“…سكان الشرق مختلفون، وهذا دأب باقي مناطق المغرب التي لها خصوصيات إنسانية ثقافية قبل أن تكون طبيعية وجغرافية، إلا أن اختلافهم هو ما يشكل هذا المغرب المتعدد والملتحم إن لم أقل المنصهر في بوثقة الأمة المغربية التي أشاد بها الرئيس النيجيري الجديد عندما أراد أن يعطي مثالا على نموذج الوحدة في ظل التعدد داخل الأمة الواحدة في القارة السمراء.
المشكل في الشرق هو أن إخواننا يعيشون بالضبط بجانب واحدة من آخر الحدود البرية المغلقة في العالم، وهي حدود لا تقطع الأرزاق فقط، ولا تعرقل التنمية، ولكنها حدود تمزق الروابط الإنسانية بين سكان شرق المملكة المغربية وسكان غرب الجمهورية الجزائرية، وهؤلاء لهم لسان واحد وعادات واحدة ومصاهرات، وهم امتداد لجسد واحد تدخلت مسطرة المستعمر الغاشم لتشطره وتترك هذا الجرح نازفا إلى الآن.
…على موائد الغداء بدار السبتي، والفنان الجاد نعمان لحلو يتغنى بجمال طبيعة المغرب، كان الجميع يستشرف المستقبل بنوع من التفاؤل الحذر. هناك عمل جبار ينتظر الجميع، ولا مكان هنا للمتشائمين ولا للفاسدين. لابد من جلب الاستثمار وتضافر جهود الدولة وباقي الفاعلين، والعمل وكأن الحدود ستبقى مغلقة للأبد، وإذا فتحت، فستكون أرضية الإقلاع جاهزة وتصبح جوهرة المتوسط لامعة بدل أن تكون دامعة.
أنفة الشرق لا يكسرها الخصاص أبدا، ويسمونها هنا «النيف» من الأنف أي الكبرياء. هذه العين الفياضة هي التي لا يمكن أن تنضب، وهي تتحدى ربما حتى الإجهاد المائي الذي يعتبر اليوم الخطر الأول في المنطقة حيث يخيم شبح العطش على الساكنة.
…في الجهة الشرقية ونحن نحتفي بمرور 20 سنة على الخطاب الملكي لاقلاع الجهة الشرقية، استحضرنا خطابا ملكيا آخر لسنة 2004 الذي تحدث فيه عن الصحافة ودعا إلى التعاقد من أجل صحافة حرة تخدم الديموقراطية، وأعتقد أن الرسالة وصلت، وأن مجهودات زملائنا الشجعان في الشرق، الذين ظلوا يشتغلون بوسائل محدودة وعزيمة بلا حدود، وهم في منطقة على خطوط التماس، قد تكللت اليوم بالنجاح، وها هي الشجرة قد أثمرت بفضل الصبر والعمل، وحان وقت القطاف من أجل العمل أكثر للصالح العام.
لذلك عندما حطت طائرة العودة في مطار محمد الخامس، كانت الوعكة الصحية التي حملتها معي في حقيبتي إلى وجدة قد تبخرت تماما، فشكرا للزملاء والشركاء في انتظار أن يتعقل المركز ويعود إصلاح الصحافة المغربية إلى سكته الصحيحة، فلا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح.”