اكتملت أضلاع المربع الذهبي لدوري أبطال أوروبا لنسخة 2021-2022، بعد معارك كروية يُقال عنها من زمن العمالقة، بدأت مساء الثلاثاء بـ120 دقيقة من الدراما والخيال العلمي بين حامل اللقب تشلسي ومضيفه شهبندر الأبطال ريال مدريد، تلك الملحمة التي شهدت ريمونتادا مزدوجة، على إثرها ضمن اللوس بلانكوس مكانه في الدور نصف النهائي للمرة الـ31 في تاريخه، والتاسعة في آخر 11 نسخة، تزامنا مع كبرى مفاجآت العام وربما العقد، بخروج بايرن ميونيخ على يد الحصان الأسود الجامح فياريال، قبل أن يأتي رد الإنكليز في اليوم التالي، بحجز المقعدين الآخرين في نصف النهائي، بتأهل سهل لليفربول على حساب بنفيكا، وآخر بشق الأنفس لغريمه ومنافسه المحلي والقاري الأول مانشستر سيتي، بعد النجاة من حرب «واندا متروبوليتانو» مع أتلتيكو مدريد بالنسخة المختلفة التي كان عليها، خاصة في الشوط الثاني.
خدعة كلوب
«من أكبر التحديات أن تلعب مباراة وأنت ضيف على ملعب برنابيو، إذا كان يجب عليك أن تفوز على الأقل بهدفين، تصبح المباراة صعبة للغاية، شبه مستحيلة، ومن غير المرجح تأهلنا، ولكننا سنحاول، سنبذل قصارى جهدنا»، بهذه الكلمات، بارك مدرب تشلسي توماس توخيل، خطة ريمونتادا «سانتياغو بيرنابيو»، مقتبسا خدعة مواطنه يورغن كلوب، حين أبدع في تنويم برشلونة «مغناطيسيا»، بتصريحاته الماكرة عن استحالة العودة بعد السقوط في «كامب نو» في ذهاب نصف نهائي نسخة 2019، التي كان لها مفعول السحر على المعنويات والحالة المزاجية في المعسكر الكتالوني، بحالة الاسترخاء والتراخي التي كان عليها ليونيل ميسي ورفاقه، والعكس بالنسبة للفريق صاحب الأرض، الذي أحسن استغلال الظروف والفرصة النادرة، بتحول اللاعبين لمجموعة من الوحوش الكاسرة في المستطيل الأخضر، وفي مقدمتهم الرجل الذي كُتبت المباراة باسمه، في ما تُعرف من الخليج إلى المحيط بمباراة «الرابع سجله أوريغي»، التي مهدت الطريق لتتويج أحمر الميرسيسايد بالكأس السادسة في تاريخه على حساب توتنهام في نهائي «واندا متروبوليتانو»، وهو السيناريو، الذي رسمه توخيل لنفسه وفريقه قبل سماع المعزوفة الموسيقية المدغدغة للمشاعر في قلب «البيرنابيو»، وطبقه بامتياز في أول 70 دقيقة، مستغلا حالة «اللا مبالاة» التي كان عليها الجميع في ريال مدريد، بداية من المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، الذي «أكل الطُعم» مثل طيب الذكر إرنيستو فالفيردي في ليلة ريمونتادا «الآنفيلد»، تارة بتصديق نوايا توخيل والوقوع في فخ «التصريحات المُخدرة»، وتارة أخرى بسوء تحضيره للاعبين وتأخره في إنقاذ الكارثة، وتجلى ذلك في قراءته غير الموفقة للمباراة، باعتماده على نفس الخطة والأفكار والجمل التكتيكية، التي قادته للنصر المظفر في ذهاب «ستامفورد بريدج».
