ينتعش الإقبال في شهر رمضان المبارك على الإنصات للمدائح النبوية والأناشيد الدينية ومقاطع السماع الصوفي التي تشكل واحدة من تجليات الفن الإسلامي الذي يسمو بأرواح المنصتين إليه، ويحيي في قلوبهم جذوة الشوق إلى ذكر الله وما والاه.
ولأن المناسبة شرط كما يقولون، فإن شهر رمضان المبارك يشكل مناسبة لاستحضار حضور المغرب في المدائح والأناشيد الدينية التي أداها فنانون أجانب في حقه باعتباره مملكة يدين أهلها بالإسلام وشكلت على مر العصور مهوى لأفئدة المؤمنين سيما من أتباع الطرق الصوفية التي نشرت دين الله في عدد من بقاع الأرض.
والواقع أن العديد من هؤلاء المادحين تغنوا بالخصائص الدينية للمملكة، وبجهود ملوكها وأهلها في خدمة الدين الإسلامي، وتكريس إشعاع نموذجها الوسطي المعتدل المتسم بقبول الآخر وضمان الحق في الاختلاف وإشاعة قيمة التسامح.
– المصري أحمد برين: هناك ضوء كثير هنا !
ولعل من أبرز من تغنوا بالمملكة في هذا الصدد، المنشد المصري الضرير الراحل، أحمد برين، الملقب بشيخ المداحين، الذي يعرف بحنجرته الذهبية ومدائحه المتعددة التي تتغنى بالشمائل المحمدية وبالتجارب الروحية وبقصائد السادة المتصوفة من كل الأزمان.
وعلاقة بالمغرب، يحكي غير واحد من المهتمين بتراث الشيخ برين وإسهاماته في إشاعة فن المديح والسماع، عن الزيارة التي أجراها إلى المملكة ذات مهرجان، والتي لم يجد خلالها بدا من تضمين إحدى مقطوعاته تحية سلام لملك المملكة جلالة المغفور له الحسن الثاني “حفيد طه الزين”، ولشرفها “الذي لا يختلف فيه اثنان”، ولأهلها “رجال الليل” و”خيار الناس”، وللطابع الروحاني لمدينة فاس.
ويكفي زوار موقع (يوتيوب) نقر عبارة “شيخ المداحين أحمد برين في المغرب” على خانة البحث ليتابعوا مقطعا تفوق مدته نصف ساعة، ويشنفوا أسماعهم بصوت أحمد برين وهو يتغنى بقصائد الشيوخ المتصوفة قبل أن يصل في منتصفه إلى أنشودته باللهجة المصرية “يا دليل” والتي ضمنها بشكل مرتجل عبارات تحتفي بالمغرب.
ومما ارتجله الرجل يومها “بكتابي أنا أكتب، بقلمي أنا أكتب. ألفين تحية للمغرب. اللي سكنوها رجال الليل”، و”شرف المغرب يا زين.. ما يختلفوش فيها اثنين”، و”أسيادي خيار الناس.. سكنوا مدينة فاس”.
والذين سمعوا عن زيارة برين تلك للمملكة ما فتئوا ينقلون عن الشيخ عبارة بليغة صدرت عنه عندما كان في كنف مدينة فاس العتيقة حين قال “هناك ضوء كثير هنا”. وكلمة الضوء هنا لا تحيل على ضوء الشمس فالرجل كان ضريرا مذ فقد بصره في سن الثالثة، وإنما تحيل على النور الذي استشعره الرجل ببصيرته في مدينة فاس العريقة حاضنة القرويين ومجالس العلماء وزوايا المتصوفة.
– السنغالية سيدة بنت تيام.. التيجانية صلة الوصل
نموذج آخر للمداحين الذين لم يألوا جهدا في الاحتفاء بالمغرب، “مملكة النور”، تقدمه المنشدة السنغالية، سيدة بنت تيام، مؤسسة فرقة الأحمدية النسائية للمديح النبوي. لا تخفي هذه المرأة عشقها للمغرب، وهي التي تربت في كنف الطريقة التيجانية بالسنغال بكل ما يعنيه ذلك من التنشئة على حب المغرب ومدينة فاس أساسا التي تحتضن ضريح الشيخ أحمد التيجاني، مؤسس هذه الطريقة، التي يعد أتباعها بالملايين، لاسيما في منطقة غرب إفريقيا.
سيدة بنت تيام عبرت في حديث سابق لوكالة المغرب العربي للأنباء بدكار عن تعلقها بالمملكة المغربية وأهلها، وتقديرها للعلاقات التاريخية والدينية العريقة التي تجمع البلدين الشقيقين. وهو عشق قالت إنه راجع لأمرين أساسيين، أولهما أن المغرب مملكة أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم، وثانيهما أن المملكة، ومدينة فاس، أساسا، تحتضن ضريح شيخ الطريقة التيجانية الذي يحظى بتقدير بالغ بين أتباعه في السنغال.
وفصلت بنت تيام في سيرة هذا العشق للعاصمة الروحية للمملكة، إذ تقول إن بها مقام “شيخي سيدي أحمد التيجاني الذي أعتبره وسيلتي إلى الله وموجهي بعد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم”.
وفي هذا الصدد، خصت الفنانة السنغالية المغرب بهدية من نسيج ما تتقنه وهو الإنشاد، حيث اجتهدت رفقة فرقتها في إصدار فيديو كليب، تتغنى فيه بقصيدة الشيخ أحمد التيجاني التي نظمها عند زيارته للمملكة المغربية، “يا سعد زائر المملكة المغربية”.
ويرصد الفيديو الذي يحمل عنوان “المملكة المغربية”، صور الجمال ومعالم الجلال بالمغرب بمختلف مواقعه السياحية الدينية أساسا، من قبيل صومعة حسان بالرباط، ومسجد الحسن الثاني بالبيضاء، ومسجد الكتبية بمراكش، وضريح الشيخ التيجاني بفاس، وغيرها.
– والقائمة تطول
على أن الشيخ المصري أحمد برين والسنغالية سيدة بنت تيام، ليسا سوى نموذجين لمن تغنوا بالأبعاد الروحية والدينية للمملكة، وإلا فإن عدد المطربين الذين تغنوا بجوانب أخرى من خصائص المغرب وطبيعته وكرم سكانه أكثر من أن يعد، وعلى رأسهم قامات من قبيل عبد الحليم حافظ وفيروز وماجدة الرومي وكاظم الساهر وغيرهم كثير.