تشير الإحصائيات الرسمية إلى ارتفاع كبير في نسبة الطلاق بالمغرب سنويا بشكل متزايد، وصل لأكثر من مائة ألف حالة خلال سنة 2020. وكما لا يخفى على الجميع فإن تفكك الأسرة يترتب عنه نتائج قد تكون مدمرة خصوصا على الأطفال، تصل بهم للانهيار والضياع والأمراض النفسية. فما الذي يجعل الزواج يتحول لمأساة ؟
غياب تأطير المقبلين على الزواج
إذا قمت باقتناء جهاز كهربائي فستجد معه كتيبا صغيرا به إرشادات وتوجيهات الاستعمال الصحيح والسليم. وإلا فسيكون مصيره التلف أو عدم إنجاز المهمة التي صنع لأجلها.
فما بالك بمشروع الزواج الذي يحتاج لتكوين وتدريب أو على الأقل التفكير والتخطيط القبلي.
نفس الأمر في التعامل مع الأطفال وتربيتهم، فالأساليب التقليدية المعتمدة على العنف اللفظي والجسدي غير نافعة. بل تؤدي لنتائج عكسية مع الأطفال، وتخلف في نفسيتهم ندوبا لا يمحوها تقدمهم في السن.
الهاتف الذكي: شيطان مسيطر
إذا كان أحد الزوجين أو كلاهما مدمنا على الانغماس في الحياة الافتراضية ومواقع التواصل، ويظل مشدودا لهاتفه فتلك مصيبة كبرى.
حيث صار شائعا أن تجد طفلا يكاد يختنق من الصراخ والبكاء وأمه منشغلة بهاتفها متأخرة في أبسط الأمور الحياتية بما في ذلك رعاية الأبناء، نفس الأمر ينطبق على الزوج الحاضر جسدا والغائب عقلا واهتماما بما يجري من حوله. وهما معا يقدمان مثالا سيئا وقدوة فاسدة لأطفالهم حيث يقع الجميع ضحية سحر الشاشات والتكنولوجيا فتضيع الأسرة وتتفكك تدريجيا.
المساكن العصرية غير مناسبة للأطفال
إن التطور العمراني بالمدن يفرض العيش بالشقق على أغلب الأسر المغربية نظرا للارتفاع المهول في قيمة كراء أو شراء “قبر الحياة” كما يسميه البعض.
هذه الوحدات السكنية تعتبر بمثابة سجن للأطفال فهي تحد من حركتهم بالنظر للمساحة المحدودة إضافة لمنعهم من النط والجري والمرح بحرية لكي لا يشكو الجيران من الإزعاج! أما الشوارع فهي مكتظة بالسيارات التي تشكل خطرا كبيرا يهدد الحياة. فإن كنت تنوي الزواج والعيش بشقة سكنية فتأكد أن أطفالك سيعانون من الملل والحد من تحركاتهم. إضافة لغياب التهوية الجيدة وأشعة الشمس في أكثر الحالات مما يؤدي لأمراض الحساسية وجهاز التنفس.
غياب الحس بالمسؤولية
إن الزواج يعني نكران الذات والاستعداد لرعاية مؤسسة تضم أطراف متعددة بدون انقطاع. إنه عمل مستدام يتطلب أعلى مراتب التفاني والإيثار واستشراف المستقبل، ولا يقبل المراوغة والتماطل. فإن لم تقم بواجبك ستتوقف الوجبات الغذائية والملبس وباقي الاحتياجات الحيوية التي لا غنى عنها. فمن سيطعم أطفالك بدلا عنك؟ ومن يرعاهم ويلبي احتياجاتهم التي لا تتوقف ؟
ولذلك إن لم تجد في نفسك القدرة على العطاء باستمرار وإصرار فابتعد عن الزواج ولا تفكر فيه أبدا.
غلاء المعيشة وغياب الرعاية الاجتماعية
تعاني الأسر المغربية من صعوبات مادية كبيرة، والمتمثلة في عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية وتسديد الفواتير، والديون المتراكمة وعدم القدرة على التوفير. كلها أمور تهدد الأمن والاستقرار، وتفرض ضغطا كبيرا على الوالدين ينعكس على العلاقات الأسرية ويهدد استمرار العلاقة ككل.
إلى جانب ذلك، غياب الرعاية الاجتماعية وضعف الخدمات الصحية والتعليم العموميين. حيث تجد الأسر نفسها مجبرة على أداء أموال طائلة لتوفير التعليم والرعاية الصحية للأبناء.
صعوبة اتباع نظام غذائي صحي
إن الثروة الصناعية والرأسمالية المتوحشة أرغما البشر على تناول مواد كيميائية صناعية عبارة عن مواد حافظة وملونات. بل حتى الخضر والفواكه تم رشها بالمبيدات والتلاعب بالجينات. وتعرضت اللحوم للتدخل البشري المتهور فصار كل الأكل تقريبا ملوثا. وأمام ذلك استسلم الآباء وصاروا يضعون السموم بأيديهم في أفواه أطفالهم، وهم يدركون خطورتها. فهل ستقدر على حرمان أبنائك من المعلبات المختلفة الأشكال والألوان وتوفير نظام غذائي صارم يتجنب قدر الإمكان المضافات الكيميائية؟ هل سيصبر الزوجان على الالتزام بتحضير وجبات تخضع لمعايير النظافة والطهو الجيد والتنويع؟
الزواج إما جنة أو جحيم
إن الأسر التي تلتزم بقواعد الاحترام والتقدير والمودة وتجعل من الأخطاء والهفوات مصدرا للتعلم والتطوير والتنمية الذاتية. وتتحلى بالصبر والتماسك ونبذ الخلاف وتفتح باب النقاش للجميع بما فيهم الأطفال، هذه الأسر لها حظوظ كبيرة بالاستمرار وتذليل العقبات،والانتفاع بثمار الزواج من تحصين واستقرار واستخلاف في الأرض ورعاية جيل سوي سليم من العقد النفسية صالح لنفسه وللمجتمع.
أما إذا كان الغرض هو “العرس” وتغيير لقب عازب بمتزوج والبحث عن إشباع رغبة غريزية دون تخطيط جيد وحس كبير بالمسؤولية فلن يؤدي ذلك سوى للفشل والخراب.