خلفت ” بطولة كأس العرب” منذ ولادتها ردود فعل متباينة في الأوساط الرياضية والثقافية والسياسية والقانونية الكروية كذلك، وإبان إقامة النسخة الجديدة بعد 10 سنوات من الغياب في قطر، خلق نقاش واسع حول هذه البطولة، هذه التسمية في حد ذاتها”كأس العرب” أعلنت عن نفسها لتكون مثار جدل واسع، بين مؤيد “للإسم” ومعارض له، خاصة وأنها أقيمت هذه المرة ولأول مرة تحت مظلة الفيفا، ليطرح السؤال حول شرعية هذه المظلة من الباب القانوني، قبل أن يطرح حول شرعيتها من الباب الثقافي، ثم الرياضي، فالسياسي.
يرى المعارضون أن تسمية “كأس العرب” تلغي باقي الألوان الثقافية في شمال إفريقيا بالخصوص، من أمازيغ وأقباط وغيرهم، في هذا الباب، يقول الباحث أحمد عصيد ” يحتج الأمازيغ والكورد والأقباط والزنوج والأشوريون وغيرهم من القوميات المتواجدة على خريطة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، على تسمية “كأس العرب” التي أطلقها عرب الخليج على الدوري المنظم حاليا بقطر، أقول عرب الخليج لأن “الفيفا” لم تطلق على الكأس إسم “كأس العرب” بل أسمتها الكأس العربية Arab Cup أو بالفرنسية La coupe Arabe، لكن إخواننا العرب” الأقحاح”، أبناء الجزيرة الصحراوية، ارتأوا تسميتها بـ”كأس العرب” احتفاء بعرقهم وأصولهم و”أنسابهم”، دون أن يهتموا بمشاعر غيرهم من الأقوام، ولا بتناقض التسمية مع الروح الرياضية العالمية لكرة القدم، فتسميات الكؤوس الكثيرة عبر العالم تطلق على أساس ترابي ـ جغرافي وليس عرقي، فهناك “كأس إفريقيا” و”كأس أوروبا” و”كأس أميركا الجنوبية” و”كأس آسيا” و”كأس العالم”
في ذات الإطار نشر موقع 360، مقالا بالفرنسية بعنوان، ” نهائي كأس البربر ” ، معتبرا أن الأمازيغ متجدرون في شمال افريقيا، وما وصول تونس والجزائر إلى نهائي البطولة إلا دليل على أن كأس العرب ليس عربيا بالمرة، وإستغرب المقال كون أن هناك من لا زال يدافع عن تمجيد أعراق والتقليل من قيمة أخرى، وهي عقليات يقول المقال أنها تمارس تعسفا وعنفا رمزيا على باقي المكونات المقصية بطريقة غير مباشرة ومباشرة في الٱن نفسه.
وفي ذات السياق يرى المعارضون أن هذا الاختلاط بين اعراق اللاعبين في حد ذاته، تحت مظلة كأس العرب هو طمس للهوية وارتماء في أحضان أخرى تفرض نفسها بالقوة من طرف من يسميهم عصيد ” بعرب الخليج” او عرب ” الجزيرة العربية” .
في الطرف المؤيد، يقول المنظمون من خلال الرسائل التي تبث عبر وسائل الإعلام الشريكة في هذا الحدث، وعبر مختلف البرامج التي تبث في الإعلام السمعي البصري أو تكتب في الصحف الورقية او الالكترونية، القطرية منها والعربية، يقول أنها كأس تحمل رسائل رياضية سامية، هدفها الجمع والألفة بين العرب، بعدما فرقتهم السبل والأسباب، كالصراعات السياسية والخلافات الديبلوماسية وهلم جر من مفترقات الطرق بين العرب.
وتسعى البطولة حسب منظميها للمزج بين ثقافات هذه الشعوب التي تجمعها بعض المكونات الأساسية، كالثقافة والدين واللغة والفن والجغرافيا والإرث التاريخي وغير ذلك، كما ترحب بباقي الأعراق في كنف البطولة، ولا تطلب فحص الحمض لمعرفة العرق،” مثلما طلب عصيد في ذات السياق”، بل ترحب بهم كممثلين لدولهم التي تتوفر فيها مواصفات العروبة، او تلك التي تكون العروبة إحدى مكونات تكون ثقافتها وزادها البشري، وخاصة دول شمال إفريقيا، كالمغرب والجزائر وتونس الخ .
