الثقافة كانت وستظل مقياسا حضاريا تقاس بها عظمة الأمم والشعوب، فهي العامل الأساس الذي يساهم في تطوير المجتمعات وتحديثها، وهي النبع الأصيل لتدفق كل قوى فاعلة يملكها المجتمع، ليتحرك ويحقق أهدافه وغاياته، وهي أيضا أساس التعايش بين المجتمعات، لتحقيق الأمن والسلام والتقدم الحضاري.
والثقافة كما تشمل الكتابة نثرا وشعرا، والموسيقى والرقص والفنون التشكيلية والمسرح والفنون التقليدية، تشمل كذلك التربية ومختلف العلوم الإنسانية والعلوم البحثة، لتصوغ المجتمع وفق المبادئ التربوية والأخلاقية والتطور العلمي في بيئة واعية متطورة، تقوم على التوازن بين العلم والتربية، بين المعرفة والحس الجمالي والسلوك، وفق رغبات الفرد الشرعية وحقوق المجتمع القانونية، لتمكن الجميع من نظرة متوازنة للتقدم والحضارة، حتى تتم الملاءمة بين مصالح الأفراد والجماعات. الا ان الثقافة تراجعت مستوياتها بازدهار التفاهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتغذي العقول بالخرافة واللامعقول والعبث.
نظرا لأهمية الثقافة في مجتمعنا المغربي والعربي ونظرا لما أصبح ينخر هذا الأخير من امراض وعلل سمتها التفاهة وعنوانها الرداءة، فقد قررت جريدة لوبوكلاج استضافة الكاتب والناقد، رحال الادريسي مشكورا على تلبيته للدعوة وعلى أجوبته القيمة والواضحة على أسئلة الجريدة.
قبل البدء في حوارنا استاذ، لابد من وقفة بسيطة للحديث عن احوالنا الثقافية بالمغرب في ظل الوضعية الراهنة.
· الى أي حد يهتم الشباب بالثقافة عامة وبالثقافة المغربية خاصة؟
أشكر الأستاذة عزيزة بوطهير على الدعوة و على هاته الثقة ، لأكون ضيفكم في حلقة من حلقات جريدتكم الموقرة آملين أن نكون في مستوى تطلعاتكم .
وأنتم كإطار فاعل في تبليغ رسالة النبل و رسالة السلطة الرابعة السلطة التي تعيش حيادها و عدلها و قوتها بين المجتمعات، الخبر سيف لا يصل إلاّ بعد صبر على نار التمحيص… و لا أنسى من خلال منبركم أن أشكر كل النزهاء العاملين بهاته المهنة الشريفة أما الباحثون عن الثراء و أكباش الفداء الباحثين عن مستنقعات الأخبار و بركها فضح عورات الغافلين أو الجاهلين من فقراء زُجّ بهم و أقحموا في مادة تخدش الحياء فقراء الرد الصريح و القول الفصيح…
ردا على سؤالك الأستاذة عزيزة سأقول:
أصاب الشارع المغربي و المثقف العربي شرخ كبير ، مزّق ألياف القوة المثينة الداعية إلى القراءة و التثقيف و مصاحبة الكتاب، إن أردنا الحديث على الثقافة لا بد أن نتحدث على البيئة الداعمة للثقافة و التنوير للتنشئة و الطفل قبل اليافع و الناضج، و إن أردنا الحديث على المثقف لا بد من طرح السؤال ما هي المادة الجاهزة لملء الفراغ و لتغذية الروح القارئة؟ أصيب المواطن المغربي بمنهجية التفريغ بدل التفريخ، كيف ذلك؟
تفريغ المقروء من المحتوى الهادف و المساهم في تنمية الفكر والروح معا، قل لي ماذا تقرأ أقول لك من تكون و كيف تكون الذرية من بعدك؟
المثقف والبيئة والحصيلة
لماذا المثقف؟
على حد تعبير ألان دونو (نركب سفينة العبيد المعاصرة)نظام التفاهة الصفحة 299ألان دونو ترجمة د.مشاعل عبد العزيز الهاجري.
