تعرف الأمم المتحدة الشباب على انهم الأشخاص ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، ويستلزم هذا التعريف الموجه احصائيا للشباب، بدوره، اعتبار الأشخاص دون سن الرابعة عشرة أطفالا.. في هذه المرحلة ، تطرأ سلسلة من التغيرات على المستويين الداخلي والخارجي للفرد، فتتبلور شخصيته، و ينمي من قدراته، و يكتسب مهارات جديدة…، لكنها في الوقت ذاته مرحلة عصيبة قد تغير من سلوك الفرد و قد تقوده أحيانا الى الهاوية ، بسبب عدد من التغيرات العصية من ناحية التعامل معها، خصوصا في سن الزهور، كحالة الغضب و عدم الاستقرار أثناء النشاط البدني و العاطفي جراء التحولات الهرمونية من الناحية الفسيولوجية، أو الفضول و التقليد الأعمى الذي قد يسبب مشاكل في بعض الأحيان، ليصل بهم الأمر الى مخالفة القانون و ارتكاب جرائم و المثير للجدل ان بعض المراهقين لديهم مستويات جريمة مماثلة للبالغين و لا يشعرون حتى بالذنب .
‘ قبيل عيد الأضحى المبارك، من عام 2013 دخلت السجن وأنا أبلغ من العمر 14 عاما فقط، كنت صغيرا مشاغبا، حريصا على مصادقة البالغين، حتى أصبحت مدمنا على التدخين وتناول القرقوبي، حكم على بسنة نافذة حبسا، بسبب تهمة حمل السلاح الأبيض والسرقة، في أولى محاولاتي التي أودت بي الى دخول السجن ‘.
(هكذا يروي الشاب محمد البالغ من العمر عشرين عاما من مدينة مراكش لجريدة لوبوكلاج الالكترونية، قصة دخوله السجن بسبب الطيش والرفقة السيئة في وقت كان فيه الأطفال من عمره يدرسون في أقسام المدارس ويستكشفون العالم من حولهم. لكن فعلته هاته قادته للتهميش داخل أسوار السجن الذي يعتبر مرتعا للمنحرف – والفاسد لا الطفل!
أرقام مخيفة
أفاد تقرير المرصد المغربي للسجون المقدم في أحد الندوات الصحفية التي جرت عام 2019 بالعاصمة الرباط، عن تسجيل وجود 3579 سجينا تتراوح أعمارهم بين 18 و20، وقرابة 37 ألفا و 588 سجينا تتراوح أعمارهم ما بين 20 الى 40 سنة، و23 الفا و940 سجينا تتراوح أعمارهم من 30 الى 40، فيما يصل عدد السجناء الأقل من 18 عاما الى 1224.
وقد أفادت معطيات رسمية بأن الشباب هم الأكثر عودة لارتكاب الجرائم بنسبة 81،38 في المئة، وقد وصفت الوضعية بالكارثية وأوضحت أن الشباب المتراوحة أعمارهم بين 18 و40 سنة هي الفئة الأكثر عودة الى اقتراف أفعال إجرامية، لأسباب تتمثل في المشاكل المالية بنسبة 42،2 بالمئة، والمشاكل الأسرية بنسبة 39 بالمئة، والإدمان على المخدرات بنسبة 30،1 بالمئة، الى جانب الفشل الدراسي 26 في المئة، فكلما كان المستوى الدراسي منخفضا كلما ارتفعت حالات تكرار الجرائم.
جاء ذلك في دراسة ميدانية نظمتها المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج حول ” ظاهرة العود بالسجون المغربية “، المنجزة من قبل محمد بوزلافة عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة بفاس عام 2019.
طيش فادح الثمن
“بدون وعي مني، حكم علي بالسجن ثلاث سنوات، جراء تدوينة تسيء لشخص الملك، نشرتها على حسابي الخاص على الفايسبوك، و ماهي الى أيام قليلة ،فكانت المفاجئة، سيارة الشرطة تقف أمام باب المنزل ، صفعني الواقع، لازلت أتذكر مشهد القبض علي مكبل اليدين و الجميع يشاهد مذهولا.
هشام 21 عاما من مدينة سطات سجين سابق.”
