بعد خمس سنوات من آخر زيارة الى دولة الامارات العربية المتحدة حل جلالة الملك محمد السادس يوم الاثنين 4 دجنبر الجاري بأبوظبي في إطار زيارة رسمية الى هذا البلد الشقيق الذي تربطه بالمملكة علاقات تاريخية سياسية وشعبية وطيدة ، وذلك بدعوة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة.
وتكتسي هذه الزيارة أهمية ذات أبعاد سياسية واقتصادية يعكسها حفل الاستقبال الرسمي الذي خصص لجلالته بالقصر الرئاسي “قصر الوطن” بأبوظبي وحجم مذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين بهذه المناسبة، إذ تعد هذه الزيارة الاولى من نوعها منذ تولي الشيخ محمد بن زايد منصب رئيس الدولة في 14ماي 2022 كما تتزامن مع مناسبة عيد الاتحاد الثاني والخمسين لدولة الإمارات العربية المتحدة واستضافتها للمؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المتعلقة بتغير المناخ (كوب 28) بدبي.
ويمكن القول ايضا إن هذه الزيارة تأتي في سياق دولي يتسم بتقاطبات دولية وبروز تكتلات اقتصادية إقليمية ودولية لاسيما إبان وبعد أزمة كورونا التي اجتاحت العالم في مارس 2020 علاوة على الوضع المشحون بمنطقة الشرق الأوسط جراء الحرب التي تشنها اسرائيل على قطاع غزة المحاصر.
شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة
وتميزت هذه الزيارة الملكية غير المسبوقة الى دولة الامارات بتوقيع جلالة الملك محمد السادس، و الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إعلان “نحو شراكة مبتكرة ومتجددة وراسخة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة”، الذي يروم الارتقاء بالعلاقات والتعاون الثنائي إلى آفاق أوسع، عبر شراكات اقتصادية فاعلة، تخدم المصالح العليا المشتركة وتعود بالتنمية والرفاه على الشعبين الشقيقين.
وتتضمن هذه الشراكة التي تهدف الى الرقي بالعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصناعية بين المغرب والامارات إلى مستوى روابطهما السياسية والشعبية العميقة، الى بحث فرص الاستثمار في مشاريع في مجال البنيات التحتية من قبيل تمديد خطوط السكك الحديدية، لاسيما القطار فائق السرعة القنيطرة – مراكش و تطوير المطارات، بما في ذلك مطارات الدار البيضاء، ومراكش، والداخلة (Dakhla Hub)، والناظور علاوة على تهيئة الموانئ والاستثمار في تدبيرها، خاصة ميناء الناظور/ غرب المتوسط، وميناء الداخلة الأطلسي.
كما يقوم التعاون بين البلدين على استكشاف فرص الاستثمار في قطاعات الماء، والطاقة والتنمية المستدامة من خلال مشاريع تحويل المياه وإنجاز السدود الموجهة للماء الصالح للشرب وللفلاحة، والسدود الكهرومائية الحالية والمستقبلية و الطاقات المتجددة وإنتاج الهيدروجين الأخضر ومشتقاته. ونقل الطاقة، ولاسيما إنجاز واستغلال خطوط نقل الكهرباء.
وتنص هذه الشراكة أيضا على بحث فرص التعاون الاستراتيجي في مجال الأمن الغذائي، عبر استكشاف إمكانيات الشراكة مع المكتب الشريف للفوسفاط في مجال الأسمدة و بحث تطوير مشاريع مشتركة في المجالات السياحية والعقارية، لا سيما على ساحل البحر الأبيض المتوسط وفي جهتي الداخلة وطرفاية ،وبحث التعاون الانمائي وامكانيات إنجاز مشاريع سوسيو اقتصادية لاسيما فرص المساهمة في إعادة إعمار وتهيئة المناطق المتضررة من الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز ومناطق أخرى من المملكة في 8 شتنبر 2023.
كما سيعمل البلدان على دراسة إمكانيات التعاون في مجال الشراكة الاقتصادية وتطوير البنيات التحتية والطاقية مع الدول الإفريقية ، لا سيما في ما يخص : أ – مشروع أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي؛ ب – تهيئة وتطوير المشروع المندمج للداخلة “Dakhla Gateway to Africa” ج – إحداث وتدبير أسطول بحري تجاري.
ومن شأن مذكرات التفاهم التي وقعها المسؤولون المغاربة ونظراؤهم الإماراتيون، بمناسبة هذه الزيارة إعطاء دفعة قوية لعلاقات التعاون المغربية الإماراتية، وهي تجسد عمق وجودة العلاقات الثنائية، وإرادة قيادتي البلدين لتعزيز الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد، التي تربط البلدين.
