الإعلام العربي مدعو اليوم، أكثر من ذي قبل، إلى إشاعة ثقافة السلم والتعايش ومدّ الجسور بين الشعوب، عوض نكئِ الجراح وتضخيم الخلافات وزرع البغضاء.
وهي دعوة تنطبق خاصةً على وسائل الإعلام في البلدين الجارين: المغرب والجزائر، فما يجمع بينهما أصلب وأقوى مما يفرّق ويباعد. والملاحظة نفسها تسري على شبكات التواصل الاجتماعي. ويبدو أن موضوع الساعة في الجزائر يمضي في هذا الاتجاه: لقد ذهبت التفسيرات في إقالة رمطان لعمامرة من على رأس وزارة الخارجية الجزائرية كل مذهب، لكن صفحته طُويت، حتى وإن لم يصل المفسّرون إلى نتيجة مقنعة.
وعملاً بمقولة «مات الملك، عاش الملك»، صار الموضوع اليوم هو أحمد عطاف، الوزير الجديد لدبلوماسية قصر «المرادية»، وراح مدوّنون ينبشون في تصريحات سابقة للعائد إلى المنصب نفسه، متسائلين عمّا إذا كان سيظل وفيا لموقفه وكلامه، بما أن «الرجل هو الكلمة»، كما يقال.
واهتدى البعض إلى لقاء صحافي أجرته معه قناة «الشروق» منذ سنوات، حيث سأله الإعلامي عن نظرته إلى المغرب: هل هي دولة صديقة أم حليفة؟ أم هي عدو وخصم؟ فأجاب أحمد عطاف حاسمًا: «المغرب دولة شقيقة».
وعاد المُحاوِر ليسأله مستغربًا: هل بَنيْتَ ذلك على معلوماتك الشخصية، أم هو موقف لوزارة الخارجية؟ فردّ بالقول: هذا موقف تاريخي وليس موقفي الشخصي. وأوضح أنه اطّلع بعينيه على تقارير ترجع إلى زمن الرئيس الراحل هواري بومدين، يقول فيها هذا الأخير خلال استقباله لزعماء أجانب عربا وأوربيين: «إنّ أمْن المغرب من أمن الجزائر».
وقال عطاف أيضًا إن كل الأجيال المتعاقبة منذ بومدين إلى الآن لم تُبن على كراهية المغرب وإضمار العداوة تجاهه.
كلام جميل!
«كلام جميل كلام معقول… مقدرش أقول حاجة عنو»، على حد قول الأغنية المصرية الشهيرة، لدرجة أن الناشط الجزائري المعارض أنور مالك اندهش، وهو يستعيد تصريحات الوزير العائد، وذلك في قناته على «اليوتيوب» المسمّاة «المراقب»، فأكد أن أحمد عطاف يتحدث عن الدولة المغربية، وليس عن الشعب المغربي، وأنه لم يكرر العبارة الجاهزة المتداولة «الشعب المغربي شقيق، والمشكلة لدينا مع المخزن.»
هل سيتغير الوضع، إذنْ، بعودته إلى الخارجية؟ وهل يُعَدّ تعيينه دليلا على التركيز على هذا الاتجاه؟ يتساءل صاحب قناة «المراقب» الافتراضية، خالصًا إلى القول إن ما سمعه مجرد كلام دبلوماسي فقط، لأنه على المستوى العملي هناك عمل على زرع الكراهية تجاه المغرب قائم على قدم وساق.
ما يؤكد هذا الطرح أنه، منذ أيام، خرجت مجموعة من الجزائريين في العاصمة الفرنسية باريس للاحتجاج على المغرب، وكانت المناسبة هي ذكرى «عيد النصر» الذي يؤرخ لحدث وقف إطلاق النار في حرب التحرير الجزائرية عام 1962. لكن المثير للانتباه، مثلما نقلت ذلك فيديوهات على «اليوتيوب»، أن المتظاهرين الجزائريين كانوا يرددون هتافات يقولون فيها «المخزن سبب عذابنا»، والمقصود بـ»المخزن» طبعًا هو السلطات المغربية التي صارت مشجبًا تُعلَّق عليه كافّة المشكلات والأزمات التي تعاني منها الجزائر.
شهيد الحرية والكرامة
تذكّر اليمن شهيده، شهيد الحرية والكرامة ولسان حال المظلومين، الإعلامي الراحل عبد الكريم الخيواني، الذي امتدت إليه رصاصات الغدر في 18 آذار/ مارس 2015. ففي ذكرى الاغتيال الأليمة، بثّ التلفزيون اليمني شريطًا وثائقيًّا يستعرض سيرة البطل المليئة بالمواقف المشرفة التي جعلته يسكن سويداء قلوب اليمنيين ويختاره «المجلس الدولي لحقوق الإنسان» سفيرًا للنوايا الحسنة.
