بعد عقدين في السلطة، بدا الرئيس التركي المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان (69 عاما) مهددا بتداعيات الأزمة الاقتصادية واستئثاره بالسلطة، لكنه فاز مساء الأحد في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو (74 عاما) زعيم حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي).
وقال أردوغان بعيد فوزه في إسطنبول أمام أنصاره “عهدت إلينا أمتنا مسؤولية حكم البلاد للسنوات الخمس المقبلة”.
وأضاف “أظهرت هذه الانتخابات أن لا أحد يستطيع أن يهاجم مكتسبات هذه الأمة”.
وذكرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية أن أردوغان حصد 52,1 في المئة من الأصوات مقابل 47,9 في المئة لخصمه كمال كيليتشدار أوغلو بعد فرز نحو 99 في المئة من بطاقات الاقتراع.
وكان خاض الدورة الثانية الأحد من موقع قوة بعدما حصل على 49,5 % من الأصوات مقابل 45 % لمنافسه كيليتشدار أوغلو في الدورة الأولى.
لا السجن ولا التظاهرات الحاشدة ولا حتى المحاولة الانقلابية عام 2016 نجحت في وقف صعود الرئيس. لكنه واجه انتقادات شديدة بسبب وضع الاقتصاد التركي وغضب الناجين من زلزال السادس من شباط/فبراير المدمر الذين تركوا لمواجهة مصيرهم في الأيام الأولى التي تلت الكارثة.
أحدث أردوغان تحولًا عميقًا في تركيا من خلال مشاريع بنى تحتية ضخمة تضمنت بناء طرق سريعة ومطارات ومساجد، وسياسة خارجية منفتحة على شرق آسيا ووسطها على حساب حلفاء أنقرة الغربيين التقليديين الذين حاول التقرب منهم إثر وصوله إلى السلطة.
رغم النفور الغربي تجاهه، سمحت له الحرب في أوكرانيا بالعودة إلى صدارة المشهد الدبلوماسي بفضل جهود الوساطة التي قام بها بين كييف وموسكو، إلى جانب تعطيله منذ نحو عام دخول السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).
لكنّ معارضي أردوغان يتهمونه بنزعة استبدادية، ولا سيما بعد المحاولة الانقلابية التي وقعت في تموز/يوليو 2016 والتعديلات الدستورية عام 2017 التي وسعت صلاحياته.
– خطيب مفوّه –
غالبا ما يصور أردوغان في الغرب على أنه سلطان متمسك بالعرش. لكن الرجل الذي يحن إلى الامبراطورية العثمانية والذي شيّد قصرا يضم أكثر من ألف غرفة في أنقرة، يواصل تقديم نفسه بصفته رجلا من الشعب في مواجهة “النخب”.
واستند إلى هذه الصورة ليفوز في كل الانتخابات منذ تولى حزبه العدالة والتنمية السلطة في 2002. لكنه واجه هزات سياسية خصوصا عندما حرمته المعارضة في 2015 من غالبيته البرلمانية، ثم انتزعت منه رئاسة بلديتي أنقرة وإسطنبول عام 2019.
ورغم تباطؤ حركته في بعض الأحيان، لا يزال رجب طيب أردوغان قادرا على عقد ثمانية اجتماعات في يوم واحد، ويستعرض قدراته الخطابية مستشهدا بقصائد قومية وآيات قرآنية لإثارة الحشود.
ولد أردوغان في حي قاسم باشا الشعبي في إسطنبول وكان يتطلع الى احتراف رياضة كرة القدم التي مارسها لفترة قصيرة، قبل الانتقال إلى العمل السياسي.
تعلم أصول اللعبة السياسية داخل التيار الإسلامي الذي كان يقوده نجم الدين اربكان، ثم دفع الى الواجهة مع انتخابه رئيسا لبلدية اسطنبول في 1994.
في 1998، حكم عليه بالسجن مع النفاذ بعدما أنشد قصيدة دينية، في حادث ساهم في تعزيز موقعه.
وسنحت له الفرصة للانتقام عند فوز حزب العدالة والتنمية الذي شارك في تأسيسه، في انتخابات 2002. ففي السنة التالية أصبح رئيسا للحكومة وبقي في هذا المنصب حتى 2014 عندما أصبح أول رئيس تركي ينتخب بالاقتراع العام المباشر.
ويبقى أردوغان المتزوج والأب لأربعة أولاد، في نظر أنصاره الوحيد القادر على “التصدي” للغرب وقيادة السفينة عبر الأزمات الإقليمية والدولية.
لكن منذ التظاهرات الكبيرة المعادية للحكومة والتي قمعت بعنف في ربيع 2013، أصبح أردوغان الشخصية التي تواجه أكبر مقدار من الانتقادات في تركيا.
واجه الرئيس أشد اختبار ليل 15 إلى 16 تموز/يوليو 2016، خلال محاولة انقلابية دامية.
وطبعت في الأذهان صورة أردوغان شاحب الوجه، وهو يطلق نداء إلى الشعب في تلك الليلة عبر شاشة هاتف نقال، ثم بعد ذلك وصوله مظفرا إلى مطار أتاتورك القديم في إسطنبول عند الفجر معلنا هزيمة الانقلابيين.