ككل سنة ومع اقتراب موعد مهرجان “موازين” وإعلان جمعية “مغرب الثقافات” عن أسماء الفنانين المدعوين لإحياء المهرجان، تكثر الانتقادات وتتعالى أصوات الرافضين لإقامة المهرجان على الأراضي المغربية، خصوصا بعد تسريب بعض أجور الفنانين التي يراها المجتمع المغربي مبالغ فيها بل ويقترح الفيسبوكيون ضخ تلك الملايير في قطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم، وأضيف إلى قائمة الاحتياجات الماسة هذه السنة إعادة الإعمار للمتضررين من زلزال الحوز.
والجديد هذه الدورة أن أصوات الرفض بلغت مستوى أعلى حيث أعربت المعارضة داخل البرلمان عن رفضها لإقامة هذه الدورة داعمة لنداءات أهالي غزة الذين أطلقوا حملة استعطاف على شكل طلب مباشر للشعب المغربي بالخصوص شعارها بالحرف “لا ترقص على جراح غزة”.
وفي المقابل اعتبر الأمين العام لجزب التجمع الوطني للأحرار السيد عزيز أخنوش أن هذا اتهام موجه للمغرب بسبب تنظيمه مهرجانات فنية مؤكدا في نفس الجلسة المسجلة بتاريخ 10 يونيو الجاري أن المغرب يشارك في اجتماعات دولية بخصوص إيجاد حل لغزة. كما خرج الأمين العام لحزب العدالة و التنمية السيد عبد الإله بن كران بتصريح مصور نشر على الموقع الرسمي للحزب يطالب فيه بوقف او تأجيل هذه النسخة قائلا “ندائي إلى من يهمهم الأمر في الوطن العزيز، أن يلغوا هذه الدورة من المهرجان، أو على الأقل تأجيلها إلى أن تتوقف الحرب الإسرائيلية، وساعتها لكل حادث حديث”.
ويجدر الذكر بأن ميزانية موازين قيمت ب 15 مليار سنتيم أي تقريبا 15 مليون دولار لسنة 2018 حسب الموقع الرسمي للمهرجان وجلها من أموال الخواص حيث أنه تخلى بتاتا عن الدعم العمومي بدءا من سنة 2011.
فباتت ميزانيته مقسمة بين 32% من الممولين الخواص و68% من عائدات متغيرة والمقصود بها مداخيل التذاكر والجوازات والإشهارات وغيرها.
وهذا نتاج لخطة استقلالية مادية بدأتها “مغرب الثقافات” منذ سنة 2008 والتي بدأ معها تقليص نسبة الدعم العمومي من 6% إلى الصفر سنة 2011.
هذا بعدما انطلقت أول نسخة للمهرجان سنة 2001 بدعم عمومي وصل إلى 60% و40% من ممولين بالقطاع العام وشبه العام والقطاع الخاص.
ويعتبر مهرجان “موازين” أهم حدث فني بالمغرب خصوصا بعد تحقيقه رقما قياسيا سنة 2013 بتسجيله حضور أكثر من مليون و400 ألف زائر، و30 مليون مشاهد عبر مختلف القنوات العالمية، لتصنفه شبكة MTV الأمريكية كثاني أكبر مهرجان في العالم. وحقق رقما قياسيا اخر سنة 2014 ب 2.4 زائر.
ولذلك يمكن القول بصريح العبارة أن موازين اليوم هو مهرجان يخدم مصالح وطن بأكمله قيادة وشعبا قبل كل شيء. حيث لا يمكن لأحد نكران دور موازين ونجومه العالميين وكذا زواره من الأجانب في تلميع صورة البلاد والتسويق للسياحة المغربية، من خلال إعطاء انطباع جد منفتح للمغرب وشعبه. وهذا ما يحفز المزيد من السياح الأجانب لزيارة المغرب.
وعلى مستوى الرباط فقط لاحظنا ارتفاع مهم في أعداد السياح الأجانب اللذين يتجولون بالمدينة في الآونة الأخيرة، وعلمنا أن عددا منهم قدم خصوصا لحضور موازين حتى قبل أن تنطلق فعالياته للتعرف على الثقافة المغربة. وطبعا كل سائح يتجول بالمغرب فهو ينفق أمواله بشكل مباشر من خلال الخدمات التي يقدمونها من فنادق ومطاعم إلى اقتناء لسلع الصناعة التقليدية…
فهل فكرنا يوما في حجم الضرر الذي قد يعانيه التجار المغاربة البسطاء من إلغاء مهرجان كموازين وتعزيز فكرة تزمت المغاربة ما قد يزعج السياح من زيارة المغرب؟ والحديث هنا عن أزيد من 2.5 مليون مغربي يشتغلون في القطاع السياحي.
ولمن لم يستوعب الأمر بعد فليسأل أي شخص من محيطه يعمل في قطاع السياحة عن الضرر الذي تكبده طيلة فترة كورونا، وقارن الوضع السابق مع اليوم.
إذا نظرنا للموضوع من الأعلى باعتبار أن المغرب بلد مفتوح لكل جنسيات العالم بين مقيم وسائح. ولاختلاط الثقافات والديانات داخل شعبه، فسنطالب بمهرجان اخر يشبه موازين يعمل بنظام الشركات الكبرى. يدخل عملة صعبة للبلاد ويسوق للسياحة بأمواله الخاصة بعيدا كل البعد عن المال العام، لأن في ذلك ربح مادي مباشر للشعب المغربي.
لكن في سنة غير هذه، لأنها سنة سوداء للمسلمين دنست فيها مقدساتنا الدينية في القدس. وبات واجب على كل مسلم بكل بقاع العالم أن يحارب من مكانه و بإمكانياته. ولعل أكثر الإمكانيات شيوعا اليوم هي المقاطعة، وموازين شأنه شأن كل الاحتفالات الصاخبة. وتلبية لنداءات أهالي غزة اللذين أطلقوها حملة استعطاف على شكل طلب مباشر للشعب المغربي بالخصوص شعارها بالحرف “لا ترقص على جراح غزة” فنحن كشعب علينا تلبية الطلب لأننا طالما عرفنا بالعفة واحترام الجميع.
كما علينا ألا ننسى عاداتنا وتقاليدنا التي تمنعنا من إقامة حفل زفاف مثلا إن توفي أحد الجيران حتى تتمة الأربعين يوما على وفاته حياء منا واحترام لأوجاع المقربين.
علينا أن نستوعب أننا نعيش وسط مجتمع دولي تتضارب فيه المصالح وتحدد حسب مدى قوة الدول.
إذن من المفيد للمغرب احتضانه مشاريع اقتصادية ضخمة كموازين تجعل من اقتصاده يتحسن ومعه مكانته في الترتيب العالمي. على أمل أن يحظى بكرسي على طاولة قيادة العالم بعد الانتهاء من خلط الأوراق، ولبلوغ هذه المكانة علينا جميعا بالمساهمة في الدفع بقطار التنمية للأمام وليس الجر به للخلف.