
تحل في 21 من شهر غشت الجاري، الذكرى الستون لميلاد الملك محمد السادس، مخلدا بذلك أربع و عشرين سنة من تربعه على عرش اسلافه الميامي0. وبشهادة مراقبين، فان العاهل المغربي لعب دورا محوريا في المجال الدبلوماسي طيلة العقدين الاخيرين، بدأ المغرب يجني ثماره خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
فقد عرفت الساسة الخارجية للمغرب تحولا مفصليا تجلى في تنويع الشركاء وعدم الاعتماد على الشركاء التقليديين فقط.
لهذا تم توطيد شراكات مع فاعلين اساسيين في الساحة الدولية (الصين / روسيا).
- الصين: اقامت الصين مع المغرب شراكة استراتيجية عقب الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس الى الصين عام 2016 و تكررت عقبها الزيارات الرفيعة المستوى بين الجانبين اسفرت عن توطيد مستمر للثقة السياسية المتبادلة و تعاون اوثق بشكل متزايد في الشؤون الدولية.
كما مكنت هذه الزيارة الملكية للصين من اعطاء دفعة قوية للشراكة في قطاعات المالية و البنية التحتية والسيارات والنسيج، كما مهدت السبيل امام الشركات الصينية لكي تعزز وجودها بالمغرب و ان تجعل من المملكة منصة حقيقية لتطوير انشطتها في افريقيا و اوروبا.
- روسيا: حافظ المغرب على علاقات سياسية قوية منذ افتتاح السفارة السوفييتية بالعاصمة الرباط سنة 1958 رغم الاختلافات في الانظمة الاقتصادية والاجتماعية غي كلا البلدين.
وفي عهد محمد السادس تعززت العلاقات المغربية الروسية الى حد بعيد توجت بإعلان الشراكة الاستراتيجية خلال الزيارة التي قام بها العاهل المغربي الى موسكو في اكتوبر 2002 تعززت على اثرها المشاورات السياسية و التعاون الاقتصادي و البرلماني بين البلدين.
كما زار الملك محمد السادس روسيا مرة ثانية وثالثة (2006/ 2016) ومن جهته زار الرئيس الروسي بوتين المغرب زيارة عمل في دجنبر 2006، واتاح تبادل الزيارات بين القائدين تضاعفا في العمل الدبلوماسي على مستوى وزارتي خارجية البلدين و على مستوى التنسيق في المؤسسات الدولية.
و تأكيدا للدور المحوري الذي تلعبه افريقيا في السياسة الخارجية المغربية اطلق الملك محمد السادس مبادرة جديدة من خلال رؤية تؤكد انتماء المغرب لعمقه الافريقي من خلال مبدا رابح / رابح.
على المستوى الاقتصادي بتوظيف الحقل الديني و الحقل التاريخي لاغتنام مكاسب سياسية تخص الوحدة الترابية للمملكة. هذه المبادرات اتجاه افريقيا توجت بعودة المغرب الى المنتظم الافريقي سنة 2017 و القاء صاحب الجلالة لخطاب ملكي حظي بمتابعة إعلامية واسعة، و كانه بذلك يوقف عقارب ساعة قصر المرادية في افريقيا، مع دعوته في نفس الان حكام الجزائر، الى الانكباب على البناء المغاربي باعتباره الجواب الانجع عن مجموعة المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية، خصوصا و ان العديد من التقارير تتحدث عن الكلفة الاقتصادية المرتفعة لعدم وجود تكتل مغاربي يلبي حاجياته بشكل مشترك حتى تنعكس اقتصادياته إيجابا على تنمية دوله الخمسة.
و مما جاء في خطاب الملك المغربي امام المنتظم الافريقي: ” كم هو جميل هذا اليوم الذي اعود فيه الى البيت بعد طول غياب، كم هو جميل هذا اليوم الذي احمل فيه قلبي و مشاعري الى المكان الذي احبه، فإفريقيا قارتي و هي أيضا بيتي، لقد عدت أخيرا الى بيتي، و كم انا سعيد بلقائكم من جديد ..”
وبالموازاة مع سياسة اليد الممدودة التي عبر عنها العاهل المغربي اكثر من مرة في خطبه نحو الاشقاء في الجزائر، فان المغرب في ظل القيادة الرشيدة سائر في توطيد دعائم وجوده على ارضه اقتصاديا بجلب الاستثمارات الى المناطق الجنوبية سواء ذات المدى القصير أو المتوسط او البعيد.