الفارق الوحيد، أنه استبدال إيدير ميليتاو الموقوف بداعي تراكم البطاقات الصفراء، بالإسباني ناتشو، معتقدا أن إستراتيجيته في المباراة، هي مفتاح الحياة، أو بالأحرى الطريق السهل لضمان التواجد في المربع الذهبي، ليستفيق على الكابوس الأزرق، بهجوم كاسح بطول الملعب وعرضه، أسفر في أول ربع ساعة عن هدف ماسون ماونت الأول، الذي لخص الحالة المأساوية التي كان عليها الدفاع وثنائي الوسط توني كروس وكاسميرو، بترك الكرة تمر بهذه السهولة للشاب الإنكليزي، لكي يغالط الاخطبوط البلجيكي بدون مضايقة أو على أقل تقدير غلق زاوية التسديد عليه. معها أيقن الجميع في قلعة «البيرنابيو»، مدى صعوبة المباراة وخطورة المنافس، المتسلح بمجموعة من العدائين وأصحاب السرعات العالية، الذين قلبوا الطاولة على ميستر كارليتو، بتحويل نقطة قوته في مباراة الذهاب، بالضغط المتأخر من منتصف الملعب، والاعتماد على الهجمات المرتدة، إلى ثغرة أكثر وضوحا من الشمس في ظهيرة الصيف، خاصة في منطقة المثلث الفارغ بين الجندي المجهول في المباراة فيدي فالفيردي وداني كاربخال وناتشو في الجزء الأيمن للملعب، تلك المنطقة التي سيطر عليها توماس توخيل، بالطريقة العسكرية المعروفة عن الروس «الأرض المحروقة»، راميا بكل أسلحته الثقيلة في هذه المنطقة الهشة، التي جاء منها هدف ماركوس ألونسو الملغي، وأيضا الهدف الثالث المهين كرويا، الذي سجله ملك الفرص المهدرة، تيمو فيرنر، بعد فاصل من البعثرة للمغلوب على أمره كاسيميرو داخل منطقة الجزاء، انتهى بالضربة القاضية الثالثة، التي أرسلت الأسد اللندني لنصف النهائي، قبل أن يتخلى الحظ عن حامل اللقب، في اللقطة التي يراها كثير من النقاد والمتابعين «منعرج المباراة»، تلك الرأسية التي أنقذها كورتوا ببراعة وردة فعل لا تصدق، بعد دقائق من الهدف الثالث، ليبقي على آمال فريقه ومدربه، بالحفاظ على نتيجة المباراة، بعدما كان من الممكن أن تصل لخماسية مذلة، لولا إلغاء هدف ألونسو وتصدي كورتوا الخيالي، كأن القدر منح أنشيلوتي، فرصة أخيرة لحفظ ماء وجهه، وبدون مبالغة، تأمين عنقه من الإقالة الحتمية حتى لو جلب لقب الليغا رقم 35 في نهاية الموسم. وحسنا فعل الميستر، بإخراج توني كروس، الذي بصم على واحدة من أسوأ مبارياته، ربما في كل مسيرته الاحترافية، ولاحظنا الفارق الشاسع على مستوى الحيوية والنشاط في منظومة الوسط، بعد إشراك الفرنسي اليافع إدواردو كامافينغا، الذي أدخل الوسط الأبيض في أم المعارك، في الوقت الذي تراجع فيه المخزون والمعدل البدني لكانتي وكوفاشيتش وماونت وفيرنر، وكل الأسماء التي لم تتوقف عن الركض على مدار 57 دقيقة.
الجودة والكاريزما
ورغم كوارث أنشيلوتي في اختياراته للتشكيل الأساسي وكل ما أشرنا إليه أعلاه، إلا أنه كان محظوظا وموفقا في إدارته في اللحظات العصيبة، مطبقا المقولة الشهيرة «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، بعدما أدرك أنه بدأ المباراة بـ10 لاعبين أمام 12 للخصم، وكلمة السر تكمن في الجرائم الكروية التي ارتكبها فيرلاند ميندي، والأمر لا يتعلق بالخطأ الفادح الذي أسفر عن الهدف الثالث، بل لمعاناته وتخبطه لدرجة الفشل في استلام تمريرة قصيرة من مسافة لا تزيد على 5 أو 6 أمتار، بعد عناء من مودريتش لإبقاء الكرة في المناطق الدفاعية الزرقاء، ولاحظنا كيف تجدد نشاط هذه المنطقة، بعد مشاركة المخضرم مارسيلو، الذي أجاد في عملية تحرير فينيسيوس جونيور من قبضة ريس جيمس، الذي كان مكلفا بمنع البرازيلي من التنفس في المناطق المحظورة في الرواق الأيمن للبلوز، ونفس التأثير وضح في تغيير رودريغو بغير الموفق كاسيميرو، مع عودة فالفيردي لمكانه المعهود على الدائرة بجانب شريكه المستقبلي كامافينغا، ما أعاد الحدة والشراسة التي افتقدها الوسط الأبيض طوال المباراة، وكانت سببا في هدف تجدد الآمال، بافتكاك موفق للكرة في وسط الملعب، ثم بتمرير سريع للعبقري لوكا مودريتش، الذي سحر الأعين بعرضية لا تخرج إلا من قدم أغلى من الذهب، واضعا رودريغو أمام الحارس السنغالي إدواردو ميندي، ليسجل هدف مد المباراة حتى الدقيقة 120، ولم لا الاحتكام لركلات الترجيح، بدلا من التجرع من مرارة الإقصاء بهكذا سيناريو مؤلم وصادم للمشجعين، لكن مع مرور الوقت وعودة الحياة لمدرجات «البيرنابيو»، بدأ الريال يتحسس طريق النجاة، وجاءت الانفراجة، نتيجة تحرر فينيسيوس في انطلاقة نادرة من الجهة اليسرى، انتهت بالعرضية التي حولها الحكومة كريم بنزيمة برأسية من مسافة 15 متر في شباك أفضل حارس في العالم، الذي اكتفى بمشاهدة قائد الريال وهو يُطلق العنان لنفسه في احتفاله بهدف النجاة والعبور للنقطة قبل الأخيرة في الطريق الملغم نحو الكأس الرابعة عشر، بعد ملحمة هيتشكوكية، ظهرت خلالها قيمة وأهمية تسلح المدربين بمواهب قادرة على التسجيل من أنصاف الفرص، وليس هدف من كل اثنتين أو ثلاث، بجانب التسليم بكاريزما وطغيان ريال مدريد في بطولته المفضلة، كفريق يصعب التنبؤ بأحداث مبارياته ولا ردة فعله، عندما يستشعر الخطر في سهرات الثلاثاء والأربعاء، وبطبيعة الحال، هذا لا يقلل من عمل توخيل وأداء فريقه المبهر، الذي استحق عليه الفوز، لكن لم يستحق التأهل بوجه عام، بسبب خسارته وإدارته غير الموفقة في مباراة الذهاب، وليس لأي شيء بعد كفاحه في المباراة الثانية.
