يُعرف الغسل الأخضر بأنه ظاهرة تضليل المستهلكين بأن المنتج صديق للبيئة، وهو ليس كذلك، ويتم ذلك من خلال تقديم ادعاءات بيئية كاذبة حول طريقة التصنيع، والمواد المستخدمة في تصنيعه، ودورها في مكافحة تغيّر المناخ.
بدأ استخدام تعبير الغسل الأخضر في عام 1986، وكان أول من استخدمه باحث بيئي أميركي اسمه جي ويسترفيلد.
وعلى خلاف ما يعتقده الكثيرون، موضوع الغسل الأخضر لم يبدأ بشركات الطاقة، وإنما في الفنادق في الستينات من القرن الماضي عندما تبنت الفنادق حملة تشجع العملاء على إعادة استخدام المناشف لتوفير المياه ومساعدة البيئة، والذي حصل حقيقة هو أن الفنادق خفضت من تكاليف غسل المناشف.
وأشارت دراسة أجراها باحثو شركة تيراتشويس على المنتجات في الولايات المتحدة وكندا، إلى أن 98% من المنتجات الاستهلاكية التي غطتها الدراسة، والبالغ عددها 2219، تقع ضمن “الغسل الأخضر” بسبب الادعاءات غير الصحيحة.
وتنشر بعض منظمات حماية البيئة لائحة بالمنتجات والشركات المتهمة بالغسل الأخضر، وتتضمن منتجات من نظارات الغواصين، إلى بعض الأطباق في المطاعم، إلى أدوات التنظيف، ثم أنواع معينة من الشوكولاتة، وصولًا إلى السيارات.
تهمة الغسل الأخضر
هناك العديد من القضايا في المحاكم حول العالم تُحاكم فيها الشركات بتهمة الغسل الأخضر.
كما أُجبِرَ العديد من الشركات، بما فيها شركات طيران، على سحب إعلاناتها؛ لأن فيها معلومات مضللة تقع تحت “الغسل الأخضر”.
وكانت هناك فضائح عالمية تتعلق بالغسل الخضر؛ أهمها فضيحة شركة فولكس فاغن التي برمجت السيارات بحيث تعطي العوادم قراءة خاطئة لانبعاثات الكربون أقل من الحقيقة بكثير، وشركة إيكيا التي ادعت أن مفروشاتها مصنوعة من أخشاب من غابات تدار بطريقة صديقة للبيئة، ولكن الحقيقة أن أغلبها مصنوع من أخشاب مقطوعة من الغابات بشكل غير نظامي ومدمر للبيئة.
وفي سياق متصل، فإنَّ الغسل الأخضر مصطلح غالبًا ما يتم طرحه عندما يتعلق الأمر بالمناقشات حول مخططات تعويض الكربون. لكن ماذا يعني ولماذا يستخدمه الناس كسبب ليكونوا سلبيين ولا يدعمون المشاريع التي تحدث فرقًا حقيقيًا على كوكبنا؟
رد جوستين برانتون ، أحد مؤسسي شركة كلايمت وايز ، على هذا السؤال في الأسئلة المتداولة وأثار أحد جهات اتصالنا على وسائل التواصل الاجتماعي ، The Little Green Blog ، هذا السؤال بالضبط في مقال يمكنك العثور عليه هنا.
الغسل الأخضر هو مصطلح واسع النطاق غالبًا ما يتم تطبيقه حيث تُعتبر الشركات تدفع الأموال وتشتري ائتمانات للمشاريع التي تعمل على تحسين المناخ دون محاولة تغيير ممارساتها لتقليل انبعاثات الكربون. في الأساس ، يستخدمون المدفوعات لإعفائهم من الشعور بالالتزام لإجراء تغييرات على أنشطتهم الخاصة.
على سبيل المثال ، سنأخذ شركة تحدد أن أعمالها تنتج 100 طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا فيما يتعلق بسفر الشركة.
