بين صرامة الراحل الحسن الثاني و ذكاء الملك محمد السادس
أسوء ما في الصحافة، هو أن يتحول الصحافيون إلى منجمين، يدعون الاطلاع على المستقبل، يحددون البدايات و النهايات للملوك و الرؤساء، و يوزعون الحياة و الموت. صحافيون تركوا البحث عن الحقيقة و اتبعوا سبل البحث عن الشهرة و المال.
الصحافي الإسباني ” خوسي إنفانتي ” (José Infante) الذي اشتغل بالتلفزيون الإسباني و تعاون مع يوميتي ” أ. ب. س ” و ” إلموندو ” ألف كتابا سنة 2003 تحت عنوان ” هل سيحكم فيليبي السادس : آخر فرصة للملكية في إسبانيا ؟”، لكن القدر كذب كل توقعات هذا الصحافي الإسباني الحاصل على جائزة ” مالقا للصحافة “، إذ بعد حوالي عقد من الزمن، تنازل العاهل الإسباني خوان كارلويس عن الحكم لصالح ابنه فيليبي السادس، الذي بدأ يحكم المملكة الإسبانية منذ سنة 2014 إلى يومنا هذا، و بالتالي فشلت كل تنبؤات الصحافي الإسباني الذي تخلى عن مهنته النبيلة و آدابها و اتبع طريق الشيطان و الشعوذة الصحفية.
غير بعيد عن شيه الجزيرة الايبيرية، سيق أن طلع علينا، صحافي محتال آخر،” جون بيير تيكوا ” (Jean-Pierre Tuquoi) من يومية ” لوموند”، ادعى أنه متخصص في المغرب العربي، تقمص دور ( المسيح الدجال) من عاصمة الأنوار، سنة 2001، بكتاب عن العاهل المغربي الملك محمد السادس تحت عنوان ” آخر ملك ” (Le dernier Roi). كتاب يقارن فيه بين الراحل الحسن الثاني و ولي عهده الذي أصبح ملكا. كتاب أثار العديد من الانتقادات الوطنية و الدولية التي عابت على هذا الصحفي، استبداله مهنة الصحافة بمهنة قراءة الفنجان.
يبدو أن حقد بعض الصحافيين الفرنسيين الذين امتهنوا أساليب الإحتيال و الابتزاز على ملوك و رؤساء الدول العربية و الإفريقية مازال مستمرا، كما وقع مع الصحفيين الفرنسيين ” إيريك لوران ” و ” كاترين غراسيي ” سنة 2015.
لقد مرت الآن أكثر من عشرين سنة على حكم العاهل المغربي، و نفس المدة الزمنية مرت أيضا على هذا الكتاب الضال الذي توهم بنهايات سابقة لأوانها للملكية بالمغرب. نفس مصير كتاب الصحافي الإسباني(José Infante) الذي توهم بنهاية الملكية في إسبانيا سنة 2003، سيلقاه كتاب الصحافي الفرنسي (Jean-Pierre Tuquoi) الذي ألفه سنة 2001، لتستمر الملكية المغربية قوية إلى ما شاء الله. و الإنجازات الاجتماعية، الاقتصادية، و السياسية لجلالة الملك شاهدة على قوة الحاضر و التوجه إلى المستقبل.
إلى جانب أعباء الحكم و تدبير الشأن العام، اهتم العاهل المغربي بشكل كبير ببناء مستقبل الملكية، فركز كل استثماراته، التربوية، المعرفية، العلمية و الأبوية لصنع القائد الجديد للأمة المغربية. قائد القرن الواحد و العشرين.
في هذا الشهر الربيعي، أكمل ولي العهد المغربي، مولاي الحسن ثمانية عشر سنة من عمره، و هو السن الذي حدده الدستور المغربي لبلوغ الملك سن الرشد. نشأ الأمير الشاب في أجواء و طقوس صارمة و مناهج تربوية خاصة بين زملاء متميزين، بعضهم من عامة الشعب. بدأ ظهور وريث العرش العلوي في أنشطة رسمية إلى جانب والده الملك، و بعد ذلك صار يترأس بنفسه عددا من الأنشطة و الأوراش الوطنية و الدولية.
بين رئاسة حفل عشاء على شرف الرؤساء و لقاءه مع قادة دول العالم و الأمم المتحدة و الفاعلين الاقتصاديين الكبار بمناسبة القمة العالمية للمناخ المنعقدة بالعاصمة الفرنسية: باريس، في ما يشبه تدريبا دوليا ميدانيا على مهامه المستقبلية كرئيس دولة مستقبلي.
بلباسه الأنيق و ابتسامته الخاصة و تفاعلاته مع القضايا و الأحداث،تجعل منه فاعلا حاضرا بقوة في الصحافة الوطنية و الدولية: فقد سبق أن وصفته اليومية الإسبانية المتخصصة في الرياضة ” ماركا ” الواسعة الانتشار ب ” النجم ” و اعتبرته المجلة الفرنسية الكبيرة ” باري ماتش ” ” رجل دولة بامتياز ” و قالت عنه الأسبوعية الفرنسية ” جون أفريك ” ( Le prince Héritier déjà formé pour devenir un Monarque révolutionnaire)
إن هذا الأمير الملكي الشاب و الطالب الجامعي، سيكون له، لا محالة، شأن عظيم. إن هذا العاشق للفن و الرياضة سيكون قائدا كبيرا و مثالا يحتدى به في التدبير و التسيير العقلاني، و سيحكم بالعدل و المعرفة و العلم و التكنولوجيا.
شاب ازداد في مستهل القرن 21 و نشأ في كنف أسرة عصرية و طفلين فقط ( هو و أخته الأميرة للا خديجة )، لن يعيد تاريخ جدة الراحل الحسن الثاني و إن كان يشبهه في بعض الملامح و بعض الحركات و النظرات و لن يكون نسخة طبق الأصل لوالده جلالة الملك محمد السادس، الذي قال عنه يوما : ” لا أريد أن يكون نسخة مني، أود أن يطبع شخصيته بنفسه”.