لا شيء يوحي للوهلة الأولى بمشكلة تثيرها عبارة “الجميع يحتاج إلى السلام” المكتوبة باللون الأحمر على لافتة بيضاء عند مدخل مطبعة صغيرة في موسكو، لكنها فعلياً بمثابة ثورة في الجو القمعي الذي تشهده روسيا توازياً مع غزوها لأوكرانيا.
قبل بدء الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا، كان صاحب المطبعة سيرغي بيسوف جزءاً من مشهد فني مزدهر متمركز حوله في مصنع تم تحويله إلى مركز للطباعة في شمال موسكو.
وباستخدام مطبعة قديمة بالأحرف السيريلية الخشبية الضخمة وحبر أحمر عتيق، ابتكرَ بيسوف ملصقات مفعمة بالحنين إلى الماضي، مع شعارات محدثة على الطراز السوفياتي.
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على دخول القوات الروسية إلى أوكرانيا في أواخر شباط/فبراير، لا يزال بيسوف مستمراً في عمله، لكن ملصقاته هذه الأيام تتخطى كونها مجرد شعارات ملفتة للنظر.
فعلى أحد ملصقاته، يمكن قراءة جملة “الجميع يحتاج إلى السلام”، فوق مدخل مطبعته.
واستقطب بيسوف (45 عاماً)، اهتماماً فورياً عندما بدأ في الأيام الأولى للهجوم العسكري الروسي في طباعة ملصقات “لا للحرب” في المتجر.
وحصد مقطع فيديو يظهر عملية إنجاز ملصق مناهض للحرب 3,6 ملايين مشاهدة على “إنستغرام”.
ويقول “لم يكن واضحاً ما إذا كان سيتم تطبيق الأحكام العرفية… كان الجميع في حالة ذعر”.
وتوقّف بيسوف عن عمل ملصقات “لا للحرب” بعد أن اعتمدت روسيا قوانين رقابة جديدة صارمة، ما جعل من غير القانوني الإشارة إلى التدخل العسكري في أوكرانيا على أنه حرب، وفرض عقوبات بالسجن على من ثبتت إدانتهم بتشويه سمعة الجيش الروسي.
واستعاض عن ذلك بطباعة ملصقات عليها عبارة “الجميع يحتاج إلى السلام”، لكنّ الشرطة دهمت، مع ذلك، الموقع في أوائل آذار/مارس، وأوقفت امرأتين تعملان في المكان.
مخاوف وأحلام
يقول “لقد كانتا متوترتين للغاية”. وتنتظر المرأتان حالياً معرفة ما إذا كانتا ستواجهان أي اتهامات.
ويوضح بيسوف أن المطبعة أخذت إجازة لبضعة أسابيع في آذار/مارس، “ببساطة بدافع الخوف”، لكنها عادت للعمل مرة أخرى.
في أحد أيام الربيع الأخيرة، كان بيسوف في شوارع موسكو يضع نظارات شمسية ويرتدي قميصاً أسود، مستخدماً فرشاة طلاء لوضع الغراء على إحدى ملصقاته أمام جدار من الطوب مغطى بالكتابات على الجدران.
بمجرد وضع الغراء، علق ملصقاً مكتوباً عليه “عندما تُوجد الأحلام، تتواجد معها رحلات.
وقرر عشرات آلاف الروس القيام برحلات باتجاه واحد منذ بداية الصراع، إذ فروا من البلاد من دون خطط للعودة.
لكن بيسوف يقول إنه يخطط للبقاء.
ويوضح “اليوم الملصقات تدور حول ما يحدث لنا. هي تتناول الخوف. وحمل أول ملصق أنجزناه بعد فترة الاستراحة شعار “الخوف ليس سببا للوقوف متفرجين”.
وشعارات الملصقات غامضة وغريبة ومليئة بالكلمات التي تتعذّر المجاهرة بها صراحة، بينها على سبيل المثال: “الموجة ستكتسح كل شيء”، و”المهم ألا تفقد نفسك”، و”كل جدار له باب”.
وكُتبت على أحد الشعارات عبارة “التنافر المعرفي”، في إشارة، وفق بيسوف، إلى عدد الأشخاص في موسكو الذين يعيشون حياتهم الطبيعية، بينما “أصدقاؤنا هناك (في أوكرانيا) يعيشون المعاناة”.
ويضيف “الأسوأ من ذلك، بتنا ندرك أن الجميع يعتاد على الوضع”.
على الرغم من شغفه بعمله، إلا أن بيسوف غير متأكد من المدة التي يمكنه خلالها الاستمرار بتشغيل مطبعته أو طباعة الملصقات.
ويتمثل نشاطه الرئيسي في طباعة القرطاسية وبطاقات العمل ذات النوعية العالية في ورشة عمل أخرى قريبة. لكن في ظل العقوبات الغربية، سيكون من المستحيل قريباً العثور على الورق الجيد لاستخدامه في الأعمال التجارية في موسكو.