هذه الشركة لديها ثلاثة خيارات:
- يمكن أن تشتري 100 طن من تعويض ثاني أكسيد الكربون من مخططات التعويض ، والتي تتوفر من المشاريع التي تؤثر بشكل إيجابي على البيئة
- يمكن أن يوقف كل سفر الشركة
- أو يمكن أن تفعل مزيجًا من الاثنين
يحدث الغسل الأخضر حيث تختار الشركة أن تدفع فقط مقابل تعويض 100 طن ولا تغير ممارساتها على الإطلاق.
هنا في كلايمت وايز ، نحث الأشخاص والشركات والمجموعات على تقليل بصمات الكربون الخاصة بهم. من الناحية المثالية ، يجب أن يتم ذلك من خلال تغييرات نمط الحياة أو التعديلات على طريقة أداء الأعمال ، ولكن عندما لا يكون ذلك ممكنًا ، يجب تعويض الباقي. هذا يجعلهم يصلون إلى الصفر ، أو حتى البصمة الكربونية السلبية بحيث يصبحون محسنًا صافيًا للمناخ!
من الواضح أن تحقيق ذلك يستغرق وقتًا ، والوصول إلى صافي الصفر ليس بالأمر السهل. ينصب تركيزنا على التعرف باستمرار على طرق جديدة لتقليل أثر شخص أو شركة. من خلال القيام بذلك ، نأمل في دعم قياس وتقدير آثار الكربون.
لكل فرد مجموعة مختلفة من الظروف ، وكل شركة ومجموعة مختلفة ، توصي Climate Wise بأن يقوم جميع الأفراد والمنظمات بما يمكنهم القيام به من أجل تقليل آثار أقدامهم من خلال اتخاذ خيارات إيجابية.
بغض النظر عن المسار الذي يتم اختياره ، ومهما كانت الخطوات التي يتم اتخاذها ، تظل الحقيقة أن الجميع ، وكل كيان ، لا يزال يترك بصمة متبقية ، وهذا هو ما يساعدهم كلايمت وايز على التخلص منه.
جميع المشاريع التي يدعمها كلايمت وايز هي مشاريع معتمدة من قبل المعيار الذهبي أو الأمم المتحدة ، وبينما ننتقل إلى تطوير مشاريعنا الخاصة ، سنضمن أن مشاريعنا تلبي هذه المعايير. بدون الاستثمار الخارجي ، لن تبدأ هذه المشاريع ببساطة أو تحدث الاختلافات المذهلة التي تقوم بها.
متهمون بالغسل الأخضر: أسماء تبدو مألوفة…
عندما يتعلق الأمر بمحاولة الشركات تجميل واقع ممارستها فيما يخص البعد البيئي، فإن ما قامت به شركة فولكس فاجن يعد أحد أشهر الأمثلة، حيث واجهت الشركة الشهيرة في 2015 اتهام بتعمد إخفاء القدر الحقيقي للانبعاثات الضارة الخاصة بسياراتها، وذلك عن طريق تزويد أجهزة السيارات ببرمجيات خاصة تستطيع تحديد ما إذا كانت السيارة تمر باختبارات بيئية، ومن ثم يتم تفعيل أنظمة معينة تحد من الأداء الحقيقي للمحركات بما ينعكس على قدر الانبعاثات التي يتم رصدها، بما يظهر السيارة بقدر أكثر ملائمة لمعايير السلامة البيئية في الوقت الذي تروج الشركة في دعاياتها للبعد البيئي بشكل كبير.
وبطبيعة الحال، كان لشركات الطاقة العملاقة نصيب الأسد من قضايا البيئة واتهامات الغسل الأخضر، وهو أمر طبيعي أخذاً في الاعتبار اعتماد مصالحهم وكيانهم ذاته على صناعة بطبيعتها مكلفة بيئياً. فعلى سبيل المثال، واجهت بريتيش بتروليم BP دعاوى من كيانات قانونية تتهم حملتها الدعائية بتضليل العامة حيال التزام الشركة العملاقة بمستقبل منخفض الكربون، مطالبين الشركة بإضافة تحذير – شبيه بذلك الموضوع على عبوات السجائر – يفيد بأن استخدام النفط والغاز – منتجات الشركة – يزيد من ظاهرة الاحتباس الحراري ويضيف عبئاً إلى أزمة المناخ.
