هل خرج الثماني من ” الخيمة مايل “؟
- لوبوكلاج / أيمن جوهر
شكل حدث إمضاء رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على قرار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية مصدر جدل واسع، بين صفوف حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة والذي لطالما ندد ب “التطبيع مع الصهاينة”.
الواقع أن الجدل الذي تفجر إلى العلن لم يكن إلا بمثابة قمة جبل جليدي تخفي جذوره صراعا داخليا حاول “الإخوان” جاهدين إخفاءه، بتقديم حزبهم على أنه ذلك التنظيم السياسي المتحد والمنظمة صفوفه.
فتوقيع العثماني على وثيقة “التطبيع” لم يكن سوى حدث ضمن سلسلة كاملة من المحطات التي شكلت محط خلاف ونزاع بين مناضلي حزب المصباح. والخلاف هنا ليس فقط بخصوص أحداث سياسية في حد ذاتها، كمشروع القانون الإطار للتعليم، أو مسألة “التطبيع”، أو حتى ما أثير مؤخرا من نقاش مشروع القانون المتعلق بتقنين زراعة القنب الهندي، بل إن الخلاف بالأساس يهم تدبير القيادة الحالية لشؤون الحزب، وعلى رأسها الأمين العام العثماني.
هنا يجب التوضيح أن الانقسام الحاصل داخل البيجيدي ليس وليد اللحظة، بل منذ المؤتمر الأخير الذي انتخب على إثره الأمين العام الجديد، لينطبق على هذا الحال القائم المثل الشعبي القائل: “من الخيمة خرج مايل”. إذ يرى عدد من قيادي الحزب أن العثماني “انقلب” على مبادئ ومناهج تسيير الحزب، وهو ما تترجمه السياسات التي تدعمها حكومته وتؤسس لها.
فإذا أخذنا على سبيل المثال حدث “التطبيع”، سنفهم من خلاله عددا من المشاكل التي يعيشها الحزب وتتم محاولة تدبيرها خلف الكواليس. في نفس السياق نجد أن المنهج الذي فضلت قيادة “اللمبة” نهجه فيما يخص التوقيع على الإعلان المذكور، هو منهج إنكار الواقع والذي لم يجد نفعا لا مع الرأي العام ولا مع الصفوف الداخلية لتنظيمهم السياسي. وبلاغ اجتماع المجلس الوطني في دورة يناير الماضي خير دليل على ذلك. فالبلاغ لم يشر إلى مسألة التوقيع على الإعلان رغم تدارس هذه النقطة مطولا بالاجتماع، بل اكتفى البيان الختامي بتجديد الدعم للقضية الفلسطينية، وهذا ما يمكن أن يفهم على أنه ليس إنكارا للواقع فقط بل ازدواجية في الموقف.
الواقع أن هذا البيان خرج ل”در الرماد” في أعين من يقولون بطرح أن البيجيدي أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانقسام، والحقيقة أن ما حدث بعد صدور هذا البلاغ من تضارب في الأقوال والآراء وتبادل الاتهامات بين قادة الحزب، أوضح إلى أي حد فشل اجتماع المجلس الوطني في رأب الصدع، بل إن الدعوات تصاعدت بعده لعقد مؤتمر استثنائي بغية الإطاحة بالطبيب النفساني من الأمانة العامة لحزب “الإسلاميين”.

بقليل من التمعن في تسلسل الأحداث منذ ذلك الحين وإلى حدود كتابة هذه الأسطر، نستنتج أن البيجيدي انقسم إلى فصيلين، الأول راديكالي يضم بنكيران وحمورو وعبد الرحيم مطيع والمقرئ أبو زيد (الذي يمكن اعتباره راديكاليا متطرفا)، والثاني لا مانع عنده بتلون الحزب بألوان كل مرحلة وتغيير ثوابته حسب الحاجة، ويضم العثماني وعبد القادر اعمارة وعزيز الرباح، أما الوزير الرميد والنائب البرلماني الأزمي فيمثلان خطا ثالثا يجد نفسه بين المطرقة والسندان، فلا هو محسوب على الفصيل الأول ولا هو حسم تأييده للفصيل الثاني.
إن الإشكال الأساس هنا ليس هو هذه الاختلافات العميقة التي أصبحت تطبع العلاقة بين مكونات الحزب، وذلك لأنهم بدأوا مسبقا بلملمة الجراح التي سببتها الخلافات، وهو ما ترجمه عدول الرميد والأزمي عن قرار الاستقالة من جهة، وقرار بنكيران “استئناف العلاقات” مع القيادات التي كان قد أعلن القطيعة معها من جهة أخرى. بل إن الخطر الذي يحذق الآن بتنظيم “الإخوان” هو الاحتمال المتصاعد لفقدانهم لكتلتهم الناخبة القارة، والتي يعولون عليها من أجل التغلب على القاسم الانتخابي وتحقيق الصدارة مجددا.
والكتلة المقصودة هنا، تهم بالأساس الأئمة والخطباء والفئات الأكثر تدينا والتي كانت تصوت على المصباح من منطلق ديني محظ. فهذه الفئات بالذات تمثل القاعدة الناخبة العريضة للبيجيدي، وبتصويتها عليه لم تكن تصوت على حزب سياسي بقدر ما كانت ترى فيهم جماعة من المصلحين الزهاد، الذين يتأسس نضالهم على إصلاح حال الأمة، والذين حتى وإن اختلفوا فإن الإصلاح هو محركهم الأساس.
هنا تكمن خطورة الوضع القائم، فالخلاف الحاصل سياسي بين زعامات الحزب، يعود أصله للصراع الذي انطلق منذ آخر مؤتمر كما وضحنا ذلك سابقا. وما يزيد الأمر تعقيدا هو انتباه هذه الكتلة المعنية لهذا التفصيل المهم، ما جعل حبهم وتعاطفهم مع هذه “الجماعة” موضع سؤال ونقاش، وذلك لسقوط الإصلاح عن مكانته كمحرك أساس وهاجس أسمى للنضال.
قد تختلف التحليلات والتفسيرات والقراءات لما يحدث داخل بيت “الإسلاميين” ولتأثيراته على الناخبين، لكن الثابت هو انهم يعيشون أزمة تنظيمية غير مسبوقة، واختلافات داخلية حادة لم يعد يجدي معها نقاش ولا تفاوض، بل أنها أصبحت تنذر بموسم لتساقط “قياديي الإسلاميين”.