و إن قلنا العبيد فيعنى بها التبعية في كل الخطى إلى جحر ضب كما قال رسول الله، التقليد الأعمى دونما علم و دونما تثقيف للأجيال،و هنا سنربط ركوبنا السفينة كمجتمع و التفريغ للب الفكر كتسيير من أيادي خارج الرعاع و القطيع…هي تشاكلات و تعالقات بين خيوط الفراغ التوعوي على جميع الأصعدة فكيف بمجتمع يعيش الريادة و الجهل ينخر أحشاء القاعدة العريضة منه هنا يتبادر إلينا السؤال الآتي و الأسئلة تزدحم و يشد بعضها ببعض: السؤال إلى أين نسير و ماذا يراد بنا؟
الثقافة تعرف تنازلا و اندحارا لا مثيل له و الأسباب المتدخلة في هاته النكسة متشعبة كأرجل الأخطبوط، نعود إلى البيئة المساهمة في توعية النشء كمشروع قادر على الفهم و استمراريته في مصاحبة كل ما هو مغذي للفكر من كتب و مجلات و كتب مدرسية ،
في القريب غير بعيد كان الصغار يتوافدون على الكتاتيب و دور القرآن كمرحلة أولى قبل التمدرس، و كان الحرص الشديد من الآباء رغم أميتهم لكن كان العلم و حب كتاب الله ديدنهم، حرصهم الشديد على الصغار و تربيتهم تلك جعلت الرعيل الأول جيلا قارئا و متابعا و متتبعا و شغوفا بنهمٍ للكتاب،
غير جيل اليوم الذي شتتت تفكيره تيارات عدة و لم يعد الشِّراعُ يما هي ريح المسير …تعددت الرياح فجرفت بالراكب و مزّقتِ الشراعَ…لكن يبقى منا الشرفاء من يحملون هم التائهين بين الغوغاء وهؤلاء التائهون ينتظرون أيادي الخلاص من قلوبٍ ترحمُ ضَيَاعَهُم في فلاةِ الجهلِ و التهميش.
وكأننا مقصودون بما نحن فيه و بما نحن عليه تجويع و تفقير و أخذ بمعصم الشرفاء لنركب سفينة العبيد المعاصرة و يجرنا الاستعباد إلى الاستبعاد. من عبيد يركبون سفينة الجهل و التفقير و التجويع إلى مستبعدين غير فاعلين في المجتمع،
قد يقول قائل ما علاقة الثقافة و التثقيف و الاستبعاد و الاستعباد؟ فأقول الاستبعاد نقيض للاندماج أو الاستيعاب نفور بين كفتين مقلوبتين في ميزان المشاركة في الوطن، فحري أن تكون جميع أطيافه فاعلة تدفع بعجلة المجتمع إلى الأمام.
· ماهي في نظركم العوامل المؤثرة في تدني وتدهورالثقافة المغربية في الآونة الأخيرة؟
نعيش مجتمعا منهارَ قيمٍ منهارَ تجديد و استيعاب . و هذا لا يختلف اثنان عليه، نحن واكبنا تطور المجتمع في بعض المحطات لكن تشوبه خوارم توقف عربة التبشير بمستقبل نلمسه لمجتمع واعٍ مجتمع تعرف نسبة الثقافة فيه مؤشرات تنبئ بالخير لأجيال تحمل شعلة الوطن فلا ينطفئ أوارها و لا تعرف بَوَارَها، شعلة تستنسخ و تبني ثلة ممن يقودون السفينة إلى بَرّ الأمان ،
فتح المدارس و منح تعليم يرقى بالفرد والمجتمع، و دخل محترمٍ للمدرّس يستوعب به رسالة الشرف للأجيال، و تكوين مستمر مع مراقبة شريفة لا يشوبها نواقص في شخصيات التفتيش و المراقبة، البحث عن أكفاء لكل مهمة دون محسوبية و لا زبونية، لهكذا أدوات و معطيات تمنحنا جيلا يحفظ الأمانة و يسوق بنا سفينة تمزقت أشرعتها في بحر لُجّي من منافسات شرسة بين الأمم….إذن ما الأسباب المؤثرة في تدني الثقافة في الآونة الأخيرة؟
ندرجها في مجموعة من العوامل المؤثرة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر.
