من المؤسف اللجوء إلى أمثال شعبية من قبيل : “تبكي أمو قبل ما تبكي أمي”، من أجل توصيف ما يجري بالتعليم حاليا، خصوصا أن المثل المذكور ينطوي على حمولة معنوية بين الأنانية و تحقيق المصلحة الشخصية بغض النظر عن نتائج ذلك على الآخر، في حين أن أهم خصلة ينبغي أن يتصف بها الدائرون في فلك التعليم هي نكران الذات وتغليب المصلحة الفضلى للتلميذ، ولنا في جيل أساتذة الثمانينات خير مثال.
وانطلاقا من أعلى هرم في الإشكال، وهي الحكومة كونها تملك سلطة القرار، فيلاحظ تأخر كبير في الإمساك بزمام الأمور سواء من خلال التجاوب مع مطالب المضربين أو إيجاد بدائل تضمن استمرارية المرفق العمومي، وعلى سبيل المثال، توصلت الحكومة السابقة لحلول من أجل استمرار الدراسة خلال فترة الحجر الصحي تمثلت في التعليم عن بعد، وغيرها من الخطط البيداغوجية. وبدون الخوض في نجاعة ذلك من عدمه فالأهم أن السلطة التنفيذية اتخذت قرارات في سبيل ضمان الاستمرارية، وهو ما غاب عن الأزمة الحالية باستثناء بعض المبادرات كالدعم خارج أوقات الدراسة.
من جهة أخرى، أثار موقف النقابات الكثير من التساؤلات كونها كانت شريكا في إخراج نظام أساسي أدى للاحتجاج، وتارة أخرى، كانت في صف المحتجين، ما قد يفسر الانسياق الكبير وراء التكتلات الموازية أو ما يسمى بالتنسيقيات.
وحتى هذه الأخيرة، هدد نسقها الفئوية الضيقة، ومنطق أنا ومن بعدي الطوفان، فمثلا يأبى أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي أن تتم مساواتهم بزملائهم في الإعدادي والابتدائي ويطالبون بامتيازات مادية حصرية على الرغم من أن المهام والشواهد الجامعية للأطر هي نفسها ! بل على العكس، إن كان لا بد من تفضيل لسلك على آخر، فالابتدائي أولى بذلك بسبب مشقة المهام وتنوع المواد المدرسة وغياب التخصص، وكثرة ساعات العمل.
أيضا فالأساتذة لم يستسيغوا زيادات المفتشين والمديرين معتبرين أنهم أولى بحصة الأسد كونهم الفاعل المباشر في القسم.
ناهيك على أن انشقاقات كبيرة حدثت في بعض التنسيقيات نفسها كفئة “الزنزانة 10” حيث تتصارع الأفواج حول الأحقية بالترقية ويرفض القدامى مساواتهم مع الجدد في السنوات الاعتبارية، نفس الأمر في كل الفئات والتنسيقيات، كل يغني على ليلاه.
وفي أسفل الهرم نجد التلميذ والذي يبدو أنه الحلقة الأضعف، ولا سيما أبناء الأسر متدنية الدخل التي لا تقوى على مصاريف التعليم الخصوصي.
وإذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت في خلق الفئات داخل القطاع وتنظيم خطواتها الاحتجاجية، فقد كشفت من جانب آخر عن تيارات متطرفة جعلت من الإضراب غاية. والعالم الافتراضي يعم بمنشورات وتعاليق لا ينبغي أن تصدر ممن يفترض أنهم مسؤولون عن تربية الأجيال، يسمحون لأنفسهم بالتنمر على غير المضربين، وكيل الشتائم لمن يخالفهم في الرأي.
ملف التعليم ما هو إلا كرة ثلج متدحرجة تكبر مع مرور الولايات التشريعية لتصبح تركة ثقيلة ومعقدة للحكومات المتعاقبة، ولحد الآن لا زلنا نتحدث عن مشاكل البنية التحتية وغياب المراحيض والهدر المدرسي والمراتب المتدنية في المؤشرات المعتمدة على الصعيد الدولي.
أزمة التعليم الحالية كشفت أن التحدي الأكبر الذي يواجه أي إصلاح هو ضمان الحفاظ على الزمن المدرسي كاملا، وهو ما نجح فيه التعليم الخصوصي، فالملاحظ أن الزمن المدرسي لا يضيع بتاتا، وأن الحصص يتم استكمالها بغض النظر عن ظروف الأساتذة أو غيابهم لأسباب قاهرة كالمرض، كل ذلك لأن المؤسسة الخصوصية تحرص على تأمين الزمن المدرسي من خلال تعويض المتغيبين.
ويبدو أنه حل فعال وناجع، والسؤال المطروح هو لماذا لا يتم التفكير في إحداث آلية متخصصة في تعويض الأساتذة المتغيبين في المدارس العمومية لأي سبب كان ؟ سواء عبر التدبير المفوض أو الانفتاح على محيط المؤسسة وشركائها، وفسح المجال في ذلك أمام طلبة التعليم العالي.
والذي يقلل من شأن ضياع الزمن المدرسي ما عليه سوى الرجوع لتقارير المجلس الأعلى للحسابات وهيئة التقييم الوطني بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حصصا دراسية تضيع خلال كل موسم دراسي لعدة أسباب أبرزها الإضراب عن العمل، والشهادات المرضية.
ودون إيجاد حلول لهذه المعضلة سيبقى التلميذات والتلاميذ ورقة ضغط تستعملها التنسيقيات ومن يقف وراءها لتصفية حسابات سياسية، ستظل معها أم التلميذ تبكي في صمت.