الصراخ يعني الصوت المرتفع، وعمليا لا يمكن للعبارات المكتوبة أن تصرخ، لأن الكتابة لا صوت لها، لكن مجازيا يمكن للكلمات أن يكون لها وقع الصوت المرتفع، بشرط أن تكون صادقة وحاملة للمعنى المقرون بالإحساس. كلمات ليست كالكلمات.
لكي يصرخ القلم يجب أن يكون حرا لا يخاف المكائد.
وتطبيقا لمبدأ الشك الديكارتي، يمكننا العودة لساعة الصفر وإلغاء كل المعطيات أو التشكيك فيها.
كما يمكننا البدء من النهاية. ولا توجد نهاية في الدنيا بعد الموت، أما الآخرة فعلمها عند الله.
فلماذا نموت؟
صحيح أنه مهما اختلفت الأسباب فالموت واحد، لكن هذا لا يعني أن نتجاهل هذه الأسباب، وإلا فلا حاجة لإعدام قاتل بحجة أنه تسبب بوفاة إنسان.
وبالتالي من الطبيعي معرفة أسباب الوفاة والخروج بعد ذلك بنتائج.
وبخصوص ذلك فكل ما ينتبه له المرء هو الوفيات الناتجة عن الأمراض أو حوادث السير أو الجرائم أو بسبب عامل السن. لكن لم نسمع يوما عن الوفيات التي تحدث بسبب السياسة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهذا الموضوع بالذات جعل أقلاما كثيرة تصرخ، لكن هذه الأقلام يتم كسرها وإبعادها بما فيها هذا القلم الذي يحاول الصراخ الآن.
إن السياسة تقتل أكثر من أي سبب آخر، فالفساد في مراكز القرارات يؤدي بطريقة أو بأخرى لموت المواطنين، لدرجة أن المسؤول استأنس بموت المواطنين وصار يحسبها مجرد أعراض أو أشياء جانبية.
السياسة الفاسدة في التعليم قتلت الأجيال والأحلام والآمال، وجعلت من العقول أنماطا ميكانيكية تستهلك وتنام، ولا تبتكر أو تبدع. والقلة القليلة التي سلمت من التنميط تفكر كل يوم بل كل لحظة في الهجرة لمكان أفضل، حيث الحرية والإبداع.
السياسة الفاسدة تقتل المواطنين في ردهات المستشفيات بسبب خراب النظام الصحي وتسوسه وغرقه في معضلات عصية عن الحل.
السياسة الفاسدة جعلت من جسد المواطن مستودعا للمنتجات الغذائية الضارة والتي لا تخلو من مواد حافظة وكيماويات.
السياسة الفاسدة جعلت من الناس أجساما دون أرواح شاخصة أبصارهم لا يملكون ما يقدمون أو يؤخرون.
السياسة الفاسدة جعلت من الفضاء الطبيعي مكانا ملوثا جوا وبرا وبحرا ما جعل البشر يتكيفون مع ذلك ليصبحوا في شكلهم وحجمهم الحالي، والذي تغير كثيرا بالمقارنة مع أسلاف الإنسان، الذين قاوموا الوحوش في الغابات والبراكين والفيضانات واستمروا بخلاف الجيل الحالي الذي لن يتمكن من النجاة.
السياسة الفاسدة ما جعلت كرة القدم تصبح دينا جديدا، وموعدا أسبوعيا لطقوس أضحت مألوفة.
السياسة الفاسدة ما جعلت فئة قليلة تتحكم في الغالبية العظمى وتستعبدها بدون رأفة ولا شفقة، فتجارة العبيد لم تنقرض أبدا وإنما أخدت أشكال أخرى أكثر بشاعة.
ولعل لكل بداية نهاية حيث أن قصة الإنسان التي بدأت منذ عصور تعيش أيامها الأخيرة، أما السبب فلن يكون نيزكا خارجيا يضرب الكوكب أو موجة حر شديد لا تبقي ولا تذر. بل هي السياسة من ستعجل بالفناء