جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعهده بإعادة بناء جميع المنازل المدمرة بفعل الزلزال المدمر، خلال عام واحد فقط، وهو تعهد ضخم يتعلق بإعادة بناء مئات آلاف الوحدات السكنية خلال فترة زمنية قصيرة وبتكاليف قد تصل إلى مليارات الدولارات، ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات والتساؤلات حول مدى واقعية وإمكانية تنفيذ هذا التعهد الضخم.
وحتى الآن وعلى الرغم من اقتراب عمليات الإنقاذ من نهايتها في كافة المحافظات المنكوبة، لا يوجد إحصائية دقيقة لعدد المباني أو الوحدات السكنية التي تدمرت بالكامل بفعل الزلزال، إلا أن المؤكد أن قرابة 1.7 مليون شخص باتوا بلا سكن ويعيشون حالياً في البدائل التي تعمل الحكومة على توفيرها للمشردين من خلال تخصيص سكنات الطلاب الجامعيين والفنادق والخيام ومدن الكونتينر والسفن السياحية، يضاف إليهم مئات آلاف الأشخاص الذين يمتلكون مساكن بديلة في محافظات أخرى أو من لجأوا إلى منازل أقرباء لهم وهو ما يعني أن قرابة 2.5 مليون شخص على أقل تقدير قد فقدوا مساكنهم بفعل الزلزال.
فقد نحو 2.5 مليون شخص على أقل تقدير مساكنهم بفعل الزلزال
هذا الرقم يشير إلى أن الزلزال دمر بالفعل مئات آلاف الوحدات السكنية التي إما تهدمت بشكل مباشر خلال الزلزال أو النسبة الأكبر التي لم تسقط، ولكن جرى إقرار هدمها عقب القيام بعمليات الفحص التي أثبتت أنها تضررت بشكل بالغ ولم تعد آمنة للسكن وهو ما يعني أن إجمالي المباني التي بحاجة إلى إعادة بناء بشكل كامل أكبر مما هو معلن عنه حتى الآن.
وإلى جانب عدد المباني الهائل، تظهر التكاليف المالية لإعادة بناء هذا الكم من المباني والمرافق العامة والبنية التحتية التي تدمرت أيضاً بالمنطقة، ورغم عدم وجود أرقام رسمية دقيقة حتى الآن، إلا ان التقديرات تشير إلى أن الحكومة التركية ستكون بحاجة إلى مليارات الدولارات لإعادة بناء وتأهيل المناطق المنكوبة.
وانطلاقاً من هذه الأرقام الهائلة، بدأت جهات تركية مختلفة بطرح أسئلة مختلقة حول مدى قدرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الوفاء بتعهده بإعادة بناء كافة المنازل المدمرة خلال عام واحد فقط سواء من حيث الفترة الزمنية المحدودة أو من حيث التكاليف المالية الضخمة.
من الناحية العملية، تمتلك تركيا واحدة من أكبر هيئات البناء الحكومية في العالم “توكي”، التي بنت ملايين الوحدات السكنية في البلاد على مدى العقود الماضية وقادرة على إنشاء مشاريع إسكانية ضخمة خلال وقت قياسي في حال توفرت الإمكانيات. وهي الجهة التي يعول عليها الرئيس التركي بدرجة أساسية في تولي هذه المهمة الصعبة.
تمتلك تركيا واحدة من أكبر هيئات البناء الحكومية في العالم
يضاف إلى ذلك شركات البناء التابعة للقطاع الخاص حيث تعتبر شركات البناء العقاري التركية ضمن الأكبر في العالم ولديها إمكانيات كبيرة جداً على البناء بشكل سريع من خلال العمل على مدار الساعة، ففي حال جرى تكثيف جهود هيئة البناء الحكومية وشركات البناء الخاصة، يعتقد أن سنة يمكن أن تكون كافية لبناء عدد كاف من الوحدات السكنية.
إلا أن الشكوك الأكبر تحوم حول مدى قدرة الحكومة على تغطية كافة نفقات هذه المشاريع وتوفير السيولة المالية بشكل سريع جداً وكاف لتغطية كافة مستلزمات البناء وتأمين الدفعات للشركات الخاصة، في ظل ظروف اقتصادية صعبة كانت تمر بها البلاد قبيل الزلزال ويتوقع أن تتفاقم بشكل كبير عقب الزلزال الذي وجه ضربة صعبة للاقتصاد الذي يسعى للخروج منها بأقل الخسائر.
تحوم الشكوك حول مدى قدرة الحكومة على تغطية كافة نفقات مشاريع البناء وتوفير السيولة المالية بشكل سريع في ظل ظروف اقتصادية صعبة
وفي هذا الإطار، يتوقع أن تساهم المساعدات الدولية التي أعلنت عنها العديد من الدول حول العالم في دعم تكاليف مشاريع إعادة إعمار البيوت المهدم، إلى جانب الدعم الحكومي التركي وحملات التبرع الضخمة التي قامت بها الجهات الرسمية والشعبية التركية والتي تمكنت بالفعل من جمع مبالغ مالية كبيرة.
ورغم ذلك، لا يتوقع أن تكفي هذه المبالغ لتغطية تكاليف إعادة الإعمار الضخمة وهو ما أعاد طرح تساؤلات ايضاً حول مدى إمكانية قبول أردوغان اللجوء إلى البنك الدولي من أجل الحصول على قروض كبيرة تساهم في تخفيف الأعباء المالية عن الحكومة في المرحلة الحالية، لا سيما وأن أردوغان، المقبل على انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة لا يعرف مصيرها بعد، كان يرفض على الدوام العودة للاستدانة من البنك الدولي بعدما تفاخر لسنوات بأنه سدد ديون البلاد للبنك، الذي يتهمه بالوصاية على الدول التي يقدم لها قروضاً مالية.