
حاول أن تتخيل معي عالما لا عمل فيه..
تخيل معي عالما ليس فيه أي تنقل و سفر لأجل العمل..
تخيل معي هذا العالم !
تخيل أنك لا تحتاج إلى أن تستيقظ في الصباح الباكر و تغادر بيتك إلى الشركة التي تشتغل فيها لأجل ان تعمل 8 أو 9 أو 10 ساعات أو أقل من ذلك او اكثر.
تخيل معي وجود هذا العالم الذي لن تضطر فيه كإنسان كادح إلى الركض وراء لقمة العيش و أساسيات الحياة.
هذا العالم سوف تتولى فيه روبوتات الذكاء الاصطناعي مسؤولية كل الأعمال، و سوف تنجزها بشكل أوتوماتيكي.
مرحباً بك إذا في النادي الملكي للأتمتة الشاملة و الكاملة و العابرة للقارات و الدول..!
من ثمار الأتمتة و نتائجها الطيبة أن الناس.. أنت و أنا والآخرين سوف نتفرغ للحياة، و سنعيشها بطولها و عرضها.. سنستمتع بالحياة، و اعني بذلك ساعات عمل أقل، مع فائض من الوقت يتم استثماره في شتى أنشطة الترفيه : الاستجمام، اللعب، الخروج في عطلة طويلة مع الاصدقاء او العائلة.. وبذلك سوف نوفر في بنكنا الشخصي رصيدا هائلا من الوقت..
ثمة من يعتقد أن الأمر محض خيال، و أن ما أبشر به مجرد ادعاء…
أنا جزء صغير من آلاف الباحثين الذين يتحدثون، حول العالم، في هذا الموضوع، بكثير من الحماسة و الشغف المعرفي..
لا ابالغ.. إن الروبوتات التي تأخذ على عاتقها انجاز معظم اعمال البشر تاركة اياهم في راحة شديدة، و ربما دافعة اياهم الى تجرع مرارة الخمول و البطالة.. ان هذا المعطى الجديد ممكن جدا مع الثورة الصناعية الرابعة..
و لكن، قبل الوصول إلى هذه “الجنة الموعودة”، هناك طريق طويلة من المعاناة و من المكابدة و من الأسئلة الحارقة التي طرحها أسلافنا من البشر منذ مئات بل آلاف السنين حول جدوى عملهم، و حول المجهود الذي يبذلونه كل يوم في الحقول و المزارع و المصانع..
هل هناك جدوى من انجاز كل هذه الأعمال الشاقة ؟
هل هناك بدائل تكنولوجية يمكن ان تساعدنا على توفير كل هذه المجهودات الكبيرة ؟؟
ان المهن والوظائف الجديدة التي تخلقها الثورة الصناعية الرابعة عديدة جدا بحيث لا يمكن أن نحصيها، ومع الذكاء الاصطناعي هناك احتمالية كبيرة لأن يتم تعويض نسبة 50 بالمائة إلى أكثر من هذه الأعمال البشرية بروبوتات قادرة على إنجاز نفس المهام الروتينية للبشر ، بل أكثر من ذلك، و ذلك منذ لحظة قراءتك لهذه السطور، و الى حلول عام 2050.
دعونا الآن نعد الى الوراء ست سنوات على الأقل..
في عام 2017، أصدر مجموعة من الباحثين في جامعة أوكسفورد دراسة حول التعلم الآلي و الذكاء الاصطناعي، و ما يهمنا في هذه الدراسة هو النتائج التي خرجت بها والتي مؤداها أنه من المحتمل أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري بنسبة تفوق 50 بالمائة في كافة المجالات، و ذلك خلال الخمس و الأربعين سنة القادمة.
وتوصلت الدراسة نفسها إلى أن الروبوتات سوف تقضي على نحو 85 مليون وظيفة في الشركات المتوسطة و كبيرة الحجم خلال السنوات الست القادمة.
هناك عدة أسئلة أخلاقية حول جدوى الاستغناء عن البشر تماما في العمل..
هل من الممكن أن تعوض الروبوتات البشر في إنجاز المهام تقنيا ؟
هذا ممكن جدا، بل إننا أصبحنا نشاهد حدوثه بأم أعيننا في الايام الاخيرة.. لكن الروبوتات كما يقول الباحثون في العلوم الإنسانية، غير قادرة على امتلاك عاطفة و روح و وعي مثل الوعي الذي يمتلكه الإنسان.
إنها قادرة على إنجاز المهام التقنية ولكن هناك شكوك حول إرادتها المستقلة و حول وعيها و دوافعها الأخلاقية.
هل نجد لدى الروبوتات أخلاقيات مثل تلك التي نجدها لدى البشر ؟
هناك عدة أسئلة إيثيقية و فلسفية تطرح على هذا المستوى..
هل يمكن الاستغناء عن البشر تماما في العمل، و هل يمكن تعويض جزء من العمل الذي يقوم به البشر بالروبوتات ؟
هناك الكثير من التطورات التكنولوجية حول الأتمتة، الذكاء الاصطناعي، التعلم الآلي.. و التي تفيد الشركات على نطاق واسع في العالم، و مفادها ان الروبوتات يمكن أن تعوض إلى حد كبير الانسان.
لماذا ؟
لأنها بكل بساطة سوف ترتكب أخطاء أقل و لن تحتاج لا إلى فترات راحة و لا الى فترات إجازة.. و يمكنها، علاوة على هذا، تلبية معايير الجودة المطلوبة أو أعلى من تلك التي ينتجها البشر.
الروبوت يشتغل 24 ساعة دون توقف و لا يحتاج إلى عطلة ولا يطلب ترقية ولا يطلب زيادة في الأجر… فهو صمم بشكل يجعله يعمل و يعمل و يعمل، دون كلل أو ملل.. ولكن الإنسان على خلاف الروبوت، يتعب و يحتاج إلى الراحة بين الفينة و الأخرى..
إن الإنسان يعمل و لكنه يطلب الزيادة في الاجر، و يجري أيضا وراء الامتيازات و المكافآت، و يمكن أن يخوض اضرابا من أجل تحسين ظروف العمل، و يمكن له أيضا أن يمتنع عن أدائه، على خلاف الروبوتات…
تخيل معي اضرابا تقوده الروبوتات و هي تصرخ باعلى صوت : لن نعمل !
الروبوتات ترفع يافطات كبيرة و قد كتب عليها بخط عريض : كفى ! لن نعمل !
ما أود أن أقوله في الختام أنه ليس هناك صراع بين البشر و الروبوتات كما تحاول ان تروح لذلك مجموعة من نظريات المؤامرة، بما يعني أن الآلات سوف تلغي العمل البشري، ولكن اعتقد من موقعي كخبير في التواصل و الذكاء الاصطناعي أن هناك تكاملا و تعاونا بين البشر والروبوتات.. و أعتقد أيضا أن هذا الإتحاد من شأنه أن يسهم في ازدهار الإنسانية، و يفتح لها آفاقا واعدة في العمل و الانتاج و ذكاء المجموعات، لم تكن تحلم بها سابقاً..