مهدي عامري و محمد المريبطي ( المادة الفكرية و المعرفية – إدارة الحوار )
فوزية لزهر( الكتابة و التوضيب)
ذ. محمد المريبطي : نجدد الترحاب بالدكتور الأستاذ مهدي عامري في درس تفاعلي جديد و نحن دائما حريصون على تقديم المحتوى التعليمي التفاعلي و الهادف.
درس اليوم حول مهارات التعلم الذاتي في ثلاثة محاور سنحاول الاحاطة بها قدر المستطاع.
المحور الاول : ما هو التعلم الذاتي ؟
المحور الثاني : الأخطاء الشائعة في التعلم الذاتي
المحور الثالث : مفاتيح التعلم الذاتي
ابدأ الدرس بالمقولة الشهيرة لأنتوني روبنز
أعتقد أن التعلم الذاتي هو أعظم و أهم شيء يمكن للإنسان أن يصنعه.
لعل ظاهرة التعلم الذاتي قد برزت في منتصف القرن الماضي و برزت بشكل كبير على عدة مستويات (الكتب و الأسطوانات السمعية في البداية ثم الأسطوانات البصرية و التلفزية ) لكن مع بداية القرن الحادي و العشرين انتشرت بشكل كبير مع الانترنيت والذكاء الاصطناعي وقد تحدثنا في دروس سابقة حول هذا الموضوع.
بداية نود من الدكتور الأستاذ مهدي عامري أن يعرف لنا مفهوم التعلم الذاتي ؟
د. مهدي عامري : شكرا الصديق العزيز محمد المريبطي على الاستضافة وتحية الى جميع المشاركين في هذا اللقاء التفاعلي.
أود في البداية أن أنوه بهذا الاختيار الدقيق لموضوع هذا اللقاء التفاعلي و هو التعلم الذاتي وأعتقد أن هذه البرمجة على درجة كبيرة من الدقة لأن درسنا يتنزل في واقع الجائحة العالمية و سياق الشهور الأخيرة التي عشناها و التي أفرزت الموجة الدولية الداعية الى الاهتمام بالتعلم الذاتي. ففي ظل الوباء العالمي كوفيد 19 وما أفرزه من مشاكل و صعوبات على مستوى قطع الصيرورة البيداغوجية في جميع دول العالم برزت الحاجة إلى التعلم الذاتي و التعلم عن بعد و التثقيف الذاتي و ما إلى ذلك من الأدوات و المهارات التي بموجبها يمكن للمتعلم أن يواكب هذه الوفرة في المعلومات فالقرن الحادي و العشرون هو قرن طوفان المعلومات بامتياز .
التعلم الذاتي بكل بساطة هو كل نشاط تعليمي يقوم به المتعلم مدفوعا برغبته الذاتية بهدف تنمية استعداداته و إمكاناته وقدراته ومستجيبا في ذلك لميوله واهتماماته بما يحقق تنمية شخصيته وتكاملها وأيضا هو كل ما من شأنه أن يدفع بالمتعلم الى التفاعل الناجح والفعال مع مجتمعه عن طريق الاعتماد على نفسه والثقة بقدراته وتنمية مهاراته وبذلك يصبح المتعلم متمتعا بقدر من الاستقلالية والحرية في عملية التعليم والتعلم الذاتي.
يمكن أيضا أن يعرف التعلم الذاتي على أنه اكتساب الفرد للمعلومات والمهارات والخبرات بصورة ذاتية ومستقلة عن أي مؤسسة تربوية و بالاعتماد على نفسه.
فعلى هذا الأساس ليس بالضرورة أن يكون المتعلم مسجلا في الجامعة أو في كلية من الكليات لأنه يتعلم بشكل مستقل و هذه العملية في هذا السياق الدقيق تعتبر نشاطا واعيا ينبع من اقتناع و دوافع داخلية لدى الفرد تحثه على تحسين و تأطير شخصيته و قدراته.
لذلك لا نستطيع أن نتحدث عن التعلم الذاتي دون أن نتحدث عن التنمية الذاتية لأن التعلم الذاتي جزء لا يتجزأ منها و من ضرورة تطوير القدرات و المهارات وكذلك من ضرورة الالتزام الشخص الذي يمارس هذا التعلم الذاتي بتحديد مجموعة من الأهداف وتحديد الوسائل الملائمة لها بحيث يضع خطة تعليمية تتناسب مع سرعته في التعلم وميوله وتوجهاته.
ذ. محمد المريبطي : شكرا لك أستاذ عامري و كما أشرت فنحن نعيش عصر الوفرة الهائلة للمعلومات و البيانات.
الآن جميع المعلومات متوفرة في رمشة عين لكن أيضا هنالك مع الأسف غياب شبه تام لما يسمى بالغربلة أو التوجيه و الاستثمار الصحيح للمعلومات.
الكل أصبح كاتبا.
الكل أصبح أستاذا.
الكل أصبح طبيبا .
الكل أصبح مهندسا.
الكل أصبح عرافا.
