كان يا ما كان.. في قرية بعيدة تلفها انغام العصافير، عاش كاتبٌ موهوبٌ يُدعى اسماعيل. و منذ نعومة أظافره، حلم إسماعيل أن يصبح كاتباً عظيماً، وأن تُنحت كلماته في ذاكرة الزمن، وأن تنتشر رواياته في كل أرجاء الارض.
أمضى إسماعيل سنين عمره يخطُّ بِقَلَمِهِ شخوصا و قصصا و احداثا لا تنتهي، تاركاً قلبه وروحه في كل حرفٍ يجود به القلم. نسج إسماعيل من خيوط خياله حكاياتٍ آسرة، وشخصياتٍ ساحرة، رسم مشاعر جياشة، وصوّر عوالم في منتهى الغرابة.
لكنّ الأقدار لم تُسْعِفْ إسماعيل، فلم تلقَ رواياته الرواج الذي كان يحلم به. واجه إسماعيل رفضاً لكثير من كتبه من دور النشر، وصمتاً مُطبقاً من النقاد، وقلّة مخيفة في عدد القراء.
شعر إسماعيل بالإحباط وخيبة الأمل، وكاد اليأس أن يطحنه. و رغم عذابات حضرة كاتبنا المحترم، لم يستسلم إسماعيل، بل واصل الكتابة بروح مفعمة بالشغف. آمن بموهبته، ورسالته في الحياة، والقيمة الكبرى لما يقدمه للعالم. ل
م يكتب إسماعيل من أجل الشهرة أو الثروة، بل من أجل التعبير عن ذاته، ومشاركة أفكاره مع الآخرين. و مرت الأعوام ، و اكتشف إسماعيل ذات يوم في لحظة من لحظات التأمل العميق سعادةً غامرة لا تنبع من الماديات أو اعتراف الاخر، بل من إيمانه الراسخ بقيمة ما يكتبه.
رأى إسماعيل في كتبه إرثاً لأبنائه، و تراثاً يروي حكاياته وأفكاره، ويُلهمهم ويثري عقولهم. كما اعتبر كتبه هديةً و امتنانا ابديا لوالديه، و تعبيرًا عن حبه وتقديره العميقين لهما. تخيّل كاتبنا و الدموع تتألق في عينيه والديه يطالعان رواياته، ويتشاركان معه طوفانا من المشاعر.
و في لمح البصر تحوّل شعور إسماعيل بالإحباط إلى رضا عارم يملأ الكون. لم يعد يهمه اعتراف اي انسان بموهبته الفذة، بل وجد سعادته في توحده مع طقوس الكتابة في منأى عما يمكن أن تحدثه في العالم.
واصل إسماعيل الكتابة بِعزيمةٍ لا يعتورها ملل أو كلل و مرت أعوام أخرى و انتقل كاتبنا الى مملكة الخلود، الى رحمة ربنا، و لم يتردد إبراهيم الابن الصغير لاسماعيل في كتابة هذه الاقصوصة و التي فرغت لتوك من قراءتها.
رحلت يا إسماعيل لكن الكاتب لا يموت.
ليرحمنا الله…