كان الخيواني لا يتردد في فضح الفساد والمفسدين في بلده اليمن، إنْ من خلال مقالاته النارية أو منْ خلال خطبه القوية، فضلا عن مشاركاته في مظاهرات ومسيرات شعبية؛ ما جعله عرضة للملاحقات والتهديدات والمضايقات، انتهت بإيداعه السجن أكثر من مرة، بتُهم صيغت بحبر القضاء المتحكم فيه من طرف السلطة الحاكمة.
الجميل في الشريط الوثائقي عن الإعلامي الشهيد أنه حفل بمقاطع مؤثرة، لا سيما تصريحات أسرته الصغيرة، ومن بينها، خصوصا أبناءه الصغار الذين تحدثوا بلغة عفوية بليغة، راسمين صورة للغد المشرق، لليمن السعيد الذي ضحى من أجله أبوهم عبد الكريم الخيواني.
درجة «التنمر» في الكوميديا!
سعت القناة الثانية المغربية إلى رد الاعتبار للممثل الكوميدي حسن مكيات، حيث استضافته في إحدى نشراتها الإخبارية، وخصصت حيزًا وافرًا للتعريف بتجربته وتقديم شهادات عنه ومحاورته حول أعماله الفنية. وبدا مكيات متحدثا بليغا، يتكلم لغةً عربية فصيحة، ويمتلك ثقافة واسعة، عكس شريحة كبيرة من أدعياء الفن الذين تعوزهم اللغة السليمة والأفكار الناضجة.
عملية رد الاعتبار هذه جاءت بعد الإهانة الكبيرة التي تعرض لها الفنان ذاته من لدن برنامج «ستاند آب» المبثوث عبر القناة التلفزيونية الأولى؛ حيث سخر مشارك في المسابقة الكوميدية من حسن ميكيات، وتنمّر عليه بشكل واضح تفاعل معه الجمهور الحاضر في بلاتو التصوير بالضحك بناء على توجيهات الفنيين؛ لكنه أغضب جماهير عريضة خارج الاستوديو، وأثار أيضا استياء شريحة كبيرة من الفنانين ممن أبدوا تضامنهم المطلق مع زميلهم المُتنمَّر عليه.
كلام تافه وَرد على لسان الشاب المتسابق، لكنه لم يثر حفيظة لا المدربين المشرفين، ولا لجنة التحكيم المشكَّلَة من فنانين معروفين، كما أن لجنة الرقابة بالقناة أجازت ذلك التنمر، وبقيت الكرة الآن في ملعب «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» باعتبارها المؤسسة الرسمية المكلفة بمراقبة محتوى القنوات التلفزيونية والإذاعية.
جاء في كلام الكوميدي المتسابق باللهجة المحلية ما معناه: «حينما دخلت إلى قاعة الرياضة، وأخذت أتأمل في الصور المعلقة، وجدت من بينها أشخاصا لا تربطهم أي علاقة بالرياضة». وأضاف مستغربًا ساخرًا: «صورة حسن مكيات كانت معلقة هناك… وهو الذي لم يسبق له أن مارس الركض في حياته.»
ما إن بُثت الحلقة، حتى أعرب حسن مكيات عن استيائه من هذه الإهانة، معلنًا قراره اللجوء إلى القضاء من أجل رد الاعتبار لكرامته، خاصة وأن التنمر أثّر سلبًا على نفسية أبنائه، كما صرّح هو نفسه لوسائل إعلام محلية.
كما امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات تؤكد بالأدلة الملموسة الصّلة الوثقى التي جمعت حسن مكيات بالرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا، على امتداد سنوات عديدة، حيث كان حكمًا وحارس مرمى ولاعبًا في عدة فرق رياضية.
ووصل صدى القضية إلى قناة «بي بي سي» عربية التي خصصت حلقة من برنامجها «ترندينغ» لما وقع للفنان حسن مكيات، مستنتجة أن ما حصل تجاوز لحدود الفكاهة والسخرية.
تُرى، ماذا كان سيكون موقف أعضاء لجنة تحكيم «ستاند آب» لو صاروا هم أنفسهم موضوع تندّر بتلك الصيغة المباشرة من لدن كوميدي متنافس؟
· كاتب من المغرب