ولم تفلت إيني الإيطالية Eni من اتهامات مماثلة. ففي يناير 2020، تم تغريم الشركة 5 مليون يورو، وهي أقصى عقوبة ممكنة لمثل تلك الحالات، حيث ادعت الشركة أن وقود الديزل الخاص بها Diesel+ هو “أخضر” بشكل ما، وله تأثير إيجابي على البيئة ويساعد على الحد من استهلاك الوقود، وهو ما تم اعتباره تضليل للمستهلكين والجهات الرقابية والسياسيين، وقد تكون المرة الأولى لإثارة اتهام يتعلق بالغسل الأخضر في إيطاليا.
وما دمنا نتكلم عن مجال الطاقة والوقود، فلا يمكن أن نغفل الحديث عن أرامكو السعودية بالتأكيد. حيث اضطر العملاق السعودي قبل منتصف 2020 لسحب دعايته المتعلقة بالمساهمة في الاستدامة البيئية، وذلك بعد عشرات الشكاوى التي تقدم بها البعض لهيئة معايير الإعلان Advertising Standards Authority الإنجليزية، حيث اعتبر المهتمون بمعايير البيئة أن مجرد اقتران لفظ “الاستدامة” بالوقود الأحفوري وإنتاجه، هو تضليل وغش صريح.
وقد اقتصرنا هنا لضيق المجال على بعض أشهر حالات الغسل الأخضر، ولكن القائمة تطول بالتأكيد. والأكثر إثارة للمخاوف ألا يقتصر الغسل الأخضر على الشركات وانما يمتد لصناع القرار وحكومات الدول، حيث قد يتظاهر السياسيون بمساندة قضايا البيئة والاستدامة وإقامة القمم والمنتديات، في حين يتقاتلون بشراسة للحفاظ على مصالح كياناتهم الكبرى واستمرارها.
فمن الطبيعي، طالما أننا نتكلم عن البشر، أن تتسيد المصلحة الموقف أياً كانت التكلفة، ولكن حين تكون التكلفة إنسانية باهظة، لابد على الناحية الأخرى – ناحية الرقابة البيئية والمجتمع المدني والجهات المحايدة المستقلة – أن نبذل جهد مضاعف لنشر القضية وكشف التلاعب بها، فالأدخنة تظل أدخنة وإن اصطبغت بالأخضر، والتلوث يظهر وان ادعى البعض أنهم لا يرونه.
(إعداد: إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بشركة فاروس القابضة للاستثمارات المالية بمصر والمحللة الاقتصادية بزاوية عربي، وعملت إسراء سابقا كمحللة اقتصادية أولى بشركة شعاع لتداول الأوراق المالية – مصر، وكذلك شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، بالإضافة لعملها كباحثة اقتصادية في عدة وزارات مصرية).
بروز معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات “ ESG“
لعقد مضى؛ كان النذر اليسير من المستثمرين يولي اهتمامًا كبيرًا لتقارير الاستدامة، ثم بدأت معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تكتسب أرضا أوسع واهتماما أكبر تدريجيا حتى غدت هي الاتجاه السائد، وتزايد عدد المستثمرين الذين يأخذون الأبعاد البيئية بعين الاعتبار في قراراتهم الاستثمارية.
وأدى انتشار فيروس كورونا المستجد إلى تسريع هذا الاتجاه وتدعيمه، فما بين شهري أبريل ويونيو من عام 2020، اجتذب الاستثمار من نوع ESG تدفقات صافية قدرها 71.1 مليار دولار على مستوى العالم، وفقًا لـشركة مورنينغستار Morningstar الأمريكية للأبحاث المالية. كما دفع الوضع العام للجائحة قيمة الأصول الخاضعة لإدارة معايير الحكومة إلى أكثر من تريليون دولار، وفي المملكة المتحدة، تجاوزت التدفقات بين شهري أبريل ويوليو التدفقات المجمعة للسنوات الخمس الماضية، وفقًا لشبكة المعاملات الشهيرة “ Calastone“. كما صار المستثمرون يدركون أكثر أن وضع وتحقيق أهداف طموحة تركز على البيئة غالبًا ما يكون مؤشرًا على إدارة الأعمال التجارية بشكل جيد.