ما علاقة النشء بالمجتمع ؟ و ما علاقة التعليم بالنشء؟ و ما علاقة الفرد بالأسرة و ما علاقة الأسرة بالمجتمع؟ ثم ما علاقة الفرد بالمجتمع؟
إذا أردنا أن نتحدث عن الثقافة و تدني مستواها في المجتمع فإننا نشير إلى الرأسمال الاجتماعي فتطوره رهين بمكوناته، و مردوديته و حصيلته في سوق المنافسة رهين بالمنجز و المنتوج الجاهز كمجتمع متلاحم مجتمع واعٍ و مجتمع كله أطر فاعلة و وازنة،
تكونت أحسن تكوين فتخرّجت و لها شهادات و كفاءة و قدرة تخوّل لها توطين الذات و مزاحمة بشرف أمام نظيراتها من اليد الفاعلة و الأدمغة المؤثرة عمل بعض الزعماء على صناعة العلماء بتعليم متميز و أيديولوجيا بها تنافح لتسابق الأمم تحارب الفقر المدقع و الجهل المُذِلْ…
لكن و للأسف الشّديد يحتل وطني مراتب متأخرة في التعليم…كيف نكون بهذا المستوى؟ و كيف تكون الثقافة في غياب وازع التعلّم و الإرادة لذلك …أصاب مجتمعنا انكسارات في نسق التعليم لم تنجح المنظومة إلى حد ما في بسط اليد تنظيرا و تعليما و ترسيخا، ترغيبا في العلم بأقل تكلفة و بأبلغ رسالة نحن لا نضرب بالمنظومة ككل عرض الحائط لكننا نشير إلى النكسة التي أصابت القاعدة المتعلمة، أين الوقت الثالث و البرامج المحفزة للتلميذ داخل المؤسسة ؟
و أين سباق المدن و الأنشطة الموازية المسهِمة إلى حدٍّ ما في إشعاعات الترفيه و حب المنافسة،و أين دَور دُور الشباب في الإسهام في تربية النشء دعما و استقطابا للمواهب،حتى المدن الصغرى المقاومة من حيث الدعم للأنشطة أو مواكبة لأبنائها اجثتاتهم من مقبرة الفراغ إلى تنمية القدرات والمصاحبة حتى النضج ،
لا نبكي على أطلال الزمن الجميل فكل زمن جميل إن وُجد من يخلق من سواد الليل قمرا منيرا، قد يقول لي أحدهم هناك برامج و هناك أنشطة… فأقول لا ننفي وجودها لكن نعترض على المحتوى و المضمون ، لم يعد هناك إبداع يرقى لتطلعات الفكر المعاصر و تنافسية الأجيال المعاصرة اليوم كانت باكالوريا مغربنا توازي بكالوريا دول أخذت بزمام التعليم و لها الكلمة بأطرها و خريجيها الأكفاء …جيل بوكماخ تربى على لذة القراءة و متعة نصوصها على حد تعبير بول سارتر في كتابه متعة النص (فالكتاب،
و بالتالي الكلمة المقروءة،تظل الوسيلة الأكثر تأثيرا في شخصية الطفل من جميع وسائل التثقيف الأخرى رغم تنوعهاو تعددأجهزتها …)
كلينبرغ(اوتو)علم النفس الاجتماعي.ترجمة حافظ الجمالي .مطبعة جامعة دمشق.بدون تاريخ ص130 نقلا عن التنشئة الاجتماعية للطفل للدكتور محمد عباس نور الدين.
مجتمعنا اليوم أصابه الفراغ الثقافي الفاتك في ظل تكالب الثيارات الجارفة لشبابنا اليوم والعاصفة بهم في مكان سحيق من ضجيج غير مجدٍ و بهرجةٍ قاتِلةٍ للفكرِ و للروحِ ، في ظل غياب المراقبة و المتابعة من أولياء أمورهم ،هذا فيما يخص الفيئة العمرية المتوسطة،
أما ما تجاوز ذلك فصعبٌ الرجوعُ و التّنصُّلُ من عاداتٍ شبَّ عليها و شابَ، الشارع أكبر مرب بعد المدرسة و الأسرة و أولياء الأمور، لمّا تكون البيئة و العوامل الخارجية غير سليمة، أصيبت بأمراض تمزق القيم و تضرب الأخلاق في العمق ، يصبح ٣الخوف و التخوف أكثر على أطفالنا و مراهقينا من الشارع.