الحرب المستعرة
في اليوم التالي لقمة البلوز والميرينغي، توجهت الأنظار نحو ملعب «واندا متروبوليتانو»، لمشاهدة القمة الإنكليزية الإسبانية الثانية بين بطل البريميرليغ مانشستر سيتي ونظيره الإسباني أتلتيكو مدريد، في مباراة لم توف بكل أسرارها في أول 45 دقيقة، بتكرار نفس مشاهد مباراة ذهاب «الاتحاد»، بسيطرة واستحواذ من النادي السماوي، في المقابل، دفاع مُحكم من فريق الهنود الحمر، ما أعطى إيحاء للمشاهد العادي، بأن الشوط الثاني سيكون امتدادا للمشاهدة المملة كما كان الحال في الأشواط الثلاثة السابقة، لكن بمجرد أن أطلق الحكم صافرة انطلاق الشوط الثاني، شاهدنا نسخة مختلفة لأتلتي دييغو سيميوني، كفريق في منتهى الحدة والشراسة في الثلث الأخير من الملعب، مرتكزا على نهج غير مسبوق منذ رؤية التشولو في سُدّة القيادة الفنية للفريق، باللعب بدفاع متقدم، وأمام من؟ السكاي بلوز، الذي يملك ترسانة من أمهر وأفضل السحرة في العالم، من نوعية رياض محرز وكيفن دي بروين وبرناردو سيلفا والبقية، كأول جرس إنذار حقيقي للفيلسوف بيب غوارديولا، الذي فهم ما يُحاك ضده، بدون الدخول في فلسفة زائدة، وتجلى ذلك في تخليه عن قناعته وسياسته، التي ترتكز على الهيمنة ووضع المنافس في وسط ملعبه، بإعطاء تعليمات واضحة، بالتراجع إلى الوراء، لامتصاص حماس واندفاع أنطوان غريزمان في أول 10 دقائق من الحصة الثانية، قبل أن يُصّعد المدرب الأرجنتيني التهديد ومستوى الجرأة، بإجراء 3 تغييرات دفعة واحدة عند الدقيقة 70، لمضاعفة الضغط على الدفاع السماوي، لكن من سوء طالع التشولو، أن بيب لم يعد بنفس العقلية التي كان عليها قبل 5 أو 6 سنوات، تحديدا في آخر صدام ناري بينهما في نصف نهائي 2016 في نهاية تجربة غوارديولا مع بايرن ميونيخ، آنذاك كان يلعب سيميوني على المساحات الشاغرة بين الوسط والدفاع، حيث كانت النزعة الهجومية «المتطرفة» طاغية على أفكار وفلسفة غوارديولا، قبل أن يُعدل أفكاره بعد موسمه الأول المخيب للآمال في البريميرليغ، بالطفرة الكبيرة في المنظومة الدفاعية، بعد رفع جودة الدفاع، بالطريقة التي جعلته لم يتأثر بجلوس روبن دياز على مقاعد البدلاء. ليس ذلك فحسب، بل خسر الظهير الأيمن الأساسي كايل ووكر، واضطر لإشراك ناثان آكي، مع ذلك، لم تتأثر المنظومة الدفاعية، وظل الفريق صامدا حتى الدقيقة الأخيرة، كدليل جديد على تغير أفكار وقناعات غوارديولا، بإظهار قدرات دفاعية جديدة في كيفية التعامل مع المباريات التي تحتاج تحمل ضغط وهجوم المنافس، بعد تعلمه من أخطاء الماضي، وعواقب المبالغة في الهجوم على حساب النواحي الدفاعية. لكن الجديد بحق، أن التشولو، أثبت للعالم أنه قادر على لعب كرة قدم هجومية، تاركا لقطة تصفيقه في الدقيقة 90 تتحدث عما يحدث في أرض الملعب، حيث كان لاعبو المان سيتي يبالغون في إهدار الوقت، في مشهد تسجله الكاميرات للمرة الأولى، أن يكون منافس أتلتيكو مدريد سيميوني، هو الطرف الذي يتفنن في قتل الوقت، وليس العكس كما جرت العادة، والمفارقة أمام الفريق الذي يُضرب به المثل في الأناقة والجمال في عالم كرة القدم في الوقت الراهن، حتى بعد الحرب والمشهد المؤسف، الذي انتهى بطرد متأخر لفيليبي، ظل الأتلتيتي يقاتل على فرصه، ولولا تصدي إيدرسون الرائع في اللحظات الأخيرة، لامتدت المباراة حتى الدقيقة 120، لكن في الأخير، ذهبت البطاقة للطرف الأحق، ليضرب السيتي موعدا ثأريا مع الريال، بذكريات 2020، عندما انحنى الملكي ذهابا وإيابا أمام كتيبة بيب غوارديولا بنتيجة 2-1 في كل مباراة، أو 4-2 في مجموع المباراتين.
