عالم بيغاسوس، أو حين قتل الذكاء الاصطناعي الصحافة لصالح الاستخبارات الخاصة. مع بيغاسوس عالم الاستخبارات لم يعد حبيس أجهزة الدولة العميقة، بل بات تنافس عليه الشركات الأجنبية، والمنظمات غير الحكومية والتي باتت تتصرف بدورها شركات خاصة.
القرن ال21 هو قرن المعلومة بامتياز، وما نعيشه هو حرب ليس من أجل الحصول على المعلومة، بل من أجل قتلك، تركيعك، إحراجك، ارهابك، بالمعلومة. لا يهم ان تكون المعلومة صحيحة ام fake مزيفة، المهم هو ان تحدث لغطا يشل حركتك، وتفكيرك، ويجعلك لا تنتبه الى حقيقة واحدة ووحيدة:”نهاية الصحافة”.
مشكلتنا ان ذاكرتنا ضعيفة جدا، وان المامنا بعالم الإعلام لا يتعدى كتابة خبر، واجراء حوار، وتصوير فيديو، لكن نجهل عالم ما وراء صناعة الخبر، عالم التضليل، والتأثير، او ما يعرف بالإعلام الاسود The black Media”.
لنبدأ على الأقل منذ بدأ ويكيليكس، وبدأت الحكاية بتسريب المعلومات، ونشرها بكثافة، واخراجها للعموم، باسم حق الولوج للمعلومة، وفي انتهاك تام لمبدأ حماية المعطيات، تلت الحكاية عملية سنودن والذي رأى في نفسه روبن هود المعلومة، وبعدها بسنوات قليلة تفجرت أوراق بنما، وقبلها كانت عملية كريس كولمان…. أرأيتم كم ذاكرتنا ضعيفة؟ أرأيتم لأي درجة نسينا ان عملية بيغاسوس لا تعدو ان تكون جزءا جديدا من انتاج نفس مدرسة مؤلفي مسلسل ويكيليكس؟
“العمل الاستخباراتي هو الحصول على المعلومة واستعمالها في الوقت المناسب لاحمي نفسي منك، او احاربك، او ابني معك تحالفات”، لكن مهلا، هذا عمل حكومي، هذا عمل ممل، لنبتكر مفهوما جديدا للعمل الاستخباراتي؟! ما رأيك لو نشرنا هذه المعلومات؟ ما رأيك لو استعملنا الصحافة لنضمن انتشارا واسعا؟ ما رأيك لو سربناها لصحافة معروفة بعراقتها، ومهنيتها حتى نضمن شرعية ومصداقية وبالتالي تأثيرا اسرع وأقوى؟!
هل تذكرون ماذا حدث بعد نشر اوراق بنما؟
مسؤولون استقالوا، وآخرون تنازلوا عن الحكم.
هل تذكرون كيف حصلت أوراق بنما؟
الامر بسيط للغاية… قام أحد المجهولين بالاتصال بصحيفة المانية وسرب لها عددا هائلا من الاوراق، وقامت هذه الصحيفة بنشرها، ووظفت تحالفها مع ائتلاف للصحف العالمية ضم أكثر من سبعين صحيفة قامت بدورها بنشر هذه الأوراق، وانتظرت الصحافة الدولية أن تغطي اخبار المسؤولين الذين يتطايرون من كراسيهم.
ما أشبه الأمس باليوم، لكن ذاكرتنا ضعيفة جدا، وقدرتنا على الربط، والفهم، والتدقيق اشد ضعفا، والا كانت هذه الصحف التي ترى نفسها صادقة رفضت نشر هذه الاوراق، وهذه المعلومات على انها حقائق لان الصحفي هو من عليه ان يبحث عن المعلومة ويأتي بها من فم الأسد، ويدقق فيها، ويطلب تصريحات من ثلاث مصادر على الأقل، بين رسمية ومختصة، وشاهد عيان، وغيرهم، لكن صناعة الصحافة باتت تفضل ان تحارب تهديدات التكنولوجيا بالتآمر مع التكنولوجيا.