فما علاقة النشء بالشارع و ما علاقة النشء بالمجتمع ؟ و ما علاقة التعليم بالنشء؟ و ما علاقة الفرد بالأسرة و ما علاقة الأسرة بالمجتمع؟ ثم ما علاقة الفرد بالمجتمع؟ في اتصال مباشر بين مكونات المجتمع ، و التيار التربوي عبر قنوات التأثير ،
إن كان التوجيه سليما انتقلت حصيلة الجهد والتربية، و إن كانت أمراض تقسم ظهر القلوب انتشرت العدوى ، وفي الدراسات يقال الشحنات السلبية أسهل انتشارا من الإيجابية ، و معلومة سلبية واحدة تخرب عشرون معلومة إيجابية…لا ننسى الرفقة التي تؤثر في الفرد.
كتب الدكتور محمد عباس نور الدين و قد وضع عنوانا مناسبا و مثيرا: عندما يصبح الشارع فضاء لتشرد الطفل و المراهق أورد فيه (إن الطفل في الطبقات الدنيا من المجتمع لايعاني من الحرمان الاقتصادي فقط ،
و إنما يعاني أيضا من الحرمان الثقافي الذي يعتبر أشد خطورة من الحرمان الاقتصادي لكونه يمس شخصية الطفل و سلوكه و مدى قدرته على التكيف مع المجتمع و بالنظر للجو السلطوي الذي يسود الأسرة في الفئات المحرومة
و للغياب المادي و المعنوي للأبوين و لعدم إشباع الحاجات الأساسية للطفل)الصفحة 25 /26 التنشئة الاجتماعية للطفل من خلال نص الدكتور محمد عباس نور الدين الباحث في علم النفس نجد أن هناك حبل يشد بأطراف كل من الفرد و الأسرة و المجتمع و الشارع و كلها دوائر تأثير في تكوين شخصية الطفل و المراهق و هاته الشخصية هي التي تستقرئ ثقافة الفرد و الأسرة و المجتمع و الشارع ،
نحن أمام حلقات من سلسلة تربوية مؤثرة و متأثرة تنطلق (من الفرد إلى الأسرة و من المجتمع المحلي إلى مستوى الإقليم ثم المستوى القومي ثم المستوى العالمي)تانيا بورتشارد و جوليان لوغران و دافيد بياشو الإستبعاد الاجتماعي عالم المعرفة العدد 344/2007 ص 34 الإستبعاد الاجتماعي /محاولة للفهم تحرير جون هيلز /جوليان لوغران/دافيد بياشو ترجمة و تقديم أ.د محمد الجوهري.
إذا لم يكن كوابح و رادعا لكبح جماح العدوى ، و كما يقاس على أي ظاهرة من الظواهر المتفشية بين المجتمعات نسقط ظاهرة الثقافة و تغيراتها من الجيد إلى الأسوأ.في رسم تخطيطي بصلي يضم مجموعة من الدوائر في النواة الفرد خروجا إلى المستوى العالمي تراتبيا من الداخل إلى الخارج.
المستوى الفردي : السن النوع العجز التفضيلات المعتقدات و القيم.
مستوى الأسرة: الارتباط ب شريك الأطفال مستوى الرعاية
مستوى المجتمع المحلي: البيئة الاجتماعية و المادية، المدارس، الصحة، الخدمات الاجتماعية
مستوى الإقليم: سوق العمل ، النقل
المستوى القومي: المؤثرات الثقافية ، الضمان الاجتماعي، الإطار التشريعي
المستوى العالمي: التجارة الدولية ، الهجرة،تغير المناخ
نكون بذلك نقلنا خطاطة للاتجاه الفكري المتكامل الصفحة 34 من نفس المرجع
رأينا هاته الخطاطة مناسبة تدرج و تسلط الضوء على المؤثرات في الفكر و الثقافة ، انطلاقا من الفرد إلى خارج الوطن.
