- هذا الخطاب هو شهادة اجتياز اختبار القوة الذي حاولت ممارسته على الملك، الاستخبارات الفرنسية بالتواطؤ مع “دول شقيقة”، من خلال منظمة فوربيدن ستوريز والصحافة الفرنسية، وحاولت من خلاله اختبار الثقة بين الملك، ورجال ثقته، والشعب.
وبالتالي فهو يستحق أن يسمى ب”خطاب المؤسسات”، والذي حاول من خلاله الملك رسم المغرب الذي سيكون عليه في ال30 سنة القادمة، مغرب المؤسسات وليس الأشخاص، حيث الالتفاف سيكون حول “ملكية برلمانية”، على الطريقة المغربية أو كما سماها ب”الملكية المواطنة”، وحيث المؤسسات الامنية ستكون أساس هذا المغرب القادم، وستكون “السلاح” الذي يحمي أمن الوطن، والمواطنين.
المثير في هذا الخطاب هو إشارته الى المكون الأمازيغي كمكون أساسي في المجتمع المغربي، وإلى قدرة النظام الملكي تجميع هذا المكون على تنوعه ولمدة أربعة قرون، وهي إشارة ضمنية الى ان الملكية تحافظ على المغرب بعيدا عن نزعات التقسيم باسم الاثنيات، وايضا اشارة للجزائر بأن المغرب الذي يسعى للتوحيد ابعد من ان يدعم الراغبين في الانفصال عن الجزائر باسم الأمازيغية.
كذلك، تعمده تجاهل الإشارة الى الجزائر في الخطاب، بعد خطاب العرش والذي يمكن ان يوصف بانه “النداء الأخير من المغرب الى الجزائر، يظهر ان المغرب طوى صفحة الجزائر، وأنه من الان فصاعدا لا حديث مع الجزائر إلا في ظل اتحاد مغاربي يحترم فيه الشركاء الدوليون بمن فيهم الأوروبيون وحتى “الأشقاء الخليجيون”، انظمة الحكم في المنطقة المغاربية، وخصوصيتها.
كما أن تعمد الملك ذكر أسماء رئيس حكومة إسبانيا، ورئيس فرنسا، هو اشارة الى ان هؤلاء شركاء تقليديون و اساسيون في العلاقات الدولية مع المغرب مهما عصفت بهم الازمات، وان عليهم هم وغيرهم تقبل “التغيير” على الطريقة المغربية، وليس على طريقتهم، وهو ما يعني ايضا ان المغرب غير مستعد فقدان حريته في استقلال القرار، وانه يحرص على ادارة شؤونه الداخلية، والدولية على طريقته، وليس على طريقتهم وهو ما يمكن اعتباره دعوة ضمنية أخرى للمعارضين والنشطاء المغاربة الى أن المغرب منفتح على كل الآراء، والمواقف، شرط الا تكون مفروضة بطعم الأجنبي.
ايضا فيما يخص تذكيره بالعلاقات الخاصة والشخصية بما كرون فهي بغض النظر عن انها رد على اتهامات الصحافة بتنصت الملك على ماكرون، قد تكون أيضا دعوة او تأكيد من الملك لماكرون على انه يدعمه في الانتخابات القادمة.
وفي نفس الإطار، اشارة الملك الى “ترهل الدولة”، في بعض الدول بمن فيها فرنسا(تلميحا)، وكيف انها باتت ضحية اجهزتها الاستخباراتية، التي بلغها المال الاجنبي لدرجة محاولة خوصصة الاجهزة الامنية، كانت اشارة قوية في هذا الخطاب، وتلميحا الى ان #المغرب يعي جيدا بان قضية بيغاسوس كانت قضية صراع استخباراتي اعتقد أصحابه ان تغليفه بغطاء الصحافة، ومنظمات المجتمع المدني كفيل باسقاط الانظمة التقليدية، او اقله إخضاعها لهذا الوافد الجديد”تحكم الشركات في الدولة”.
اذن؟ ماذا بعد هذا الخطاب؟
اجتاز المغرب اختبار القوة، والثقة، وتجاوز بيغاسوس، وتحديات أخر، لكن هذا لا يجب ان ينسينا ثلاثة أمور اساسية:
-ضرورة التأسيس لما يمكن تسميته ب”التربية الأمنية”، وجعلها جزءا في نظام التعليم المغربي واعتبارها مرحلة للانتقال من دولة المخزن المعتمة ب”الاجهزة، لخوت، صحاب لحال، العفاريت”، الى دولة المؤسسات حيث يفهم المواطن جيدا أن الدولة العميقة هي الاساس، او كما جاء في الخطاب”الأمن والاستقرار نعمة”، وبذلك يتم “تحصين” المواطن مما وصفه الخطاب ب”وسائل التأثير الضخمة”.
-الاستفادة من دروس فوربيدن ستوريز، وفهم ان المغرب عليه أن يتصالح مع صاحبة الجلالة، وان يؤسس لصناعة صحفية حقيقية تكون صمام أمنه وأمانه، بدل صحافة تتكل على دعم الدولة لدرجة عدم التردد في ابتزازها، وتجعل من رأسمالها التودد لرجال الأمن، وابتزاز رجال الأعمال، والتشهير بالسياسيين، وغيرهم، كذلك يجب على المؤسسات الصحافية (المجلس الوطني للصحافة النقابات…الخ)، تطوير عقليتها، وطرق اشتغالها، وان تكون مساندا للدولة في حماية أمن الوطن(بما انها تحصل على الدعم من الدولة والذي هو مال عام)، وأن تقوم بدورها الحق في الوساطة بين الدولة والصحفيين، لا اتباع سياسة النعامة، خاصة وأن فوربيدن ستوريز تتصرف مثل اي منظمة ارهابية تستقطب شبابا لتحولهم الى انتحاريين وهو ما تفعله فوربيدن ستوريز حين تدفع الصحفي الى الهلاك كما فعلت مع عمر الراضي، بدل توفير الحماية له كما تفعل كل المنظمات الصحفية الحريصة على التدربب على الأمن الصحفي.
-الوعي بأن “ثقافة التسريبات” من داخل المؤسسات الحساسة(جيش، شرطة، مخابرات…)، والتي أسس لها عسكري أمريكي، ويعد سنودن واحدا من أتباعها، بدأت تتحول الى حركة_فكرية وانه وحدها صحافة وطنية تتمتع بقدر من الاحترافية، والحرية، والجرأة، قادرة على استيعاب هذه “الحركة”، ومنع كل محاولة لهدم عملية بناء المؤسسات وهذه المرة من داخل الدولة العميقة نفسها!!