قبل سنوات،سأل الملك محمد السادس عن تراجع الرياضيين عن كسب الذهب و الفضة في الألعاب الأولمبية، فقيل لجلالته إن السبب الرئيس هو ضعف الإمكانية المادية.
الملك خصص ميزانية بالملايير (33) وتم دعم الجامعات الرياضية بناء على عقود أهداف و تم تخصيص رواتب شهرية محترمة الأبطال الأولمبيين المفترضين.
مرت ألعاب لندن (2012) و ألعاب ريو (2016) ولم يحصد فيها المغرب سوى ميداليتين برونزيتين.
و اليوم نتابع ألعاب طوكيو 2020 ونفس الخيبات تتكرر و الرياضيون المغاربة يتساقطون تباعا مثل أوراق الخريف.
فلم يتمكن أي رياضي مغربي دخل غمار التباري من الصمود والمنافسة على البقاء، ليغادروا واحدا تلو الآخر، يجرون أذيال الخيبة، بعدما كان معولا عليهم لتقديم عروض تمكن من التنافس على المراتب الأولى، كما هو الحال بالنسبة لرياضتي الملاكمة والتايكواندو.
الأمل الآن معقود على الأنواع الرياضية المتبقية، وفي مقدمتها ألعاب القوى بقيادة سفيان البقالي في الذكور، ورباب العراقي في الإناث، من أجل إنقاذ ماء الوجه، وطرد لعنة الأصفار التي تلازم حاليا الرياضة الوطنية.
وسواء تم تدارك مشكل إخفاق البداية خلال ما تبقى من أيام المنافسات، أم لم يتدارك الأمر، فإن الوضع يتطلب تصحيح المسار، والقطع نهائيا مع أساليب لم تعد تسمح بالتطور والتنافس على أعلى مستوى، بالملقتيات واللقاءات الخارجية.
الأنواع الرياضية التي كانت قادرة على الوصول إلى منصات التتويج، وجعل العلم الوطني خفاقا بكبرياء وشموخ الكبار، لم تعد مؤهلا للعطاء بنفس القيمة، والسبب يعود بالأساس، إلى غياب سياسة رياضية واضحة، ترسم معالم استراتيجية عامة تقود القطاع ككل نحو غد أكثر استشراف للمستقبل بما يحمله من تحديات ورهانات، صعبة التحقيق.
والأكيد أن إصلاح القطاع بمختلف الجوانب والتفرعات، يتطلب الاعتماد الكلي على دور المؤسسات، وجعل تدخل الأفراد يأتي في سياق روح العمل الجماعي، والاشتغال كفرق عمل.
فغياب سياسة رياضية هادفة ومندمجة ومتكاملة، تمس مختلف جوانب الممارسة في شقها الاحترافي والقاعدي، جعل الأمور تخرج عمليا عن السيطرة، بل أصبح كل نشاط مجرد برنامج شكلي واعتيادي، غير مؤهل لخدمة التطور داخل منظومة أصبحت جد معقدة، مفتوحة على كل حالات التسيب والفوضى والفساد والعشوائية والقفز على الاختصاصات، إلى درجة أصبح خطاب يشير إلى أهمية التخطيط،وضرورة وضع مشاريع الإصلاح، مجرد شعارات ظرفية، تستغل للاستهلاك اللحظى وربح الوقت وخدمة الشعبوية.
فكيف والحالة هذه أن يمتلك رياضيونا القدرة على التنافس، والمشاركات الناجحة ؟ والأكثر من ذلك كيف نوجه اللوم ونكيل لهم كل أنواع الانتقادات الجارحة أحيانا، مقابل أي إخفاق أو تواضع، كما حاصل حاليا بطوكيو، ونحن نعرف جميعا حجم المشاكل الهيكلية التي يمارسون بداخلها.
وعليه، فان أي نقاش لابد وأن ينفذ الى العمق، أي وضع الأمور في إطار مؤسساتي، مع تحديد كل دور وصلاحيات ومسؤوليات كل جهة، والإنهاء مع صيغ من العمل انتهت صلاحيتها منذ مدة ليست بقصيرة، وبات وجودها يشكل عائقا حقيقيا، بعدما اعتقدنا طويلا أنها جزء من الحل، أو الحل كله.
لم يعد بالإمكان الاعتماد الكلي على وزارة تتقاذفها كثرة التغييرات، والتأثيرات السياسية، ولم يعد بالإمكان أيضا التعامل مع لجنة أولمبية بدون صلاحيات، يطلب منها لعب دور وكالة أسفار، كلما دعت الضرورة إلى ذلك، لم يعد بالإمكان للمرة الثالثة أو الرابعة أو أكثر.. السماح باستمرار الطرق التي تشتغل بها حاليا، أغلب الجامعات الرياضية، وما يتفرع عن وجودها من عصب وأندية وفرق، كمكونات تعيش خارج الزمن. مع ما تعج به من نماذج سيئة وأمثلة صادمة أفقيا وعموديا.
فالحل لابد أن يكون جذريا على جميع المستويات، ولابد من إعادة النظر في كل مناهج الاشتغال واليات التنظيم والتخطيط، وطريقة تحديد الأهداف والغايات متوسطة أو بعيدة المدى.
الأمر مفتوح للنقاش المسؤول والجدي والصريح، بروح وطنية عالية، ليمكن إيجاذ حلول عاجلة لمعالجة الإشكالات البنيوية لقطاع حيوي، وبمختلف الأبعاد…
ويبدو أنه كلما حضرت الإخفاقات، عادت الأذهان مباشرة إلى الرسالة الملكية لسنة 2008 التي لم تفهم بعد من طرف أغلب مكونات الرياضة المغربية،و بالتالي بقي الوضع على ما هو عليه في انتظار رسالة ملكية أخرى تذكر لعل الذكرى تنفع المسؤولين عن الرياضة المغربية أحد منابع سعادة الشعب المغربي في زمن مضى..