و يصعب التمييز ما بين الصحيح و الخطأ في عصر تتضارب فيه في كل لحظة النظريات و المفاهيم هذا بالإضافة الى الملايين المتاجرين بالمحتوى و هذا ما يسمى أيضا بظاهرة الحل السهل.
تعلم الانجليزية في خمسة أيام.
كيف تصير كاتبا في ستة أيام.
كيف تربح الملايين في سبعة أيام.
هذا هو الحل السهل و هو نقيض التعلم العميق و المعرفة الحقة.
و حتى لا أطيل أود من الأستاذ عامري أن يشرح لنا أهم الأخطاء الشائعة في التعلم الذاتي.
د. مهدي عامري : قبل الحديث عن الأخطاء الشائعة في التعلم الذاتي يجب من باب الانصاف أن نتطرق الى خصائص التعلم الذاتي و أهم نقاط قوته الممكن تلخيصها في ما يلي :
الميزة الأولى : مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين وتقليلها وأخذ حاجات المتعلم و رغباته بعين الاعتبار.
الميزة الثانية : مساعدة المتعلم على التقدم و التطور بشكل أفضل عن طريق بذل جهد ذاتي وفقا للمعرفة والمهارات المراد اكتسابها فيصبح هنا التعليم هو تعليم يلبي الاحتياجات وليس تعليم يراد منه ملأ الدماغ وتكديسه بالمعلومات .
الميزة الثالثة : اتخاذ المتعلم القرار بنفسه و تحمل مسؤوليته لتحقيق هدفه فيصبح هنا التعلم الذاتي موجها حسب الحاجات والرغبات فإذا كنت أريد أن أفتح مثلا محلا لبيع أكسيسوارات الحاسوب فيجب أن أتعلم ما هي المهارات الواجب توفرها في عملية بيع الحواسيب.
الميزة الرابعة : التخلص من النظام و الأساليب التعليمية التقليدية وهنا يمكن أن نشير الى الدور الكبير الذي لعبته جائحة كورونا في تسريع وتيرة التعلم الذاتي الذي لا يمكن أن نتحدث عنه دون الاشارة الى التعليم عن بعد و حسناته و ميزاته و الذي بفضله أصبح من الممكن للمتعلم الحصول على قدر كبير من المرونة كأن يسجل الدرس و يعود اليها في منتصف الليل أو الفجر. فيصبح هنا عدم التقيد بحدود الزمان و المكان لحضور الدرس الفلاني في المكان الفلاني عاملا مساعدا على التحصيل.
ان التعلم الذاتي يساعد أيضا على مواكبة الانفتاح المعرفي الهائل المطرد الحاصل في العالم.
أنت لا تحتاج على سبيل المثال لتصبح خبيرا في موضوع معين أن تقرأ مئات الكتب و المقالات التي كتبت في ذلك الموضوع لأن ذلك سوف يكلفك حياة كاملة. لذلك يجب تعلم تقنيات القراءة السريعة من قراءة تصويرية و مهارات التلخيص لتصبح قادرا على اختيار أجود المراجع وأكثرها ترجمة باللغات العالمية.
من ضمن ميزات التعلم الذاتي أيضا أنه يساعد على بلورة الدور الايجابي للمتعلم في عملية التعلم ويتيح الفرصة لكل متعلم لاكتشاف مواهبه والمجالات التي يبدع فيها حقا.
أما بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها معظم الأشخاص الذين يريدون أن يتعلموا بشكل ذاتي فهي كالتالي :
الخطأ الاول. عدم التحقق من المدرس أو المعلم أو التطبيق الذي يستعمل في عملية التعلم الذاتي فهنالك الكثير من أرباب العمل أو غيرهم لا يقبلون مثلا شهادات يقال أنها معتمدة وأنه تم الحصول عليها من المركز الفلاني أو الكلية الفلانية و أحيانا يقع المتعلمين ضحية للنصب و الاحتيال فيضيعون وقتهم ومالهم لأنهم لا يختارون المدرب أو الأستاذ الجيد الذي يقدم لهم الدروس.
الخطأ الثاني. بعض الأشخاص المتعلمين غير واقعيين حول أسلوبهم في التعلم يعني أنهم يحتاجون مثلا الى تعزيز مهاراتهم في اللغة الانجليزية أو الاسبانية أو تعلم حرفة من الحرف مثل الخياطة أو اصلاح الهواتف النقالة فيؤجلون أو يؤخرون عملية التعلم الى آخر لحظة دون التخطيط للمسألة بنوع من الجدية.
الخطأ الثالث. الالتزام ببعض الدورات التدريبية على الانترنيت دون التأكد من امتلاك الأدوات الأساسية اللازمة لمتابعتها من كاميرات عالية الجودة أو جهاز حاسوب متعدد الامكانات يسمح للمتعلمين أو الطلبة بتسجيل عدد كبير من الفديوهات – على سبيل المثال.
الخطأ الرابع. التفكير في الاستسهال و الغش فالأشخاص الذين يمارسون التعلم الذاتي ينبغي أن لا يغشوا أنفسهم في عملية التعلم وينبغي أن يبرمجوا عدد الساعات التي سوف يخصصونها في كل أسبوع لهذه العملية.
