صباح يوم 23 نونبر 1983 لم يكن عاديا ولم يشبه صباحا آخر بالسجن المركزي بالقنيطرة. ففي الساعة
العاشرة نودي على جمال الدين بنعمر. أخبرنا الحراس أن الإدارة توصلت بقرار الإفراج عنه بعد أن كان من المفترض أن يغادر السجن في اليوم التاسع من يناير سنة 1983.
كانت المفاجأة مذهلة لأنه لم يسبق في تاريخ الاعتقال السياسي أن أفرج عن فرد واحد من مجموعة ما،
وفي وقت لاحق سنعلم أن إدغار فور أحد الأساتذة الفرنسيين ممن يحظون بتقدير خاص من الملك الراحل الحسن الثاني تدخل لفائدته وتوسط له بالعفو.
هكذا تقبلت الإفراج عن جمال الدين بنعمر
أسعدني النبأ كثيرا وأشعرني بالغبطة، فجمال بنعمر جمعتني به هو ويونس مجاهد والمرحوم حسن
الدحمان وشائج صداقة طيبة إضافة إلى عملنا في النشاط السري بقطاع التلاميذ في تطوان. وبعد عودتنا
من سجن الشاون في أبريل 1979 سينضم إلى التيار المعارض لنهج “إلى الأمام” وسيصبح من ضمن
موقعي بيان العشرة الذي أعلن القطيعة مع تجربة اليسار المتطرف. لكنه إثر التصدع الذي حدث في
مجموعة العشرة فضل عدم الخوض في أي صراع سياسي أو نسج علاقات بحزب “الاتحاد الاشتراكي”،
مثلما هو الشأن بالنسبة إلي وإلى عبد العزيز الطريبق ويونس مجاهد وعزوز لعريش.
وبعد خروجه من السجن بمدة وجيزة صادف بتطوان، وبمدن مغربية أخرى أحداث يناير 1984 الدامية
التي سقط على إثرها قتلى وجرحى بعد تدخل قوات الأمن، وسعت الدولة آنذاك إلى تعليق مسؤولية تلك
الأحداث التي كان منطلقها ظروف التهميش والحرمان على مشجب أقصى اليسار الذي لم يعد له أدنى
تأثير في الساحة بعد أن فككت أطرافه الآلة الجهنمية للمعتقل السري درب مولاي الشريف.
إثر ذلك، قامت الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات على الصعيد الوطني، شملت عشرات المناضلين
اليساريين الذين سبق لمعظمهم أن قضوا فترات متفاوتة رهن الاعتقال، ومنهم أيضا من استفاد من العفو
الملكي، وفي ذلك السياق تم إلقاء القبض على جمال الدين بنعمر بتطوان رفقة مناضلين آخرين كانوا على
صلة بتنظيم “إلى الأمام” في مراحل معينة من حياتهم مثلما هو الشأن لأحمد الطريبق وأحمد حسني
وغيرهما.
قضى جمال بنعمر رفقة آخرين زهاء أسبوعين في أقبية مخفر “عين خباز” بتطوان في ظروف مزرية،
وهناك أقسم علانية أنه لن يسمح بتكرار تجربة اعتقاله التعسفي الأخير. وفعلا، حقق ما كان يصبو إليه، إذ بعد ذلك تمكن جمال الدين بنعمر من مغادرة المغرب سرا ليبدأ مسيرة متألقة في ميدان المعارضة
الحقوقية، خصوصا أن صديقة إنجليزية فتحت له أبواب “منظمة العفو الدولية”، مما سيجعله يقيم “بلندن”
حيث سيصعد هرم المنظمة.
وسيغادرها بدورها في نهاية الثمانينات، ليتوجه إلى “نيوريورك” حيث سيعمل بجانب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في مجال حقوق الإنسان، ثم يستقر أخيرا بجنيف ممثلا للولاية المتحدة الأمريكية في اللجنة الدولية لحقوق الإنسان قبل أن يستقر أخيرا بـ “نيوريورك” حيث سيعمل مستشارا لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ورغم العديد من الاتصالات السرية التي جرت معه للعودة إلى المغرب أو حتى في صورة سائح فإنه ظل يرفض دوما هذا الطلب حتى توفيت المرحومة والدته فجاء لتطوان لحضور مراسيم