هنا الراشيدية، حيث صوب موقع لوبوكلاج عدسة كاميراته لالتقاط أجواء يوم عرفة والطريقة التي يحتفل بها سكان المنطقة بهذا اليوم.
في منطقة أسرير، حيث كان في استقبالنا أهل المنطقة قبل الانتقال إلى ضيافة إحدى الأسر.
فمنذ نسمات الصباح الأولى، تبقي هذه العائلة على أبواب منزلها مشرعة بالكامل، بغاية استضافة كافة أفراد العائلة ممن تسنى لهم المجيء.
على مائدة الاستقبال؛ ابتسامة وفرح وشاي مغربي وأصناف حلويات تسر الناظرين.
مباشرة بعد الانتهاء من تلك الجلسة العائلية، حيث يتحلق الجميع حول المائدة، ويتجاذبون أطراف الحديث. يباشر الرجال الحاضرون استعدادات لذبح أضحية عرفة. فيشرعون في المهمة على مرأى من الجميع.
بعد انتهاء الرجال من مهمة الذبح، يجتمع كل المشاركين لاقتسام العجل، كل بحسب قدر مساهمته من المال. فيما ينتقل جزء آخر للجيران والمعارف ممن يعيشون ظروفا صعبة.
أما الباقي تتكلف به النسوة وتقمن بتجهيزه و طهيه ليصبح وجبة غذاء يلتف حولها كل الحاضرين.
استجوبنا حميد، رب هذه الأسرة، ليقربنا أكثر من هذه العادة التي ظل متشبثا بها منذ رحيل والده.
يقول حميد أن هذه العادة ورثها أبا عن جد، وأصبحت جزءا منه، فرغم كل الظروف والتحديات، لن يتخلى عنها، فهي تحافظ على تماسك الأسرة والأحبة.
كما أضاف أن الرجال والشباب يتولون مهمة الذبح والتقطيع والتوزيع، فيما الأطفال يضرمون النار لشواء قطع من اللحم، ويكون ذلك مطية فرحة عارمة، وقال أن الشاي كنعصر” اللمة” لا يغيب عن هذا المشهد الطقوسي.
مولاي احمد دريسي، باحث في علم الاجتماع و الأنثروبولوجيا الدينية، يقول بأن الذبح يوم عرفة من العادات القديمة، و بالنسبة للمغاربة، فهو اليوم الذي يأتي مباشرة قبل عيد الأضحى.
تُستمد طقوس الذبح في يوم عرفة من مكانة هذا اليوم عند المسلمين، وما يحظى به من تعظيم، ويصومه غير الحجاج، ويشكل مناسبة للذكر والاستغفار والتصدق وصلة الرحم وغيرها من أعمال البر.
فيتخذ هذا الذبح طابعا جماعيا بما يحمله من دلالات التضامن بين الأسر على اختلاف مستوياتهم الاجتماعية، والرغبة في مشاركة الفرحة وتعميمها على كل الناس داخل القبيلة.
وما دام الذبح جماعيا فغالبا ما يذبح عجل أو بقرة، حسب عدد المشاركين في “الوزيعة”، فيتم الذبح وكذلك التوزيع بشكل جماعي.
و يضيف المتحدث ذاته أن الذبح قد يكون فرديا، فتذبح بعض الأسر ما تيسر لها من جذي أو خروف صغير أو شاة أو غيرها. وقد يكتفي البعض بشراء كمية من اللحم. ورغم ذلك يطغى الطابع الجماعي على طقوس الذبح يوم عرفة.
و الغاية منه تكريس العدالة الاجتماعية في تناول الشواء واللحم في تلك الليلة. حيث لا يقبلون أن تنبعث روائح الشواء في كل الأرجاء وتبقى بعض الأسر محرومة.
ويمكن تفسير الذبح الجماعي يوم عرفة عند المغاربة عامة، وعند قبائل واحات الجنوب الشرقي خاصة بالشعور بالآخر…
و في تعليقه على ارتفاع الأسعار، و مدى تأثيره على استمرار هذه العادة، قال دريسي أنه لا توجد أية علاقة للذبح الجماعي يوم عرفة بارتفاع أسعار اللحوم، لأنها تقليد ديني قديم، استمر لقرون.
ويحكي بعض كبار السن أن هذه العادة كانت حتى قبل أن يباع اللحم بالطريقة المعروفة اليوم “عن طريق الجزار وبالكيلوغرام”. حيث كان اللحم يباع بطريقة” لوزيعة”؛ أي ذبح شاة أو بقرة وتوزيعها على عدد المشاركين بالتساوي.
. وكل واحد يدفع المبلغ المالي المستحق عليه على طريقة الأسهم.