واجتماعيا بإقامة العديد من مؤسسات التكوين في مجالات وتخصصات متعددة لبناء المواطن في هذه المناطق بشكل يؤهله لبناء الوطن، و لمواكبة اوراش التنمية.
و سياسيا بفتح العديد من القنصليات سواء بمدينة العيون او مدينة الداخلة تجسيدا لرؤية صاحب الجلالة المتسمة بالواقعية السياسية لجعل الشركاء الاقتصاديين كيفما كانت هوياتهم و ايديولوجياتهم ينظرون الى المغرب ككل لا يتجزأ.
هذه الصرامة التي عبر عنها الملك في خطبه الأخيرة على مدى ثلاث سنوات اثمرت تغييرا في المواقف اتجاه وحدتنا الترابية من قبل العديد من الدول لعل آخرها دولة إسرائيل، و يبدو جليا ان نهج جلالة الملك حقق و ما يزال الكثير من المكاسب على درب وحدتنا الترابية.
رب ضارة نافعة، ان معاكسة المغرب في وحدته الترابية من قبل الجزائر بشكل مباشر او من خلال صنيعتها “البوليساريو”، دفع المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس الى تبني سياسة امنية ما فتئت تتقوى سنة بعد أخرى حتى اضحى المغرب معروفا كقوة إقليمية و تم الاعتراف بجهوده دوليا خصوصا في مجال محاربة الإرهاب و محاربة التطرف الديني ، و في محاربة الهجرة السرية.
فتبعا لتقارير السلطات أحبطت الأجهزة الأمنية المغربية352 هجوما ، و فككت اكثر من 170 خلية بين العامين 2002 و 2017،.
و أوردت التقارير ان العديد من هذه الخلايا و الهجمات كان مرتبطا ب ” داعش “، جعلت سيطرة المغرب على النشاط الإرهابي ضمن حدوده الحقة، كما جعلت من المغرب حليفا لا غنى عنه للاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الامريكية.
ان الخطط الأمنية التي تبناها المغرب برعاية ملكية سامية، ساهمت الى حد بعيد في مكافحة الإرهاب داخل أراضي أوروبية (فرنسا 2015، اسبانيا 2017) كما أحبطت هذه الخطط الأمنية هجمات على سفن أمريكية وبريطانية (مضيق جبل طارق 2020).
و لا يمكن ان نستثني من هذه الخطط الأمنية ما بات يعرف بالقوة الناعمة التي ينهجها المغرب لطرد شبح التشدد من خلال تكوين أئمة أفارقة و أوروبيين و مغاربة ضمن تصور تاريخي ثابت هو حقل امارة المؤمنين.
لقد تركزت في السنوات الأخيرة مجهودات الملك محمد السادس على ملف الصحراء المغربية حيث أشار في خطاب الذكرى 69 لثورة الملك و الشعب على الدعم الكبير الذي تحظى به المبادرة المغربة للحكم الذاتي كحل وحيد لإنهاء النزاع المفتعل، مؤكدا على اننا: ” نوجه رسالة للجميع بان ملف الصحراء المغربية هو معيار صداقتنا مع الدول… و هو النظارة التي ينظر بها المغرب الى العالم، و هو المعيار الواضح و البسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
اما في خطاب العرش للسنة الجارية2023، فقد ربط العاهل المغربي مسالة ” الجدية ” بالمشروعية في القضية الأولى للمغاربة، فكانت نتيجته الطبيعية هي الدينامية الإيجابية، و توالي الاعترافات بالسيادة المغربية على صحرائه و تزايد الدعم لمبادرة الحكم الذاتي.
تعليقا على ما سبق نقول ان المغرب خطا خطوات كبيرة في مجال السياة الخارجية عبر تنويع قاعدة حلفائه من اجل تحقيق مصالح اقتصادية و دبلوماسية.
ففي عهد الملك محمد السادس انضم المغرب من جديد الى الاتحاد الافريقي ووطد علاقاته مع مجلس التعاون الخليجي و حسن علاقاته مع أوروبا و رسخ موقعه كحليف دولي في مكافحة الهجرة غير الشرعية و الإرهاب.