لماذا البيئة؟ (و المجتمع المحلي لا يتأثر فحسب بالمستويات الأوسع منه -كالمستوى القومي و المستوى العالمي- بل يتأثر كذلك بالعائلات و الأفراد الذين يشكلون كيانه.و قد يبدو هذا الأمر واضحا،و لكنه يتناقض مع أغلب التحليلات الراهنة التي تعالج المؤثرات الفردية و العائلية و مؤثرات المجتمع بوصفها عوامل منفصلة فعلا و لكل منها آثارها المستقلة بعضها عن بعض…
فإن كان السبب يُعرف كما علمنا الفلاسفة، أنه حدث يسبق نتيجة و من دونه لم تكن النتيجة لتحدث، فمن الواضح أنه يستحيل علينا الكلام عن سبب مفرد… )تانيا بورتشارد و جوليان لوغران و دافيد بياشو الإستبعاد الاجتماعي عالم المعرفة العدد 344/2007 ص 34 الإستبعاد الاجتماعي /محاولة للفهم تحرير جون هيلز /جوليان لوغران/دافيد بياشو ترجمة و تقديم أ.د محمد الجوهري.
· بعدما قمنا بجردٍ للواقع المعاش و جس النبض لحال ثقافتنا و الحرقة على تدني المستوى الثقافي لابد من طرح سؤال و أراه يفرض نفسه ، لماذا هذا الانفلات الخطير؟ و لماذا هذا السقوط الحر للقيم من قمة الأخلاق إلى الحضيض؟ هل غاب كل وازع يشد بأهداب القاعدة الكبرى للمجتمع؟
إن غابت مناعة مكتسبة من كوادر عملوا على صد كل دخيل يخرب جينات الثقافة الفاعلة المؤثرة و المخربة لنخاع الفكر المنتج و الفاعل ، في بلدان من الضفة الأخرى يجندون خبراء و علماء للتصدّي لكل ظاهرة تقزّم من كبرياء الهياكل المؤسسة لتلاحم الشعب و قوته، تنفق ميزانيات للبحث عن الأسباب و استئصالها من جدرها، قبل أن يفور التنّور و لا تستوي قط سفينة الأمان على الجودي…و ما البحث الذي أجرته المدرسة العملاقة ببريطانيا مدرسة لندن للإقتصاد و العلوم الاجتماعية ،
خير بحث كما دعا إلى ذلك رايت ميلز للخروج من الخيال السوسيولوجي إلى البحث الاجتماعي و الكتابة فيه …و هذا النقد لا يقوم على التأمل أو الشطح الفكري ،أو التوجهات الطوباوية (الخيالية أو المثالية) أيا كان مصدر إلهامها ،
بل تقوم على الرصد العلمي للواقع و التحليل العلمي الناقد) الاستبعاد الاجتماعي عالم المعرفة العدد 344 أكتوبر 2007 الصفحة تحرير جون هيلز /جوليان لوغران/دافيد بياشو ترجمة و تقديم أ.د.محمد الجوهري.
فنحن اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى ، أن نوقف هذا النزيف و استئصال الداء و البحث عن الدواء و ما ذلك على الله بعزيز ، فحين تتلاحم الإرادات القوية و التركيز على حلول ناجعة تخرج الشباب من مستنقع التفاهة و الفراغ الفكري و الخواء الروحي نكون قد سلمنا مفاتيح السلف لخير خلف في أيادي آمنة تحفظ ماء وجه المغاربة الأحرار الذين عُرفوا بباعهم في القوة و الحنكة و العلم و الحكمة ، و ما القاضي عياض ببعيد و لا ابن بطوطة الطنجي المغربي عنه بأقل منزلة بين كل نحرير جر سيفه مدافعا أو جر قلمه منافحا و الحجة بالحجة…
الواقع المغربي اليوم لا يبشر بخير نرى جيلا من دناءة المستوى و ضعف الاستيعاب و نباهة المعلم و المتعلم ، نحتاج لسنين حتى يصفو هذا الماء العكر من شوائب ثقافات دخيلة ذرّت الغبار على عيون أبنائنا فأصيبوا بعمى الأبصار، فإنه لا تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور، فأين لنا من محرك يعيد النبض لهذا القلب الآيل لسكتة جماعية تصيب وطننا بشلل في عمق هويتنا و عقر دار تراثنا و في عمق دار تقاليدنا و الدريعة حرية أُريدَ بها استعباد العقول في عصر أصبح سوق النخاسة من الآثار المنبوش عنها و من الحفريات. و من المثقف و البيئة تكون الحصيلة.