الخطأ الخامس. عدم الاستعداد أو عدم الرغبة في التعاون مع فريق افتراضي و القيام بعملية التعلم الذاتي بشكل فردي مائة بالمائة ناهيك عن عدم الاستعداد للتواصل عبر الانترنيت مع طلاب آخرين و إعداد مشاريع مشتركة لأن هذا التواصل مفيد جدا لأجل التعرف على الممارسات الفضلى والتجارب المهمة التي استطاع مجموعة من الطلبة أن يصلوا اليها.
ذ. محمد المريبطي : ننتقل الى المحور الثالث من الدرس.
يقول توني بوزان أحد كبار علماء التعلم الذاتي :
ان تعلم كيفية التعلم يعتبر من أهم مهارات الحياة.
يعني أن ما يفوق أهمية التعلم الذاتي في حد ذاته هو أن نتعلم كيف نتعلم ذاتيا مع تنويع المناهج مثل استخدام السينما و اليوتوب و وسائل التواصل الاجتماعي الى غير ذلك من الوسائل.
نطلب الآن من الأستاذ عامري أن يقدم لنا بعض مفاتيح التعلم الذاتي.
د. مهدي عامري : هناك عدة مفاتيح للتعلم الذاتي من ضمنها :
* التعليم المبرمج. و ذلك من خلال وضع برنامج متسلسل ومنظم ومجزأ للمتعلم بحيث يراعي قدراته ليتمكن من إنجازه وما يميز طبعا هذه الطريقة هو مراعاتها للفروق الفردية واختلاف سرعة المتعلمين .
* التعلم الالكتروني. ويتم فيه استخدام شبكات الانترنيت للحصول على المعرفة الواسعة بشتى أنواعها سواء كانت مكتوبة أو سمعية أو بصرية أو أفلام الفيديو وغيرها بحث تمكن المتعلم من أخذ المعرفة والمعلومة من عدة مصادر موثوقة .
* التعلم بالاستقصاء و الاكتشاف. هنا ينبغي على الطالب التساؤل و البحث و القراءة و أيضا عدم قبول المعلومات كما هي و أخذها كمسلمات لأنه تشير الكثير من الدراسات الجادة في موضوع البيانات الضخمة أن محتوى الانترنيت تقريبا بنسبة 90% سطحي و تافه وقلما تجد فيه المعلومة الصحيحة و الدقيقة.
ان هذا المحتوى تهيمن عليه الشائعات و الأخبار الكاذبة و الفضائحية لذا يجب أن يغربل الطالب المتعلم جيدا محتوى الانترنيت و هذه عملية شاقة فالمعرفة و إن أصبحت متاحة في القرن الحادي و العشرين فإن طريقة الوصول الى المعرفة الحقة عسيرة جدا.
* التعلم في مجموعات صغيرة. قد يظن البعض أن هذه الطريقة من التعلم قد تتعارض مع التعلم الذاتي و الحال أنها لا تتعارض بل العكس لأن الشخص الذي يعتقد أنه يمكن أن يتعلم كل شيء بنفسه فهو يتقوقع و يظل في برجه العاجي و ربما يفقد سريعا الرغبة و الحافز في التعلم لأنه يتعلم وحده و لا يحصل على استجابة الآخر لأن مسألة التنافسية بين الأقران و بين الزملاء بخصوص تعلم برنامج أو تطبيق معين مثلا أو لغة جديدة أو مهارة جديدة كالعزف على البيانو شيء يمكن أن نتعلمه تعلما ذاتيا
لكني أعتقد أن التعلم في مجموعات صغيرة في غاية الأهمية لأنه يساعد المتعلم على الوصول للمعرفة من خلال تبادل الآراء و تبادل التجارب و القصص الانسانية و التجارب المشتركة التي قلما يصل اليها الانسان إذا اعتمد على نفسه مائة بالمائة .
* التعلم باستخدام أسلوب حل المشكلة و يعني ذلك محاولة حل المشكلة بشكل فردي عند وجودها أو في حال افتراضها مما يكسب المتعلم المهارات والقدرات على حل المشاكل.
* التعلم بواسطة التمثيل والدراما و هنا تتبلور العملية التعلمية الذاتية بتمثيل المتعلم دورا ما بنفسه للمادة المراد تعلمها.
أحيل هنا لكل التقنيات المتعلقة بمسرحة التعلم و تقمص الأدوار و ما إلى ذلك و يمكن أن نضيف الى ذلك أيضا التعلم الميداني لأن المعرفة لا توجد فقط داخل الكتب.
ان المعرفة موجودة في لحظات التأمل و الرجوع الى الذات و لعل تجربة الوباء العالمي الذي حاصر الملايين بل الملايير من البشر داخل بيوتهم لأشهر طويلة أتاح للكثير من الأشخاص الذين اشتعلت في أعماقهم تلك الرغبة ممارسة تمرين التأمل و الرجوع الى الذات.