الفواجعُ موجودة في كل مكان. وراء الفاجعة، يجب أنْ تُستخلصَ العبرُ وليس أنْ تُؤخذَ الصّورُ. المعنيّون بالأمر ، السّلطات والاعلام، المرئي والمكتوب، الكلّ مدعوّ ليتدخل لوضع حدّ لهذه الكارثة التي تتضخّمُ ساعةً بعد ساعةً.
الملك أعلن أنّه سيتكفّل بعائلة ريان وهو أعلى سلطة في البلاد. ومبادرة اللاعب الخلوق حمد الله محمودة، إذ أنّه أهدى منزلاً مجهزاً لعائلة الطفل ريان.
إذن عائلة ريان لا خوفَ عليها الآن وسينعمون بحياةٍ كريمة.
لذلك، يجبُ انْ يقودَ الاعلام حملةً توعوية واسعة هدفها إيقاف هذا الهرج والمرج . الكثير من الجمعيات الخيرية جمعت آلاف الدولارات في أوربا ونفس الشيء في أمريكا، و الأدهى أنّ عشرات النّصّابة فتحوا حساباتٍ كثيرة استقبلوا فيها آلاف الدولارات . لمَ كلّ هذا؟ كلٌّ يقول إنّه سيساعد عائلة ريان، في حين أنّ بلاغ الديوان الملكي واضح ومبادرة حمد الله وآخرون كافيّة.
ما وقع لريان يجبُ أنْ نستخلص منه الدروس:
أوّلاً: الكثير من المسؤولين الذين يجوبُون الشوارع في وقت الانتخابات يدخلون في سباتٍ عميق بعد جلوسهم على كرسي البرلمان أو الجهات أو الجماعات. ويتضح ذلك في حالة الهشاشة التي تعيشها الساكنة في القُرى والمداشر التي تئنّ تحت الفقر المُدقع سنوات تلو أخرى وكذلك وسط الحواضر التي تُخفي عماراتُها الزّجاجيّة ومحلاّتها التجارية وفنادقها الفخمة أحياءً شعبيّة لا يوجد فيها لا دار ثقافة ولا مستوصف محترم، لا شيء هناك سوى صوت العدم . وهذه مناسبةٌ لِيُحاسبوا ولتُوزنَ إنجازاتُهم المعدومة.
ثانيا: يجب أنْ نفهم أنّ الكثير من المسؤولين خرجوا من جُحورهم طلباً للشهرة بعد انْ رأوا المبادرة الملكيّة. ويريدون أن يظهروا بمظهر مسؤولين حقيقيين يقومون بمهامهم وهم مجرد منافقين.
ثالثا : الواقعة يجب أنْ نفهم منها أنّ ريان طفلٌ كانَ وعائلتُهُ في صراع مُضنٍ مع الفقر : لا مأوى حقيقي، لا ماء ولا طريقٍ. فَلِتَصل إلى ذلك الركن القصيّ، عليك أن تستعين بجرّافةٍ أو دابّة ، على أرجلها حذواتٌ صلبةٌ. يجب إذنْ انْ تتحركَ الحكومةُ لِتبدا في ترجمة تلك المشاريع التي تروم فكّ العزلة والتي طواها النّسيانُ أو استقرّت نسبةٌ منها في بعض البطون.
رابعا: الأبطالُ الحقيقيّون الذين كانوا في الصفّ الأماميّ يجبُ انْ يستفيدوا بقدر عملهم: القوات المساعدة ورجال الدّرك ورجال الوقاية المدنيّة نال منهم التعب لأيام ويجبُ أن يُرفع من اجورهم على الوجه الذي يضمن لهم مسايرة متطلّبات الحياة ونفقاتها ، ونفس الأمر بالنسبة لسائقي الجرافات والعاملين بسواعدهم. ويجب أنْ لا نحصر المساعدة في دائرة ( عمي علي) وننسى من كان معه داخل النفق وخارجه. أضف إلى ذلك عشرات الآلاف من المغاربة الذين يعملون بسواعدهم لدى مقاولات وشركات كثيرة، وفئةٌ كثيرة منهم يعملون في ظروف خطيرة وبأجورٍ تُؤْذي كرامتهم. وهذه هي المناسبة لِيُنظر في أوضاعهم.
خامسا: الصّحفيون الحقيقيون هم من حاولوا ترميم ما هدمته المرتزقةُ والمتاجرون بالمأساة. ولا بدّ انْ نثنيّ على الجهود الكبيرة التي بذلها صِحفيّون يمثّلون منابر مختلفة والذين أبانوا عن مهنيّتهم وعن تكوينهم الرصين.
شخصيّاً، كنت آخذ المعلومة من مصادر تُعدّ على أصابع اليد الواحدة . والأسماء التي ذكرتها إنّما على سبيل المثال لا الحصر وهي المنابرُ التي كنت أستقي منها مستجدّات الواقعة. ومعروف على هذه المنابر مهنيّتُها ورصانةُ العاملين بها، ولا شكّ أن هناك منابر أخرى مشهود لها بالمهنية . يتحتّم تقدير الصحافة الحقيقية ، تقدير الصحافة المكتوبة ودعم الصّحفيين الحقيقين ماديّا ومعنويا، فضلا على ضرورة تشييد معاهد عمومية أخرى للصحافة، وَيُستحسن دمج شعبة الصحافة في كل الجامعات المغربية يدرّسُها أشخاص أكْفاءٌ و صحفيون ذوو خبرة.
آن الأوان لنعلم أنّه بمقدورنا تشييد إمبراطورية إعلاميّة . لا يُعقلُ انْ يرحل عن المغرب صحفيون حقيقيون للعمل في منابر إعلاميّة . الأوْلى بالمغرب أن يعتنيّ بهم ويوفر لهم حصانة حقيقية..!
سابعا: الجهل والفكر الخرافي الذي رافق الفاجعة راجع بالأساس إلى الفقر والتربية الأسرية. لذلك فلنُناضل ضدّ الفقر ولنُوفّر للأستاذِ والمهندس والطبيب والممرض والصحفي ورجل الأمن ورجل النظافة وكلّ العاملين ظروف عيشٍ كريمة ومثاليّة، فعليهم يعوّل الوطن وعلى سواعدهمْ تُبنى الإنجازات وبهم تُعلّق آمال التنمية.
رحل ريان وترك لنا دروساً؛ ليس لنَحفظها عن ظهر قلبٍ، ولكن لنستوعبَ لبّها ولنطبقها على أرض الواقع…وبلا هواد