هل يستطيع الفنان المغربي محمد الشوبي أن يقول كل شيء؟ لكن السؤال الحقيقي هو هل يستطيع أن لا يقول كل شيء؟ الرجل عرف عنه جرأته وقوة ملاحظته وعدم احتمائه بالصمت، لأنه بكل تأكيد لا يريد أن يكون «شيطانا أخرس» هو الواضح في مواقفه والصريح في آرائه، يشمل باهتمامه كل ما يموج في المجتمع المغربي وكل ما يروج في السياسة، وطبعا للفن نصيب من تدويناته وآرائه وتصريحاته القوية.
الرجل ينتمي إلى جيل من الفنانين الذين تميزوا بصدقهم في الأداء، وأبدعوا في التشخيص وراكموا تجربة أساسية تشكل السند للجيل القادم بعدهم، ورغم ذلك يبقى في الظل كثيرا لأنه يختار أولا، وربما هناك ظروف اخرى تدخل في اختيارات الآخرين ومنها صراحته.
النظر في المرآة

الحوار معه يشبه النظر في المرآة، الملامح لا تتزين بالماكياج فقط الطبيعة ولا شيء غير البوح والمكاشفة وكل ما يمكن أن يقال سيقال بكل تأكيد.
«القدس العربي» استهلت الحوار معه بمحاولة الكشف عن تداعيات مواقفه الجريئة، حيث يعتبر واحدا من الممثلين المغاربة الذين تميزوا بجرأتهم في اتخاذ المواقف سواء على المستوى الفني أو الاجتماعي وحتى السياسي، وهل تسببت له هذه الجرأة في مشاكل على المستوى المهني والخاص؟
تحدث الشوبي عن انعكاسات مواقفه الجريئة والقوية، فقال «لقد تسببت لي في قطع رزق أطفالي، بل تهديدي بعدم العمل، بعد التصريحات العفوية والصادقة مني ضد عمل أو نهج سياسي لدرجة أن لوبي منفذي الإنتاج أوقفوا تعاملهم معي لمجرد صرخة من أجل حق فنانين آخرين يطلبون إنصافهم من تسلط هؤلاء.»
وأضاف موضحا «الحمد لله أنني لا أخاف منهم ولن اتنازل لهم لأنهم جبناء يختبئون وراء أسيادهم الذين يمنحونهم الريع ويلعقون فتات ما يمنح لهم» مؤكدا أنه «أمازيغي ومعنى الأمازيغي هو الإنسان الحر.»
وعلى سبيل التوضيح أكثر، قال الفنان الشوبي إنه يشتغل «مع الكبار ومن لهم القيم الفنية العالية، ولا يهمني عبيد الريع».
لا يمكن للمتأمل عن بعد أن يعرف فداحة عدم عمل ممثل، لأنه يعني توقف مصدر الرزق وبعض منفذي الإنتاج كما صرح، يتحاشون الممثلين الذين ينتقدون الخطأ.
بعد حديث الجرأة والمواقف القوية والتصريحات العفوية، سألنا الفنان محمد الشوبي عن أحواله مع تقلبات الأجواء الطبيعية وتقلبات جائحة فيروس كورونا، فقال إن «الطبيعة عندما أبان البشر العداء ضدها لم تعد تحترمهم.»
وحسب الشوبي، فإنه «بعد تسبب الإنسان في الاحتباس الحراري وهدم مكونات التفاعل البيئي من إعدام الغابات وإقامة غابات الإسمنت المسلح مكانها وإجراء التجارب النووية على ضفاف غابات الجليد بالقطب الشمالي نموذجاً والتسبب في إنهاك الفرشات المائية وغيره، فإن هذه الطبيعة تئن ولن ترحم هذا البشر وستترك المكان للأوبئة لتنتقم للطبيعة» وتساءل «فهل هناك من عاقل؟».
في سياق الحديث عمّا تواتر من تداعيات الجائحة، سألنا الشوبي عن رأيه في ما قيل بخصوص تعرية الجائحة لواقع الفن في المغرب، ليؤكد أن «الوباء ابتلاء للنفوس القوية وجائحة للنفوس الضعيفة.»

