بعد أن دخلنا في الجزء الأول من هذه السلسلة الحوارية، مع المعتقل السياسي السابق الأمين مشبال، سجن القنيطرة ليحكي لنا عن حقيقة منظمة “إلى الأمام” و تعاملها العنيف من رفاق النضال والسجن، في هذا الجزء الثاني يقربنا القيادي اليساري السابق، الذي حكم عليه بعشرين سنة سجنا نافذا قضى منها أكثر من النصف، في هذا الجزء الثاني يقربنا المعتقل السياسي السابق من أسباب التحاقه بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وهو داخل السجن المركزي بالقنيطرة ، إلى جانب رفاق آخرين عبدالعزيز طريبق و يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة و رئيس الفيدرالية الدولية للصحافيين.
كما يحكى الأمين عن التعامل السلبي و السخيف لبعض القيادات الاتحادية في تعاملها مع ملف الاعتقال السياسي بالمغرب في سنوات الرصاص.
الإلتحاق بحزب الاتحاد الاشتراكي من داخل السجن.
سبب التحاقي بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو أن علاقتي وعلاقة باقي الرفاق الذين كانوا قد انضموا للحزب من داخل السجن المركزي بدأت منذ بيان القطيعة مع “إلى الأمام”بداية سنة 1980، بحيث كانت بداية اتصالات ومراسلات مع المكتب السياسي للحزب.
ومع مرور الزمن تكونت لدينا قناعة راسخة بأن حزب الاشتراكي بحكم تاريخه النضالي وموقعه في الساحة السياسية، وعدم انغلاقه الإيديولوجي وتفتحه على مختلف التيارات الفكرية وتعايشه معها، يشكل الإطار الحزبي الذي يتماشى وقناعتنا الجديدة التي ترى بأن الإشكال الحقيقي يتمثل في النضال من أجل الديمقراطية كاختيار استراتيجي. من جهة ثانية كنا نأمل أن انخراطنا في الحزب سيشكل سندا لنا من أجل استرجاع حريتنا.
وهكذا لما توجهنا إلى المكتب السياسي سنة 1983 بطلب الانضمام وجدنا ترحيبا من طرفه.
وخلال انعقاد المؤتمر الوطني للحزب سنة 1984، تقدمنا نحن الأربعة: عزوز لعريش ويونس مجاهد وعبد العزيز الطريبق وعبد ربه، بأرضية سياسية مطولة تضمنت إشكالية النضال الديمقراطي، وقضايا مختلفة تمس جوانب حيوية من نشاط الحزب تتمثل في النقاط الآتية: (مسألة التنظيم، العمل السياسي – النقابي، العمل الحكومي، الإسلام، المرأة، الأمازيغية، الشباب، الثقافة).
اتسمت بعض المواقف المعبر عنها في تلك الأرضية بالتجديد، بل وتعارضت كذلك مع بعض أطاريح الحركة التقدمية المغربية آنذاك بما فيها الاتحاد الاشتراكي نفسه، وكانت أفكار سابقة لأوانها آنذاك كما هو الشأن بالنسبة إلى التحالف مع التجمع الوطني للأحرار أو الموقف من العمل الحكومي أو مسألة الأمازيغية على سبيل المثال.
ولعل من أهم الأفكار التي أثارتها الوثيقة والمستوحاة من تجربتنا المريرة، تحليلها لكيفية تعامل السلطة مع المجموعات المتطرفة.
فذهبنا إلى كون “تطرف المجموعات الهامشية لا يخيف السلطة بل يؤدي لها أحيانا دون أن تدري خدمات جليلة. ففي ظروف السخط الجماهيري، وضعف تأطير القوى الديمقراطية للحركة الجماهيرية يشكل مبررا له “مصداقيته” للقمع وتطوير أساليبه في مواجهة القوى الديمقراطية..
كما أنه باسم محاربة شبح الجماعات المتطرفة تسمح السلطة لنفسها بالتحكم في زمام الأوضاع كلما ظهر لها خطر تنامي وزن وتأثير الحركة الديمقراطية أو إمكانية انتزاعها مكتسبات جديدة”.
أما فيما يخص المسألة الأمازيغية فقد رأت الوثيقة أن عملية إحياء وحفظ وتطوير عناصر الثقافة المغربية الأمازيغية، وخلق أسباب الازدهار لها مسألة ضرورية لتطوير غنى الثقافة الإسلامية المغربية، بل وإغناء للثقافة العربية المعاصرة. كما اعتبرت الوثيقة المذكورة أن محاولة طمس عملية تطوير الثقافات المحلية وتفتحها مسألة تؤدي إلى تمزق وتهديد الوحدة الوطنية.
ولا يجب أن نغفل أن كثيرا من التدخلات الأجنبية في الظروف التاريخية الحالية في مناطق متعددة من العالم تنفذ إلى جسم الوحدة الوطنية من إشكاليات التعبير عن خصوصية ثقافية أو إثنية لا تكون قد وجدت حلولا ديمقراطية لها في إطار الجسم الأم.
باختصار، حققت إسهاماتنا تلك صدى إيجابيا، إذ تم توزيع أجزاء منها على المؤتمرين، بل تبنى المؤتمر الرابع الورقة المتعلقة بالثقافة.
مغادرة يونس مجاهد السجن
غادر في التاسع من يناير 1986 بعد أن أكمل عقوبة 10 سنوات كاملة، وبقي عبد ربه المحكوم آنذاك ب 20 سنة رفقة الطريبق ولعريش المحكومان بـ30 سنة. ثم سيلتحق بنا كمجموعة اتحادية كل من المرحوم محمد اللبناني وفزوان مصطفى.
العلاقة مع الحزب
ظلت علاقتنا مستمرة بالحزب بحيث كنا نساهم بين الحين والآخر في منابره الإعلامية، كما كنا نتلقى زيارة بعض مناضلي الشبيبة الاتحادية …
حلحلة الملف
فيما يتعلق بالدفاع عن ملفنا أمام كبار المسؤولين في الدولة، باعتبارنا أعضاء جدد في الحزب لهم خصوصيات سياسية، فلم نلمس وللأسف الشديد، سوى بعض النصائح السخيفة من قبيل “الصبر” و”توسيع القشابة” التي دعانا للتحلي بها الأستاذ عبد الواحد الراضي. ذلك الموقف السلبي جعلنا نقتنع بصواب المثل المغربي القائل:” ماحك جلدك مثل ظفرك”.
وهنا تجدر الإشارة إلى أننا كنا ضمن صفوف الاتحاد الاشتراكي لما تم في صيف 1984 الافراج عن عشرات المعتقلين من مجموعتنا، ولم نستفد من العفو الملكي كما لم يستفد منه مناضلون آخرون من “23 مارس” التي انخرطت في النضال السياسي العلني باسم “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، كان أبرزهم المرحوم عبد السلام المودن وعلال الأزهر وعبد العالي بنشقرون