التقى اليأس بالأمل في جنازة يسودها الفرح والحبور، حيث لا مظاهر حزن تسود… الجميع فرح بموت غدير العبور. فلا موت بعد الآن للأحزان والأتراح، والخلود للشقاء، والفناء للأفراح. هكذا اختل توازن الميزان بين الحق والبطلان، بين النور والظلام، بين الأسد والفئران… فلا فرح بعد اليوم يدوم، ولا حزن يزول.
أمسك اليأس بيد الأمل، وقال لها:
-“تعالي يا جميلتي لنتزوج في السر!”.
ردت عليه الأمل وقالت له:
-“وهل تستوي الدمعة مع الابتسامة؟ وهل بمقدور الدجاج أن يتغذى على الألماس؟”، ثم استدارت، وأعرضت عنه.
لم يرق لليأس طريقة جوابها، اعتبر ذلك بمثابة إهانة لشخصه، وتمريغا لكرامته في الوحل؛ فعقد العزم على الثأر والانتقام. فتح باب التفاوض مع أكثر من حرف… اقترح على اللام الانسحاب، فوجد الأمل سيتحول إلى أم، واستشاط غضبا… تركه ثم راح يتفاوض مع حرف الميم، الذي رفض بدوره الانسحاب، وأنكر على اليأس تهوره واندفاعه.
-“لن أنسحب… ولن أدعك تحول الأمل إلى الأل”، قال له حرف الميم.
-“وما معنى الأل؟”، سأله اليأس.
رد عليه حرف الميم قائلا:
-‘إن انسحبت وتركت الأمل بدوني، أصبح الأمل يلمع ويبرق… وصار الأسرع في كل شيء، وبامكانه أن يرفع صوته بالدعاء، واحذر من دعوة المظلوم فلا حجاب بينها وبين رب السماوات والأرض…”.
جلس اليأس مهموما مغموما، يفكر في طريقة ليرد الصاع صاعين… أثقل في التفكير كإفراطه في الشرب. شعر برأسه كنجم يدنو من ثقب أسود، سيبتلعه حتما الظلام، وسيأخذه نحو وجهة مجهولة.
الشقاء كان بجواره، قريب منه، يسترق السمع… شعر بنوع من التعاطف معه، فاليأس مدخل للشقاء، وبدونه لن يكون له وجود فاعل ومفعول. القضية صارت قضية وجود. مال الشقاء برأسه على اليأس، وهمس في أذنه قائلا:
-“أمامك حل بسيط… بنقطة واحدة أحدث الفارق، وأحول الشفاء إلى شقاء”.
ابتسم الشقاء مليا، ثم قال بصوت مرتفع مخاطبا اليأس:
-“غير ترتيب الميم، فتحول الأمل إلى الألم… الأذكياء هم من يجيدون التلاعب بالأحرف والكلمات”.