وعلى أرض الواقع؛ إذا تمكنت الشركة من تقليل استهلاكها للطاقة مع الحفاظ على الإنتاج أو حتى زيادته، فإن ذلك يفيد المساهمين بشكل مباشر، وبالتالي الحد من انبعاثات الكربون لا تقتصر أهميته فقط على إنقاذ الكوكب فله مردودات إيجابية أخرى، فهو يعني إدارة جيدة للموارد، وهذا بدوره يعني وجود رؤية حقيقية تمثل قيمة مضافة إلى جودة الاستثمار.
لكن بالنظر لجميع تقارير الاستدامة اليوم، لا يثق العديد من المستثمرين فيها كعاكس أمين لمستوى الاستدامة الحقيقي للشركة. وتتمثل إحدى المشكلات المرتبطة بذلك في أنه يتعين على الشركات تقديم تقارير إلى مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة، يتضمنون الموظفين والمنظمات غير الحكومية والعملاء والمنظمين، والنتيجة الحتمية لعمل تقرير لكل هؤلاء أن يأتي التقرير متخم بمجموعة واسعة من المعلومات، الكثير منها ليس له صلة تذكر بالمستثمرين المهتمين بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
المشكلة الثانية ذات الصلة هي أن تقارير الاستدامة والإخبار عن التزام الشركات بها تطورت بشكل اجتزائي غير متكامل، بالتالي يمكن أن يأتي التقرير بخليط من المعلومات التي تسهل على الشركات المراوغة والتملص، وتترك المستثمرين في حيرة من أمرهم.
وكما ذكرت شركة McKinsey للاستشارات: “تتيح هذه الأطر والمعايير التي تكتب بها التقارير للشركات حرية كبيرة في اختيار معلومات الاستدامة الخاصة بهم، ويقول المستثمرون إنهم لا يستطيعون استخدام هذه المعلومات الخاصة باستدامة الشركات لاتخاذ قرارات الاستثمار والمشورة بدقة”.
كيف يمكن معالجة مشكلة “الغسل الأخضر”؟
بعد الاستعراض السابق يبدو من المنطقي التساؤل ما هي أكثر استراتيجيات مكافحة الغسل الأخضر فعالية؟ الإجابة المختصرة هي أن الأمر يتطلب الكثير من العمل الجاد والتحليل والتقييم المستمر والاستجواب.
ورغم أنه لا توجد معايير واحدة تطبق فتمحيص وتحليل البيانات الخاصة بالشركات يمكن أن يقدم الحقيقة. فمن الصعب اليوم على شركة أن تخرج بآراء نوعية عالية المستوى، لا تدعمها مقاييس كمية لإظهار بصمتها الكربونية. ومن هنا يمكن التحقق من دقة تقارير الشركة بتحليل المقاييس وانعكاسها في البيانات.
ومن المهم أيضًا النظر إلى المدى الذي تقوم فيه الشركة بإضفاء الطابع المؤسسي على الاستدامة؛ على سبيل المثال، هل ألفت الشركة مجلسا للإشراف على القضايا الخضراء؟ وهل تربط المكافآت التنفيذية بخفض انبعاثات الكربون؟
وبالنسبة للاستجواب الذي أشرنا له آنفا كسبيل لمكافحة الغسل الأخضر نهدف به للمساعدة في أن تبقى مستثمرًا في شركة وأن تمتلك القدرة على طرح أسئلة الإدارة لاكتشاف القصة وراء الأرقام، لاستكشاف ما إذا كانت الشركة تحقق دائمًا أهداف الاستدامة الخاصة بها أم لا. ولهذا نعتقد أن القيام بزيارات للشركة من أهم عوامل لمكافحة الغسل الأخضر، وكما أن بيانات الاستدامة أداة مفيدة لاستجواب الشركة ومعرفة سجلها، لكن تظل الصورة الكاملة أكثر دقة بالتعامل مع الموظفين الرئيسيين، عندها يمكنك أن تفهم حقًا أداء شركة ما في مجال البيئة والصحة والسلامة.