات. وكأن من ماتوا ليسوا بشرا مثلنا.
بالإضافة إلى ذلك فإن أخبار الوفيات فقدت وقعها وتأثيرها حيث لم يعد المحررون أو الصحافيون بالجرائد الإلكترونية يحترمون طريقة صياغة الخبر حينما يتعلق الأمر بنشر أخبار الوفيات. وليست اعتباطية منهجية صياغته في الجرائد المكتوبة.
والأجدر أن تكون أخبار الوفيات عبرة لنا جميعا، ولحظة من أجل تصحيح المسار وإعادة ترتيب الأوراق
فوفيات حوادث السير تدعونا لمزيد من الحيطة والحذر في الطرقات، وحوادث الاختناق يجب أن تجعلنا ننتبه للأسباب كوجود الفحم بغرف النوم أو أجهزة السخانات أو غيرها من الأسباب، كذلك حوادث الغرق والسقوط من علو مرتفع وجميع الحوادث المؤسفة باختلاف أنواعها هي مجال بحث لتفادي حصولها مجددا. وهي أيضا تشكل مواضيع للبحث العلمي، فمثلا هناك منظمة أوروبية اسمها (NCAP ) يقوم فيها المهندسون والتقنيون بمحاكاة جميع أنواع حوادث السير وتقييم كل أنواع السيارات من خلال إخضاعها لاختبارات الحوادث حيث يتم تنقيط كل سيارة من أجل معرفة مدى قدرتها على حماية الركاب. كذلك من خلال حوادث الغرق تم اختراع الدعامات الهوائية التي تجعل الجسم يطفو فوق سطح الماء.
والجدير بالذكر أن كل وفاة يقابلها بحث حول كيفية تفاديها، لدرجة أن العلماء صاروا يتدارسون الأسباب الطبيعية كالشيخوخة ويحاولون اختراع عقار سحري لتأخيرها.
ودون الدخول في جدال أهمية ذلك من عدمه، فالمهم هو الانتباه لأخبار الحوادث والوفيات لأنها تتعلق بأشخاص مثلنا كانوا بدورهم يمرون على تلك الأخبار في هواتفهم يوميا لكن لا يدرك الجميع أننا معرضون في أي لحظة أن نكون عنوان أو موضوع خبر وفاة.