حين استيقظ المغرب السنة الماضية على اسمه منشورا في 17 صحيفة دولية في نفس اليوم والتوقيت وبنفس العناوين، وقدم عمر الراضي على أنه واحد من الصحفيين الذين تم التجسس عليهم بتطبيق إسرائيلي اشترته الدولة المغربية، اول ما قمت به هو البحث عن المصدر الذي قاد الى نشر هكذا خبر على اكثر من 17 صحيفة في نفس التوقيت، فاكتشفت منظمة لم اسمع بها من قبل اسمها “فوربيدن ستوريز”، ووجدت انها منظمة عبارة عن شبكة فرنسية تأسست سنة 2017 من قبل صحفيين فرنسيين ببحث طفيف عن بعضهم تجد انهم حديثو العهد بالصحافة مع خلفية كبيرة في العالم الاستخباراتي.
فوربيدن_ستوريز والتي اختارت ان تخاطب العالم بالانجليزية، جعلت من مهمتها ان تكمل العمل الذي توقف صحفي عن اتمامه بسبب قتله، سجنه، اختطافه، او اختفائه، وهذا ما يفسر لماذا نشرت فوربيدن ستوريز هذه اللائحة المزعومة يوم محاكمة عمر الراضي، وهو ايضا يعني ان فوربيدن ستوريز لم يهمها الدفاع عن الراضي وحمايته بقدر ما كان بالنسبة لها مجرد ورقة توظفها في عمل استخباراتي بغطاء صحفي!!
على موقع فوربيدن ستوريز نجدها تقول انها طلبت من امنستي لائحة الاسماء الذين تم التنصت عليهم بتطبيق بيغاسوس، وقتها نشرت بضع اسماء فقط من المغرب، لنتفاجأ يوم الاثنين بنشر لائحة من الاسماء بالالاف، علما انه مساء الاحد اعلنت شركة NSO عن اقفالها، وهذا يعني ان فوربيدن ستوريز كانت تملك اللائحة كاملة وتركتها الى حين الحكم على عمر، كما تعني ايضا انه خلال هذه السنة تم تجميع ارقام هواتف شخصيات من مختلف الميادين على شكل معطيات data base ونشرها بادعاء ان بيغاسوس اخترقها في حين انها مجرد data base لارقام هواتف تم نشرها لا غير، وكاذب من يريد ايهامك انه يملك ادلة وحججا ان هذه الهواتف اخترقت لانه ببساطة يستحيل إثبات هذا الامر تقنيا!!
شركة nso التابعة للدفاع الاسرائيلية وتشتغل على انها شركة خاصة، وفي جانب اخر هناك أمنستي بلندن، ومختبرها ببرلين، واخر لمنظمة اخرى بكندا، قاموا بفحص الهواتف لاكتشاف بيغاسوس ومحاصرته ليس لايقاف ما يسمى بالتجسس، او التنصت، او حماية لمعطيات خاصة، بل كل ما في الامر. لعبة سيبرانية يتحارب فيها اهل الذكاء الاصطناعي بتمويل. من الشركات الخاصة لاختبار اسلحتهم الجديدة في بلدان صعب احداث التغيير فيها بالاشخاص، ويرجى احداثه بالفيروسات!!
ولأن رب كل ضارة نافعة، فعلينا ان نطمئن على الوطن ان بين شركاء فوربيدن ستوريز صحفي يملك موقع le desk، وعلينا ان ندقق جيدا ونتمعن في الاسماء التي ركزت. عليها الصحافة الفرنسية، وقدمت نفسها حامية لها ضد اسماء اخرى باتت تزعج باريس الانوار، وعلينا ان نتساءل:
– لماذا ركزت الصحافة الفرنسية في تغطيتها لهذه القضية على المغرب بينما ركزت الصحافة البريطانية على عدد من الدول المتهمة بالتجسس؟
-لماذا ركزت فرنسا على الادعاء ان المغرب. تجسس على شنقريحة؟ ولماذا ارادت فرنسا ان تظهر الجزائر انها دولة ضعيفة؟
-لماذا ركزت الصحافة الفرنسية على الاميرة سلمى والامير هشام ووضعت الملك ثالثا؟
-ولماذا أمعنت فوربيدن ستوريز والصحف الفرنسية في ذكر اسم الجنرال حرمو بالذات كمتجسس عليه من قبل الاجهزة الامنية؟؟!!!!!
اغلقت شركة nso ابوابها واغلقت معها الباب على الصحافة، وفتح بيغاسوس الباب على مصراعيه على نوع جديد من العمل الاستخباراتي قتل فيه جيمس_بوند، ورافت الهجان، ونواجه اليوم حقيقة جديدة:
“لم نعد نتعامل مع الصحافة الكلاسيكية، نحن نعيش في عالم ال Intelgencia journalists “.