اهتمام إماراتي بفرص الاستثمار بالمملكة
وفي ما يتعلق بالاستثمارات، أبدت الإمارات العربية المتحدة على الدوام اهتماما خاصا بفرص الاستثمار في المغرب، خاصة في قطاعات العقار والمالية والبنيات التحتية. وهو الاهتمام الذي ما فتئ يتجسد من خلال ارتفاع حجم الاستثمارات الإماراتية المباشرة في المغرب. فوفقا لإحصائيات مكتب الصرف، فإن الإمارات تمتلك ثاني أكبر حصة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب، بأزيد من 137.43 مليار درهم سنة 2021.
من جهتها، وجدت أغلب المقاولات المغربية في الإمارات العربية المتحدة أرضية مواتية للاستثمار، ولتوسيع أنشطتها بمنطقة الخليج، وكذا للاستفادة من جاذبية السوق ودينامية بيئة الأعمال.
وقفز حجم الاستثمارات المغربية المباشرة في الإمارات العربية المتحدة بشكل ملحوظ من 525 مليون درهم سنة 2018 إلى 1.55 مليار درهم سنة 2021، بحسب مكتب الصرف.
التعاون المغربي الاماراتي ..جذور راسخة ودعم متبادل في المحافل الدولية
يمكن القول ان هذه الشراكة الاستراتيجية التي انخرط فيها المغرب والإمارات تعكس عمق العلاقات القائمة بين البلدين ، والتي وضع أسسها المتينة، المغفور لهما الملك الحسن الثاني، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ويواصل حاليا قائدا البلدين جلالة الملك محمد السادس و الشيخ محمد بن زايد استكمال مسيرة تطويرها وتعزيزها في مختلف الميادين لما فيه خير البلدين
فالمغرب يعرف منذ عقدين دينامية اقتصادية مع اطلاق مشاريع وأوراش مهيكلة وسيتعزز ذلك مع تنظيمه بالاشتراك مع كل من إسبانيا والبرتغال لكأس العالم 2030، كما أن عملية إعادة البناء بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المملكة في شتنبر الماضي يتطلب استثمارات مهمة ويعول المغرب في ذلك على شركائه وأصدقائه وفي صدارتهم دولة الإمارات العربية المتحدة التي راكمت خبرة في مجال احتضان التظاهرات العالمية الكبرى من جهة ،وتقديم الدعم والمساندة للعديد من البلدان جراء تعرضها لكوارث اطبيعية .
على الصعيد السياسي ، يمكن أيضا التوقف عند الدعم المتبادل بين البلدين في المحافل الإقليمية والدولية فعلى سبيل المثال لا الحصر تجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى الموقف الثابت للمملكة الذي تم تأكيده مجددا أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر الماضي ، بدعم المغرب “الثابت والدائم” لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
وعبر المغرب أيضا في يناير 2022، عن إدانته للهجوم الآثم الذي شنته جماعة الحوثيين ومن يدعمها، على منطقة المصفح ومطار أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
من جانبها، دأبت الإمارات العربية المتحدة على التعبير عن دعمها الثابت للمغرب و لوحدته الترابية، وهو ما أكدته دولة الإمارات العربية المتحدة مجددا عقب تصويت أعضاء مجلس الأمن الأممي على القرار الأخير 2703، الذي يمدد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام.
وسجل التاريخ أيضا أن دولة الإمارات العربية المتحدة ظلت في مقدمة البلدان المناصرة لاسترجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية ولا أدل على ذلك مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعمره 14 سنة في المسيرة الخضراء سنة 1975 ، والذي كان يقيم آنذاك في المملكة.
كما أن افتتاح دولة الإمارات العربية المتحدة في 4 نونبر 2020 لقنصلية عامة في مدينة العيون بالأقاليم الجنوبية للمملكة باعتبارها أول بلد عربي غير افريقي يقدم على هذه المبادرة ،يؤكد اتساق العلاقات الإماراتية المغربية وانسجامها كما ان السياقين الاقليمي والدولي يفرضان على البلدين مزيدا من الالتحام والتعاون لرفع كل التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية .
من جهة أخرى ،تجسد التضامن الفاعل بين البلدين مؤخرا عقب زلزال الحوز الذي هز في 8 شتنبر الماضي عددا من مناطق المملكة ، حيث بعثت دولة الإمارات العربية المتحدة فريقا للبحث والإنقاذ للمشاركة في عمليات إغاثة ضحايا الزلزال، وهي مبادرة إنسانية نبيلة تبرز عمق أواصر الأخوة الراسخة التي تجمع قائدي البلدين والشعبين.
وخلاصة القول ،يظل أحسن وصف للعلاقات القائمة بين المملكة المغربية ودولة الإمارات ما عبر عنه المغفور له الملك الحسن الثاني بقوله إنها “علاقة توأمين لم يفرق بينهما إلا البعد الجغرافي“.