ان الحديث عن الطيش يستلزم استحضار البعد النفسي من اجل دراسته و تفسيره، باعتباره مظهرا من مظاهر دخول الطفل في فترة المراهقة (التهور ، المجازفة و الاستهتار…) ،والتي يكتشف فيها سلوكيات جديد و يحافظ على أخرى طفولية، كجذب الانتباه و تبني شجاعة غير اعتيادية ، و الاقدام على الافعال المتهورة التي قد تعرض حياته للخطر…، ومن هنا يؤكد خبراء الطب النفسي ان مخ المراهق يختلف عن الكبار ، بحيث ان النضج في الأجزاء الخلفية لمخ المراهق، يتجه تدريجيا نحو الأجزاء الامامية منه، فيكون الفص الامامي من المخ هو اخر الأجزاء التي يصيبها التطور و النضوج عندما يبلغ الانسان سن النضج و هنا يكمن تفسير كل تلك التصرفات الغريبة التي يقدم عليها الشاب في سن المراهقة، ومع التقدم بالسن و ازدياد نضوج الفص الامامي للمخ يكف المراهق تدريجيا عن افعاله الطائشة.
الشيء الذي يستلزم الحرص على التربية المبكرة او التمدرس المبكر والتواصل الفعال الذي يقي من تفاقم مثل هذه التصرفات.
البقاء للأقوى
“هناك، المرء بين نارين، ومن الصعب عليك البقاء حيا، كان يكفيني لأستمر في العيش أن أتوفر على أبسط حوائجي التي كانت تنزع من بين يدي بالقوة، كقفة الطعام التي كانت تأتيني بعد زيارة أمي، لازلت أتذكر معركة جرت بين رجلين بسبب قلة الطعام، كاد أحدهما أن يفارق الحياة، لولى تدخل العناصر الامنية. يوما السبت والأحد هما الأسوء، لا يكون لدينا الحق في استنشاق الهواء في ساحة السجن فكنا نبقى في جحيم الزنزانة اناء الليل وأطرف النهار…”
حسن 30 عاما، سجين سابق من مدينة فاس
يصدم السجين بعد اكتشافه لحقيقة السجن المرعبة، ويجد نفسه في حالة حرب من اجل البقاء، العدو فيها متعدد، تأنيب الضمير، الزمن الفائض والمهدر، رفقاء الزنزانة، معاملة السجان وباقي الموظفين..
ومع مرور الأيام التي تصور حقيقة الموت البطيء، يجد السجين نفسه في حالة حيرة و انقسام واضح في الشخصية عندما يجد نفسه مرغما على الاختيار بين الخير و الشر ، و التحلي بالصرامة و الصمود امام اختبار الزمن و صناعة القرارات و لو على معايير هشة، من اجل البعث من موت الحجز الى نور العالم الخارجي، يقول احد السجناء السابقين : “في الوهلة الأولى تعتقد انك ذكي و صعب لدرجة انك تستطيع التعامل مع كل ما يقذفك به القدر، لتجد ان كل صباح يوقظ احتمالية وقوع كارثة، فالسجن عالم في حد ذاته، فيه يتسرب الهدوء و البرد و الفراغ معا الى عظامك ثم عقلك في النهاية و الحل في الصمود من اجل النجاة .”
فراغ لا يطاق
“عندما وطأت قدماي هذا المكان المغلق والمظلم، كان لي من العمر 17 عاما، حكم علي ب 40 يوم، ولو ان المدة على ما يبدو قصيرة ولكنني شعرت بالذنب والندم على إضاعة كل هاته الأيام، الدقيقة كالساعة، ليس هناك أي تنظيم لجريان الزمن داخل السجن، صحيح ان السجن لا يقتل لكن الوحدة والاكتئاب كادا أن يميتاني، كنت أجد صعوبة في المقاومة لا ازال أتذكر الكوابيس التي رأيتها بأمي عيني وأنا مستيقظ لكن مروري بمثل هذه التجربة جعلني اوقن عدم اعادتها مجددا مهما كلفني الثمن.”
سفيان سجين سابق من مدينة مراكش.
يقول د. الطيب بوعزة: ” الزمان اما ذو كينونة واقعية خارجة عن الذات، او نتاج الذات. المؤكد ان الانسان يدركه ويستخدم مؤشرات وأدوات لقياسه “، لكن بيئة السجن المغلقة ، التي تنعدم فيها اشكال العيش الكريم، و تسكنها المخاطر و الصدمات ، تساهم في تعميق الشعور بجمود الوقت و الفراغ الامنتهي، خصوصا اذا كان المحكوم عليه في غفلة عن مدة عقوبته و بالتالي لن يستطيع الاستعانة بجهاز حاسب للوقت .
