يرجح أغلبنا اليوم أن التغير الحاصل في نسق حياتنا مرتبط أساسا بتوغل العولمة بالبلدان العربية. حيث أصبح من الصعب التعرف على هويتنا الحقيقية في ظل الغزو الثقافي والفكري الذي تجدر في الذهن وسار التقليد والتهافت نحو آخر صيحات الموضى العالمية هو هاجس كل فرد حتى ينزع الاعتراف به كإنسان حداثي معولم دون أن يلتفت لتقاليده.
أو أن يحاول على الأقل تجديدها فيختار السبيل السهل بإتباع الغرب. وهذا يشمل أيضا جل مجالات الحياة فنحن نستورد المعدات العسكرية والهواتف الذكية وآخر ما همت به التكنولوجيا كما نشتري الأقمار الصناعية من الدول المتقدمة.
وهذا ما يكرس التبعية ويعززها ويجعلنا نلتف حول حلقة واحدة يصعب التحرر منها.
إلا أنه لا يمكننا أن نوجه أصابع الاتهام للعولمة وحدها. فملامح هذا الاستلاب الثقافي و التغير في نمط عيشنا وتفكيرنا ظهرت مع بداية التغلغل الاستعماري الفرنسي فمثلا بالمغرب فقد كان رهانه بجانب نهب الثروات وفرض سيادته هو الغزو الفكري حيث عمل المستعمر جاهدا على زعزعة تقاليد ومعتقدات المغاربة .
ويتجلى ذلك في سياسة التعليم التي نهجها حيث كان يمجد ثقافته الفرنسية ولإنجازاتهم ويبخس الثقافة العربية. كما أنه قد جاء على لسان بعض الشيوخ الذين عايشوا الاستعمار ان الاختلاط الذي نشهده اليوم في الأعراس المغربية هو نتيجة للاستعمار فهو لم يكن قط من عادات المغاربة. فلقد أتي به المعمرون الفرنسيون آنذاك ليتجرعه المغاربة ويصبح اليوم عند أغلب المواطنين امرا بديهيا.
فالعولمة ما هي إلا مكمل لسياسة الاستعمار المباشر حينها وهي حسب المفكر المغربي المهدي المنجرة “مرحلة من مراحل الاستعمار الجديد”.
فما نحن بصدده اليوم يستدعي وقفة تأملية لما آلت إليه أحوال ثقافتنا التي بدأت تنصهر وتنسلخ عن ذاتها بانغماس الثقافات الأجنبية في العقل الباطن وذلك عبر تمريرها عن طريق مسلسلات استحوذت على الشاشات تخالف نهج والعقلية الحقيقية للمواطن المغربي التي كانت تأبى الانحياز لما هو غير أخلاقي ويتنافى مع قيم المجتمع المغربي.
لكن سرعان ما وجد المتلقي نفسه يبحث عن جرعات زائدة من تلك المسلسلات لتسري داخل شريانه فلم يعد يسطيع الانفلات من تأثيرها وهذا ما أصبحنا نلمسه في واقعنا الحالي.