وحسب الفنان المغربي، فإن «جائحة كورونا كانت بلاء على المجتمعات، لكنها علمت الإنسانية معنى الإحساس بالتفرقة المقربة بين الأهل والأصدقاء والأحباب.»
ويوضح المتحدث قائلا «صحيح أنها ضربت الإنسانية قاطبة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، لكنها علمتنا أو ذكرتنا أننا بحاجة لبعضنا» واستشهد بما قاله «كافكا» مؤكدا أنه صدق «عندما وضع البشر في قالب المسخ؛ وصدق ألبير كامي في روايته الطاعون» مشيرا إلى أن «هؤلاء تنبأوا بما لم ننتبه إليه».
بعد الجائحة التي تتهدد من جديد ودائما البشرية خاصة في ظل متحورات وسلالات جديدة، عبرنا مع الشوبي إلى ضفاف ما يعيشه المشهد الثقافي والفني من تغيير طرأ على وزارة الثقافة خاصة على مستوى الوزير، ناهيك عن التخصصات التي أدمج فيها قطاعي الشباب والتواصل أيضا، وكيف يقرأ هذا التغيير على صعيد الشكل والجوهر. بالنسبة للمتحدث، فإنه «متفائل بهذه الحكومة ومتفائل بهذا الوزير الشاب وما أبان عنه من توجهات نحو مستقبل إعلامي تواصلي شبابي ثقافي رصين ومنصت لنبض الشارع والمثقفين والفنانين عموما.» وأضاف الشوبي «يكفي أن بابه مفتوح لكل الحساسيات الثقافية والفنية والتواصلية» يقصد وزير الثقافة الجديد.
سابق الوزراء
وفي ما يشبه المقاربة بين سابق الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الثقافة، عبر الشوبي عن اعتقاده «أنه بعد محمد بنعيسى كوزير للثقافة ومحمد الأشعري سيكون هذا الشاب المهدي هو قطب للرحى بعدهم وسيخلق دينامية افتقرت لها وزارة الثقافة لزمن طويل.»
الشوبي الممثل، هناك وجه آخر له وهو الشوبي الكاتب والمبدع النثري، فقد اقتسم نبض قلبه بين عشق الفن كممثل، وبين هوى الإبداع كشاعر وكاتب نثر، لذلك سألناه أين تميل الكفة أكثر للقلم أم للكاميرا والمسرح؟
بالنسبة للفنان، فإنه يعتقد «أن الكتابة ليست بالقلم وحده، الكتابة روح تصعد من كل فضاءات تعبيرية كوريغرافية كانت أم تشكيلية، وأبهاها الكتابة بالروح التواصلية عبر المسرح/ الخشبة أولا تم الكاميرا ثانياً ثم الحرف والتدبيج المعرفي ثالثاً» وشدد الشوبي على أنه يحب «التعبير ولو بالصمت أمام الجلاد والجلاد هنا ليس بالمفهوم الأيديولوجي بل بالمفهوم الإيثونولوجي.»
كان لزاما أن نسأل عن الوضع الاجتماعي للفنانين المغاربة الذي كشفت عنه وفاقمته جائحة فيروس كورونا، ودور الوزارة والهيئات التمثيلية كالنقابات وغيرها، وكيف يقيم تجربة الازمة الصحية وتداعياتها على المشهد الفني بشكل عام.

جواب الشوبي امتزجت فيه مرارة التجربة، فقد «مرت الأيام السوداء للجائحة علي كباقي الشعب الذي ليس له مدخرات ونحن كثر لم نكن نتفق مع كنز الذهب والفضة، وكنا نحيا لأطفالنا ولأصدقائنا وللوطن، ونخسر الدخل في بعض الأحيان قبل أن يدخل، كنا نقول أننا نعيش حياة لعلها لن تعود.»
وفي الموازاة مع التجربة الصعبة ماديا، أفاد الشوبي بأنه «في أيام الجائحة كنت أقرأ روايات عبر تقنية اللايف على فيسبوك لأمتع وأستمتع وأهرب من سجن فرض علينا.»
وفي تعليقه على دور النقابات، قال الشوبي إنه «لا أزيد عن كلمة يوسف إدريس في الحرافيش.»
ختام الحوار الصريح مع الشوبي كان بسؤال عن جديده الفني، حيث أعلن لـ «القدس العربي» عن «مسرحية سوارت مليكة التي تنتظر جولة عبر مسارح المغرب وهناك فيلمان سينمائيان من توقيع الكبير فوزي بنسعيدي والثاني جمال بلمجدوب».