المفاجأة والنزهة
في عالم مواز، فجر فياريال كبرى المفاجآت، بالإطاحة بالمرشح البارز للفوز باللقب، بايرن ميونيخ، بالتعادل معه في قلب «آليانز آرينا» بهدف لمثله، في مباراة أثبت خلالها فريق الغواصات الصفراء، أن فوزه باليوربا ليغ على حساب مانشستر يونايتد الموسم الماضي، لم يكن ضربة حظ، وبالمثل انتصاره العريض على يوفنتوس بالثلاثة في عقر داره في إياب دور الـ16، ولمعرفة السبب، فتش عن ميزة المدرب أوناي إيمري وقدرته في التعامل مع مباريات خروج المغلوب، بنجاحه مع الفريق في 13 مواجهة منذ وصوله لقيادة الفريق. وكما نعرف جميعا، لديه خبرة لا بأس بها في الدوري الأوروبي، بحصوله على البطولة 3 مرات مع إشبيلية، وخسر النهائي مرة في دربي آرسنال وتشيلسي، والأخيرة كانت الغواصات، وُضعت كلها (الخبرة) في حملته مع فياريال هذا الموسم، بقيادته للترشح لنصف النهائي للمرة الثانية في تاريخه، والأولى منذ 16 عاما، عندما أهدر الأسطورة رومان ريكيلمي ركلة جزاء في مباراة العودة أمام مدفعجية آرسنال في نسخة 2006 تحت قيادة مانويل بيلغريني، بينما البايرن، دفع ضريبة هشاشة دفاعه بالثغرة الواضحة للجميع، بسهولة اختراقه من العمق، لتباعد المسافات بين قلبي الدفاع ولاعبي الارتكاز، بجانب داء الأخطاء الفردية الساذجة من أوباميكانو على وجه التحديد، وبدرجة أقل هيرنانديز وبافارد، والمتكررة منذ انكشاف الثغرة في ليلة الإذلال الكبير على يد بوروسيا مونشنغلادباخ بالخمسة في الدور الثاني لكأس ألمانيا، ليتبقى للمدرب الشاب ناغلمسان لقب البوندسليغا، ليحفظ به ماء الوجه أمام الجماهير، التي في العادة لا تحتفل بالألقاب، أما الفريق الإسباني الشجاع، فسيصطدم بليفربول في معركتي نصف النهائي، بعد حصول يورغن كلوب على الهدف المنشود، ضمان بطاقة نصف النهائي بأقل جهد وطاقة ممكنة، بعد التعادل مع بنفيكا بنتيجة 3-3 في موقعة الإياب، في مباراة كشفت الكثير من مشاكل وعيوب الدفاع للمدرب الألماني، وفي نفس الوقت، استغلها على أكمل وجه لإراحة أكثر من نصف القوام الرئيسي ليكونوا على أتم الاستعداد لمعركة نصف نهائي كأس الاتحاد الإنكليزي أمام مانشستر سيتي، والسؤال الآن: هل ستستمر عروض ونتائج فياريال التاريخية؟ أم ستنتهي على يد ممثل البريميرليغ كما حدث أمام تييري هنري والأستاذ آرسين فينغر قبل 16 عاما؟ هذا ما سنحاول تحليله ومناقشته معا في موعدنا قبل 48 ساعة من معارك الذهاب في نهاية الشهر الجاري.