في الحادي والثلاثين من مارس 2022، قرر وزير أوروبا والشؤون الخارجية إقصاء شادية أعراب، الجغرافية والباحثة في المركز الوطني للبحث العلمي، على الرغم من حصولها علي الرتبة الأولى في امتحان شغل منصب مدير مركز جاك بيرك بالرباط. قرار يدينه جامعيون فرنسيون وأجانب باعتباره قرارا تمييزيا يمس باستقلالية البحث العلمي ويكرس استهداف مزدوجي الجنسية.
في 3 مارس 2022، خضعت شادية أعراب، المكلفة بالبحث في المركز الوطني للبحث العلمي، لاختبار شغل منصب مديرة مركز جاك بيرك بالرباط، وهو واحد من 27 معهدا بحثيا فرنسيا في الخارج يتبعون لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، والمركز الوطني للبحث العلمي. ويتطلب منصب مدير المركز، بالإضافة إلي ملف علمي متميز، مهارات في مجال تدبير وإدارة البحث العلمي. ولأن شادية أعراب تتوافر فيها كل مواصفات المنصب (جودة الملف العلمي، تجربة سابقة في الإشراف على البحوث، البحث ذو الأبعاد الإنسانية، إتقان اللغتين العربية والأمازيغية)، ولأن المشروع الذي تقدمت به لتطوير المؤسسة كان متميزا، فقد حازت على الرتبة الأولى من قبل المجلس العلمي للقطب المغاربي، المكون من أساتذة باحثين من مشارب علمية متنوعة ومن متخصصين في القضايا المتوسطية.
شادية أعراب مكلفة بالبحث في المركز الوطني للبحث العلمي منذ 2009 ومخولة بالإشراف على البحوث منذ 2021. تعتبر من أهم الخبراء في مجال الهجرات المغربية نحو أوروبا وبلدان الخليج العربي. سبق لها أن نشرت أكثر من أربعين مقالا علميا أو فصلا في كتاب، فضلا عن كتابين اثنين (ترجم أحدهما للغتين الإسبانية والإيطالية). نظمت عددا من المؤتمرات والندوات وشاركت كمتحدثة في عدد من التظاهرات، وساهمت في نحو عشرين برنامجا بحثيا جماعيا من تمويل مؤسسات وطنية فرنسية وأوروبية ودولية. بالإضافة إلى ذلك، انخرطت بشكل نشط في إدارة الأبحاث في القطب الجامعي ل ”أنجيه“ بصفتها مديرة مساعدة لمختبر المركز الوطني للبحث العلمي ”فضاءات ومجتمعات“، وللإطار الجامع للأبحاث ”روافد“ (تابع لدار علوم الإنسان ب ”نانت“). وهي عضو في لجنة البحث والمجلس الأكاديمي المصغر لجامعة ”أنجيه“، وعضو في المجلس العلمي لمعهد النوع، إلخ. كما أنها عضو في هيئة تحرير مجلة ”Migrations Sociétés“ (هجرات مجتمعات)، الدورية المرجعية في قضايا الهجرة، ومديرة مساعدة لمجموعة الكتب التابعة للمنشورات الجامعية ب ”رين“. وقد حظي كتابها ”نساء الفراولة.. أنامل الحوريات: الوجوه غير المرئية للهجرة المغربية الموسمية إلى إسبانيا“ لدى نشره عام 2018، بإشادة النقاد العلميين والجامعيين الذين أجمعوا على اعتباره مؤلفا مرجعيا.
وعلى الرغم من سيرتها الذاتية المتميزة، وتفوقها بشكل واضح على زميلاتها الأربع اللائي خضعن لنفس الاختبار من قبل المجلس العلمي، قرر مجلس التوجيه الاستراتيجي، المكون من ممثلين للمؤسسات الوصية على مركز جاك بيرك، يوم 31 مارس 2022 إقصاء شادية أعراب لفائدة المرشحة التي حلت ثانيا من دون إعطاء أي تعليل لهذا القرار.
ويعد هذا القرار فضيحة حقيقية لعدة اعتبارات:
أولا، كونه يمس مباشرة استقلالية البحث العلمي، ويوجه صفعة لأعضاء المجلس العلمي للقطب المغاربي من خلال التشكيك في مصداقية عملهم. وقد سهر هؤلاء الأعضاء على التدقيق في اثني عشر ترشيحا باعتماد أعلى المعايير العلمية لاختيار أربع ملفات للاختبار النهائي. ويعد الترتيب الذي نجم عن عملهم انعكاسا لتقييم شفاف وتشاركي مبني على معايير علمية واضحة. غير أن مجلس التوجيه الاستراتيجي ضرب بهذا الترتيب عرض الحائط لأسباب مبهمة.
ثانيا، كونه يميل ليكون قرارا تمييزيا. فشادية أعراب، فرنسية الجنسية، مولودة لأبوين مغربيين حاصلين على الجنسية الفرنسية. وسبق لها أن خاضت غمار الانتخابات وفازت بمقعد مستشارة بلدية عن مدينة ”أنجيه“ للولاية 2014-2020. والواقع أنه، ومنذ سنوات، أصبح المرشحون الأجانب والمرشحون المصنفون كمزدوجي الجنسية من طرف وزارة أوروبا والشؤون الخارجية، يتعرضون بشكل متزايد للإقصاء من شغل مناصب في معاهد البحث في الخارج. ومن الأمثلة على ذلك، مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية بالقاهرة، ومعهد البحوث المغاربية المعاصرة بتونس. في الحالات السابقة، تحججت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية بضرورة تسليم ”جواز وظيفي“، وهو الجواز الذي لا يحظى سوى بحماية رمزية ونسبية لدى بلدان الاستقبال.
ثالثا، كون هذه الممارسات التعسفية، التي تمس بشكل خاص مزدوجي الجنسية، تتعارض مع المبدأ الجمهوري الذي يعلي من قيمة الجدارة، ويتنافى مع معايير التميز العلمي المطلوب لتولي مثل هذا المنصب وما ينطوي عليه من مسؤوليات.
إننا ندين بشدة إقصاء شادية أعراب من تولي إدارة مركز جاك بيرك وإقصاء زملاء آخرين تعرضوا في السابق لنفس الظلم، ونطالب باحترام استقلالية البحث العلمي، واحترام التقييم الصادر عن الزملاء وفقا لمعايير أكاديمية شفافة. وبصفة عامة، نطالب بتوضيح العملية التي يتم على أساسها تشكيل اللجان العلمية ولجان التوجيه الاستراتيجي، واختيار مديرات ومدراء اللجان المختلطة لمعاهد البحث الفرنسية في الخارج. كما نطالب يإخضاع قرارات لجان التوجيه الاستراتيجي لإجبارية التعليل العلني.