يصبح الفراغ خطرا اذا تحول الى اكتئاب، يفتقد معه السجين الشعور بطعم الحياة في حلوها و مرها، و يتشابه عنده الليل بالنهار ويتذوق طعم الندم الذي قد يقوده في نهاية المطاف الى نهايته. مع ذلك يمكن التقليل من حدة الوحدة والفراغ داخل الزنزانة من خلال القراءة مثلا او التنظيف او التريض او حتى الجلوس مع باقي الرفقاء والتحاور ومشاركة الطعام والشراب… كما يعتبر النسيان حلا مجديا ولو لفترة محددة خصوصا إذا اتيحت وسائل مساعدة كالأنشطة الفعالة والتكوين دخل السجن وتوفير أبسط الحقوق
بين الغربة والترحال
“تم ترحيلي من سجن سطا الى السجن المحلي وادي زام، قبل طلوع الشمس بسويعات في أجواء خطرة، كانت الطريق وعرة أما السائق فلا أعتقد أنه كان على دراية بقانون السير، كنا مجردين من متاعنا وطعامنا لعدم معرفتنا بموضوع الترحيل، ظللت أدعو الله في نفسي ان أصل وانا على قيد الحياة..”
هشام25 عام سجين سابق
من المعلوم ان نهاية كل مجرم او فاسد ان يقبع في السجن وذلك لأسباب مختلفة منها ما يرتبط بالعنف، الاتجار بالمخدرات والسرقات… في هذا المناخ لا تتاح لك مساحة من الخصوصية، وتتقلص أبسط حقوقك وتصبح معزولا ومغتربا عن الاهل والاصدقاء.. ليجد في التكيف خيارا من اجل التعامل مع ضرورة العيش داخل السجن. في هذا الصدد يؤكد عالم النفس الاجتماعي كريغ هاني: “ان تجربة السجن تغير السجناء كليا وتؤذيهم، ولا يسلم من أذاها الا القليلون”
اما فيما يخص مسألة ترحيل السجناء فقد جاء في البند الثاني من المادة 45 من دليل القواعد الدنيا حظر نقل السجناء في ظروف سيئة من حيث التهوية والإضاءة، او بأية وسيلة تفرض عليهم عناء جسديا لا ضرورة منه. كما يجب اعتماد مبدأ الكفاءة المهنية من خلال التمكين السديد لوسائل النقل المندوبية، وقاية من حوادث السير، واحترام حقوق الانسان المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية.
خطر الإدمان
“لقاو عندي الأقراص المهلوسة أو عطاوني قتلى ديال العصا او حكمو عليا ب 5 أشهر نافذة.”
أيوب 24 عام سجين سابق
تنمو ادمغة الشباب وتتطور حتى منتصف العشرينات من العمر. هذا ينطبق بشكل خاص على قشرة الفص الجبهي والتي تستخدم لاتخاذ القرارات. لكن يمكن ان يتداخل تعاطي المخدرات في سن الشباب مع عمليات النمو التي تحدث في الدماغ وبالتالي يؤثر على اتخادهم القرار يكونون أكثر عرضة للقيام بأشياء محفوفة بالمخاطر مثل القيادة الخطرة، والعنف، والجريمة… وهكذا كلما بدأ الشباب في تعاطي المخدرات مبكرا زادت فرصهم في الاستمرار في تعاطيها وان يصبحوا مدمنين في وقت متأخر وتفاقم المشكلات الصحية مثل امراض التنفس، القلب، واضطرابات النوم
كلها تنشأ بفعل تجارب الحياة المبكرة المجهدة، واشكال أخرى من الصدمات التي تتركب بفعل غياب الاشراف والمراقبة من طرف أولياء الأمور،
معانقة الحرية
بعد الافراج، من المحتمل ان يؤدي تغير شخصية السجناء على نحو يسهل معه اندماجهم في المجتمع، او يزيد من احتمالات معاودتهم لارتكاب الجرائم و هكذا بذلا من إعادة التأهيل و الإحساس مجددا بالاستقرار و الانتماء للجماعة ، ترتفع نسب العودة لارتكاب الجريمة لأسباب مثل: تفاقم الأمراض النفسية كما العقلية الى جانب انعدام الثقة بأنظمة العدالة يجعل من علاقة هؤلاء المجرمين مع القانون أكثر عدوانية ، وفي هذا الصدد أجرى باحثون من معهد علم الجريمة بجامعة كامبريج حوارات مع مئات السجناء، و انتهوا الى ان عقوبة السجن الطويلة، ‘ تغير شخصية السجناء الى ابعد حد ، وقال احد نزلاء السجون الذي تجاوز عمره الأربعين: ” أتعامل ألآن خارج السجن، كما لو كنت لا أزال خلف القضبان “.