ونشر موقع “كول ” في مقال مطول ما اعتبره مزايا “كأس العرب”، مؤكدا أنها كأس ترفع الحدر على منتخبات لم تشارك في بطولة من هذا الحجم مند مدة بسبب الصراعات السياسية والأزمات المتتالية، ومن زمرتها الكرة السورية والكرة العراقية وغيرها، ومشيرا كذلك إلى رمزيتها المتمثلة في الجمع بين القلوب المتخاصمة أو المتصالحة حديثا، والحديث هنا عن دول الخليج المثمثلة في قطر والامارات والسعودية بعد الأزمة الديبلوماسية الاخيرة.
في الباب القانوني، هناك بند واضح في قوانين الفيفا يمنع إقامة البطولات التي تقام على أساس عرقي، وما شفع لهذه البطولة كونها “بروفا استعداد لمونديال العالم 2022 بقطر”، لكن رئيس الفيفا بعد نهاية هذا العرس الكروي أكد أن ” كأس العرب فرضت نفسها” وأشار إلى إمكانية دعم الفيفا لاستمرار إقامتها في نسخ أخرى، بل أشر رئيس الفيفا على إقتراح سيقدمه رسميا لهيئات الفيفا من أجل إعتماد اللغة العربية في الفيفا بشكل رسمي، وذلك بعد طلب رسمي من قطر و الاتحاد العربي لكرة القدم إلى جانب شركاء ٱخرين، مؤشرات يرى المؤيدون لهذه البطولة، أنها يجب أن تكون مصدر فخر للجميع، في أفق النضال من أجل تحقيق مطالب جميع المكونات العرقية والثقافية الأخرى.
وتباينت الآراء في مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك من أتفق مع عصيد ودعى إلى إقامة بطولة مشتركة أطلق عليها إسم ” كأس شمال إفريقيا والشرق الأوسط” وهناك من اعتبر أن للعرب حق في الاعتزاز بثقافتهم، واقامة بطولة تجمعهم مع الدول التي تشاركهم العروبة حتى لو كانت في شمال إفريقيا كمكون من المكونات فقط، ومؤكدين ان احتفال العرب بأنفسهم لا يلغي الثقافات الأخرى أو يطمسها، فالمغرب مثلا هو بلد عربي وأمازيغي في نفس الوقت، وبالتالي عندما يتعلق الأمر بكأس العرب، فالمغرب يشارك ليمثل لونه العربي مع استحضار باقي الألوان، فالحركة الامازيغية عندما تدافع عن قضاياها لا تلغي المكون العربي في توجهاتها السليمة.
في حين اعتبر أخرون ان تغيير هذا الإسم هو الكفيل بمنع التعسف الذي يطال باقي المكونات الثقافية، وخاصة في دول شمال إفريقيا، التي تعترف دستوريا بوجود مكونات أخرى، ولها في التاريخ حكايات تؤكد أن دول شمال إفريقيا تعتبر مسرحا للثقافات والاعراق المختلفة، وبالتالي وجب إعادة النظر في هذه التسمية لتشمل الجميع.
بين مؤيد ومعارض، يبقى النقاش مفتوحا في هذا الموضوع، وتبقى الٱراء متباينة، وتخضع لمنطق التدافع الفكري، في أفق إيجاد صيغ مستقبلية ترضي جميع المكونات وتدفع بالمنطقة للتراص والتٱلف، والبحث المشترك عن خدمة الأوطان والقضايا المشتركة التي يمكن أن تدفع بالجميع إلى الامام، دون إلغاء أي طرف بشكل عفوي أو مقصود، ودون حتى إحساس بالتهميش أوالإقصاء.
في نهاية المطاف نصرة وانتصار الانسان والأوطان هو الهدف الأساسي، وبناء الإنسان هو الكفيل ببناء الوطن، وقطر في تنظيمها المحكم لهذه البطولة، قدمت في هذا الباب الأخير، ما يستحق التبجيل والتأمل المنبهر والاحترام الكبير والشكر الجزيل دون تعليق.