أقامت الجزائر الدنيا ولم تقعدها على خلفية الرد الذي جاء على لسان السيد عمر هلال فيما يخص موضوع الانفصال (أو ما يسمى من زاوية مقابلة: تقرير المصير) الذي يذكي ناره عسكر الجزائر ضدا على الوحدة الترابية للمغرب. لقد كان رد السفير المغربي قاسيا على الفاعل السياسي الجزائري وامتد صداه من خلال الآلة الإعلامية العسكرية إلى كل ربوع البلد الجار وحرك الكثير من الأقلام سواء في هذا الاتجاه او ذاك.
يدرك جنرالات الجزائر جيدا أن الخوف لا ياتي من الاحتجاجات السلمية مهما طالت واحتدت، فهذه الظاهرة أضحت متحكم فيها إلى حد بعيد ومن يراهن عليها كأنه لاهث وراء سراب، فالعمل الاستخباراتي المتنوع والشامل وتواطؤ الآخر جعلا الحراك تحت أعين النظام، كيف لا وقد استطاع النظام ان يجري انتخابات رئاسية في ظل الاحتجاجات ونجح في مسعاه
إن أشد ما يخيف الجنرالات هو شبح تفكك الدولة، والمخزن كالطبيعة لا يحب الفراغ لهذا بنى الجيش الجزائري عقيدته على معاداة الجار الغربي كما يحلو لهم ان يسمونه وتبنوا قاعدة:﴿ وداويني بالتي كانت هي الداء ﴾
إن داء ما يسمى اليوم بالجزائر هو الانفصال، فتاريخ ما كان يسمى أمس بالمغرب الأوسط هو تاريخ دويلات وإمارات مستقل بعضها عن بعض يسود بينها التناحر والتطاحن بسبب التباينات الايديولوجية والنعرات العرقية وقد نجحت فرنسا من خلال قرن و32 سنة من الاستعمار المباشر ان توحد هذه الدويلات والإمارات ، وقبيل خروجها كان من البديهي أن تكون نخبة فرونكوفونية تابعة لها أولا ،وقادرة على ضمان استمرار الوحدة الجغرافية للدولة، ولم تكن هذه النخبة شيئا اخر غير الجيش ،وكأننا بفرنسا قد احتفظت بالسياسة وسلمت أمور الدفاع والجيش للجنرالات أو بتعبير أكثر وضوحا : ألغت منصب المقيم العام الفرنسي بالجزائر وعوضته برئيس هيئة أركان الجيش المحلي الذي هو اليوم الجنرال سعيد شنقريحة
منذ دخول فرنسا إلى منطقة شمال افريقيا أدركت أن القوة المركزية التي يمكن أن تعيق هيمنتها المطلقة هي المخزن باعتباره كيانا سياسيا يستبطن شرعية مزدوجة : تاريخية ودينية ولديه قدرة كبيرة على التحكيم بين الفرقاء السياسين والاقتصاديين والاجتماعيين والدينيين وبالتالي القدرة على التوحيد وتبديد شبح التفكك.
ولمنافسة المخزن أوكلت فرنسا مهمة الحفاظ على الوحدة داخل الكيان الذي أخرجته الى الوجود سنة 1962 الى الجيش الجزائري ، لهذا لا عجب ان يكون عدوه الاول في المنطقة هو المخزن….
كان رد السفير المغربي عمر هلال اذن بمثابة عزف على وتر حساس إسمه شبح التفكك!!
فالتفكك الذي عرفته الجزائر في ق 16 قبيل دخول الاتراك ليس فريدا ولكن له اشباه في ق الخامس الميلادي حيث ظهرت في الجزائر عدة وحدات سياسية عبارة عن كنفديراليات قبلية وظل هذا التفكك قائما رغم محاولات الوندال والبيزنطيين توحيد المنطقة تحت سلطتهم.
بعد فترة وجيزة من الوحدة التي تمت نتيجة الفتوحات الإسلامية أخذت الجزائر تتفكك خلال القرن 8 الى وحدات سياسية جديدة لا تختلف كثيرا عن السابقة. وبعد أقل من قرن عن تلك الوحدة التي فرضها الفاطميون عاد التفكك من جديد قبيل وبعد رحيل هؤلاء الى مصر سنة973 وتحول هذا التفكك الى فوضى عارمة مع نزوح القبائل العربية إلى المغرب ابتداء من اواسط القرن 11. لقد ألحقت القبائل خسائر كبيرة بالدولتين الزيرية والحمادية الشيء الذي فتح المجال أمام الحركات الانفصالية القبلية في مختلف الجهات …على سبيل المثال لا الحصر﴿﴿ إمارة ورقلة+ إمارة تفرت+ إمارة بجاية+ إمارة قسنطينة + إمارة جيجل+ إمارة الجزائر + إمارات صحراوية مستقلة عن بني زيان….﴾﴾.
نخلص إلى نتيجة مفادها أن تاريخ المغرب الاوسط هو تاريخ التفكك بامتياز وقد استطاعت فرنسا بحنكتها في مجال التدبير والإدارة وعلى مدى قرن ونيف ان تخرج كيانا وفق مرسوم 1962 يشكل لها موردا طاقيا واقتصاديا مهما شريطة أن يظل موحدا وأوكلت هذه المهمة الى حدود الساعة الى جنرالات مقابل امتيازات لا محدودة.